استقالة عبد المهدي تحرج القوى السياسية العراقية

وسط رفض الشارع للمرشح البديل

أبناء عشائر مسلحون يرددون هتافات تضامناً مع المحتجين على أطراف كربلاء أمس (رويترز)
أبناء عشائر مسلحون يرددون هتافات تضامناً مع المحتجين على أطراف كربلاء أمس (رويترز)
TT

استقالة عبد المهدي تحرج القوى السياسية العراقية

أبناء عشائر مسلحون يرددون هتافات تضامناً مع المحتجين على أطراف كربلاء أمس (رويترز)
أبناء عشائر مسلحون يرددون هتافات تضامناً مع المحتجين على أطراف كربلاء أمس (رويترز)

يبدو أن رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي «ضيع المشيتين» كما يقول العراقيون. فعبد المهدي الذي تحول إلى مجرد رئيس وزراء لتصريف الأعمال اليومية بات يجد نفسه في حرج بالغ ما دام لم يعد يملك مزيداً من الصلاحيات.
وفي حين يجيز الدستور في أحد بنوده لرئيس الجمهورية برهم صالح الحلول محل رئيس الوزراء عند «خلو المنصب لأي سبب كان»، فإن مادة أخرى في الدستور تقول إن رئيس الوزراء يتحول بعد الاستقالة أو الإقالة إلى تصريف الأعمال لحين اختيار البديل. البديل لم يعد بيد أحد منذ 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما بدأ الحراك الشعبي غير المسبوق في العراق.
رئيس الجمهورية، الذي يملك، وفق الدستور، صلاحية اختيار مرشح آخر لمنصب رئيس الوزراء بعد الانتهاء من قصة «الكتلة الأكبر»، لا يستطيع تجاوز الكتل السياسية والبرلمان؛ حيث لا بد لأي مرشح من أن يحظى بثقة الغالبية العظمى من عدد أعضاء البرلمان لكي ينال المرشح المنصب. عامل آخر دخل بقوة هذه المرة ليس على رئيس الجمهورية الذي بات بعض الكتل يضغط عليه لاستخدام صلاحيات كانت «مضمومة» عنه أيام كانت الكتل هي التي تتسيّد المشهد وتعدّ صلاحيات رئيس الجمهورية مجرد بروتوكولية، وهذا العامل يتمثل في الحراك الشعبي الرافض لأي مرشح لمنصب رئاسة الوزراء من بين أعضاء الطبقة السياسية. وفي هذا الوضع، بات الجميع يدور في حلقة مفرغة في وقت لم يبق فيه على نهاية المهلة الدستورية سوى 5 أيام ستكون حاسمة والأكثر إحراجاً للجميع. عبد المهدي أعلن من جهته أنه يرغب في ألا تستمر فترة تصريف الأعمال اليومية. أما الشارع المنتفض فبات يلعب على أعصاب القوى السياسية. فلا هو يقبل بمرشح من قبلها، ولا هو يطرح مرشحاً من قبله. هذه المعادلة التي تبدو شديدة الاختلال يفسرها عضو البرلمان العراقي عن «كتلة الفتح» محمد سالم الغبان، وزير الداخلية الأسبق، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن «العراق فقد البوصلة، ونحن على أعتاب الفوضى نتيجة نجاح مخطط الأعداء بتوظيفهم قضية حقة؛ انعدام ثقة الشعب والمرجعية بالطبقة السياسية، نتيجة تراكمات 16 عاماً من الفشل وسوء الإدارة وعدم جديتهم وغياب الإرادة الصادقة في الإصلاح». ويضيف الغبان: «لم يعد أي توصيف للمعايير والمواصفات لرئيس الوزراء مجدياً؛ فالتوجه الحالي يقضي برفض أي سياسي متصدٍّ سابقاً؛ وإن كان ذا كفاءة ومخلصاً بل وناجحاً بالتجربة». ويتساءل الغبان: «في حال طرحنا مرشحاً مستقلاً سياسياً ولم يتصدّ سابقاً لأي مهمة، فهل هناك أي مؤشر أو مقياس لنجاحه في ظل ظروف استثنائية لدولة هشة في جميع جوانبها، تعصف بها الصراعات المحلية والخارجية؟». ويقول الغبان: «سبق أن جربنا وزراء مستقلين تكنوقراط في ظل ظروف أفضل، فلم يكن حالهم على أقل تقدير أفضل من السياسيين أو الحزبيين، فما بالك بأن تأتي بشخصية مستقلة لمنصب رئيس وزراء وفي ظل هذه الظروف الحرجة من العملية السياسية المتأرجحة». ويمضي قائلاً إن «الأهم من كل ذلك هو أنه في حال أتى رئيس وزراء على مقاسات أميركية بحيث يتمحور مع سياسات إيران لجهة محور المقاومة، أو إنهاء النفوذ الإيراني وحل (الحشد) ويحدد دور المرجعية الدينية، فإن ذلك يعني أن إيران سوف تقف بالضد منه بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ وعلاقات وتأثير على القوى السياسية العراقية».
في مقابل ذلك، يرى القيادي البارز في «جبهة الإنقاذ والتنمية» أثيل النجيفي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «المطلوب من رئيس الوزراء المقبل مهمة واحدة فقط؛ وهي إجراء انتخابات تعبّر عن حقيقة الشارع العراقي، وتنجح بإيصال ممثلين حقيقيين يمكنهم تمثيل الشارع وتهدئة الأوضاع». وأضاف أن «مواصفات رئيس الوزراء يجب أن تتحدد بهذه الغاية»، مبيناً أن «مثل هذه المواصفات لا تتوفر إلا في شخصية مستقلة بعيدة عن الأحزاب والقوى وتأثيراتها، فضلاً عن أنه ينبغي ألا يمارس دوراً سياسياً في المستقبل، وأن يكون قوياً بما يكفي لكيلا ينصاع لرغبات الأحزاب وتزويرهم للانتخابات المقبلة».
وكانت معلومات أشارت إلى أن الكتل السياسية وصلت للقرار النهائي باختيار مرشح لرئاسة الحكومة وطرح اسمه خلال الأيام القليلة المقبلة مع بدء العد التنازلي لانتهاء المدة الدستورية لرئيس الجمهورية لاختيار رئيس وزراء جديد. وطبقا للمعلومات؛ فقد تم تحديد 6 شروط أساسية واجبة التنفيذ لتسلم المنصب، طبقاً لما أعلنه عضو البرلمان العراقي عن «الفتح» محمد البلداوي، مبيناً أن «المرشح يجب أن يحظى بقبول من المرجعية والجماهير في العراق»، مرجحاً «الإعلان عن الاسم بشكل نهائي نهاية الأسبوع الحالي بعد التوافق بين الكتل السياسية على الشخصية الأنسب بحسب المواصفات الموضوعة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.