الرئيس الأميركي يصف إجراءات عزله بـ{حملة مطاردة الساحرات}

الديمقراطيون: الأدلة تثبت أن ترمب وضع مصلحته الشخصية قبل مصلحة البلاد

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب
TT

الرئيس الأميركي يصف إجراءات عزله بـ{حملة مطاردة الساحرات}

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب

صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجومه على الديمقراطيين، ووصفهم بوصمة العار. وقال ترمب في سلسلة من التغريدات يوم الاثنين: «الديمقراطيون الذين لا يحققون شيئا هم وصمة عار!» وأضاف الرئيس أن إجراءات عزله هي حملة لمطاردة الساحرات.
تزامنت تصريحات ترمب مع دخول إجراءات العزل مرحلة جديدة. فقد عقدت اللجنة القضائية في مجلس النواب جلسة استماع لعرض الأدلة في ملف عزل الرئيس وذلك قبل الكشف رسمياً عن الاتهامات الرسمية بحقه. واختلفت هذه الجلسة عن جلسات الاستماع التقليدية، فالشهود هذه المرة هم المحققون في ملف العزل الذين سعوا إلى إثبات موقفهم عبر عرض الأدلة والوقائع. وقد استجوب محامو الطرفين الديمقراطي والجمهوري المحققين في ملف العزل. فقد استعرض الطرف الديمقراطي خلال الجلسة التي عقدت يوم الاثنين الأدلة التي جمعها المحققون في سياق التحقيق ضمن تقريرهم النهائي المؤلف من 300 صفحة، وفصّلوا الاستنتاجات التي أدت إلى توجيه الاتهام إلى الرئيس الأميركي.
رئيس اللجنة جارولد نادلر قال إن كل الأدلة تشير إلى أن ترمب خرق القانون، «كل الأدلة تثبت أن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب وضع مصلحته الشخصية قبل مصلحة البلاد. لقد انتهك مسؤوليته تجاه الأميركيين ونكث بقسم اليمين». وتابع نادلر: «كل الوقائع التي أشار إليها المُبلغ كررها شهود عدة. كما أن كلمات الرئيس الأميركي أثبتت هذه الادعاءات».
من جهتهم، عرض الجمهوريون في الجلسة تقريرهم المختلف جذريا عن التقرير الديمقراطي واتهموا الديمقراطيين بمحاولة قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية من خلال عزل ترمب. وقال كبير الجمهوريين في اللجنة دوغ كولينز: «ما يفعله الديمقراطيون ليس مبنياً على وقائع لكن على قرارات موجهة بهدف تغيير نتيجة الانتخابات». وتابع كولينز: «لا يمكنهم تخطي الواقع والاعتراف بأن ترمب هو الرئيس المنتخب، وهم يحاولون التأثير على نتيجة الانتخابات في غياب مرشح ديمقراطي قادر على هزيمة ترمب في صناديق الاقتراع».
وتعد هذه الجلسة إجراء بروتوكولياً، فهي لن تؤثر البتة على المرحلة المقبلة التي سيعلن فيها الديمقراطيون عن بنود العزل التي سيصوت عليها مجلس النواب. وقد أعرب نادلر عن ثقته المطلقة بقضية العزل، وقال في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» يوم الأحد إن «القضية الموجودة أمامنا قضية قوية للغاية. وإذا ما قدمت لهيئة محلفين فسوف نحصل على إدانة في غضون ثلاث دقائق». ورجح نادلر أن يتم الانتهاء من كتابة بنود العزل والإعلان عنها في وقت لاحق من هذا الأسبوع. ليمهد الإعلان بالتالي إلى تصويت مرتقب لمجلس النواب على بنود العزل نهاية العام الجاري. وقد حاول الجمهوريون إرجاء هذه الجلسة وقال النائب الجمهوري مارك مادوز لشبكة سي إن إن: «هناك فارق كبير بين ما يتم اتهام الرئيس به وبين ما حصل فعلياً». وعلى الرغم من عدم انتهاء اللجنة من كتابة بنود العزل فإن التوقعات تشير إلى أن الاتهامات تتضمن بندين على الأقل، الأول هو استغلال الرئيس الأميركي لسلطته لمآرب سياسية، والثاني عرقلة تحقيقات الكونغرس.
هذا ولم يقرر الديمقراطيون حتى الساعة ما إذا كانت بنود العزل ستركز على الملف الأوكراني فقط أو أنها ستتضمن كذلك ملف التحقيق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية والذي أجراه المحقق الخاص روبرت مولر، خاصة في وجود اتهامات لترمب بأنه حاول طرد مولر أكثر من مرّة وهذا يُعدّ عرقلة لتحقيقات الكونغرس بحسب الديمقراطيين.
يأتي هذا بعد أن أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أنها وافقت رسمياً على البدء بكتابة بنود العزل وأعطت تعليمات للجنة القضائية في مجلس النواب لكتابة هذه البنود.
وقالت بيلوسي في إعلانها الأسبوع الماضي إن «أفعال الرئيس الأميركي انتهكت صلب دستورنا. إن نظامنا الديمقراطي على المحك. الرئيس لم يترك لنا أي خيار... الرئيس ليس فوق القانون، لقد استغل سلطته مقابل تحقيقات سياسية وخان ثقة الشعب». وكان ترمب أعرب عن ثقته بالفوز وانتقد الديمقراطيين قائلاً إن «الديمقراطيين من اليسار المتشدد الذي لا يفعل شيئا أعلنوا أنهم سوف يسعون لعزلي من دون سبب. لقد سبق وأن استسلموا بعد تقرير مولر السخيف واليوم يحاولون مهاجمة اتّصالين مثاليين أجريتهما مع الرئيس الأوكراني.». وتابع ترمب قائلاً: «هذا يعني أن إجراءات العزل المهمة للغاية سوف تستعمل بشكل روتيني لمهاجمة الرؤساء المستقبليين. لم تكن هذه نية المؤسسين. الجيد في الأمر هو أن صفوف الجمهوريين موحدة للغاية. سوف نفوز!»
ودعا ترمب الديمقراطيين إلى الإسراع في التصويت على عزله: «لا يملك الديمقراطيون قضية قوية لعزلي وهم يهينون بلدنا. لكن هذا لا يهمهم لقد فقدوا صوابهم لهذا أقول لهم إذا كنتم تريدون عزلي قوموا بهذا بسرعة كي أتمتع بمحاكمة عادلة في مجلس الشيوخ وأعود إلى العمل».
وتابع ترمب: «سوف نستدعي شيف وبايدن وبيلوسي وغيرهم للإدلاء بإفاداتهم، وسوف نكشف لأول مرة فساد نظامنا. لقد تم انتخابي لتنظيف (المستنقع) وهذا ما أفعله!».
إشارة إلى أن اللجنة القضائية ستصوت على بنود العزل بعد الانتهاء من كتابتها بعد ذلك ينتقل الملف إلى مجلس النواب الذي سيصوّت بشكل رسمي على عزل الرئيس الأميركي قبل نهاية العام.
وفي حال حصلت بنود العزل على الأصوات اللازمة لتمريرها في مجلس النواب، وهو الأمر المتوقع نظراً لسيطرة الديمقراطيين على المجلس والحاجة إلى الأغلبية البسيطة فقط للتمرير، ينتقل الملف حينها إلى مجلس الشيوخ. هناك تعقد جلسة محاكمة ترمب رسمياً ويؤدي أعضاء المجلس دور هيئة المحلفين، حيث يستمعون إلى إفادات المسؤولين عن ملف العزل في مجلس النواب من ديمقراطيين وجمهوريين وشهودهم. وستكون جلسة المحاكمة، في حال عقدها، برئاسة كبير قضاة المحكمة العليا جون روبرتس. ويحتاج قرار خلع الرئيس الأميركي من منصبه إلى ثلثي الأصوات في مجلس الشيوخ، الأمر المستحيل نسبياً نظراً لسيطرة الجمهوريين على المجلس.
وكان زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل أصدر رسمياً برنامج مجلس الشيوخ للعام المقبل، وقد غاب شهر يناير (كانون الثاني) عن البرنامج لأسباب متعلقة بالعزل. وقد قال مكتب مكونيل في بيان أرفق إصدار البرنامج: «لسوء الحظ ونظراً لعدم وجود برنامج واضح لمجلس الشيوخ بداية العام، لا يستطيع المجلس تحديد جدول لشهر يناير في الوقت الحالي». وذلك في إشارة إلى أن المحاكمة ستعقد على الأرجح طوال شهر يناير.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟