«الداعشيات»... ماضٍ مظلم ومستقبل مجهول

72 ألف نازح ولاجئ في مخيم الهول 90 % منهم نساء وأطفال

حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
TT

«الداعشيات»... ماضٍ مظلم ومستقبل مجهول

حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
حراس يرافقون محتجزة في مخيم الهول الذي يديره الأكراد للنازحين حيث تحتجز عائلات مقاتلي {داعش} بمحافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

في مخيم الهول في شمال شرقي سوريا، الذي بات ملاذاً آمناً للفارين من مناطق التنظيم سابقاً في سوريا والعراق، يوجد اليوم نحو 72 ألف نازح ولاجئ، 90 في المائة منهم نساء وأطفال، بحسب المسؤولين عن المخيم. وتُعَد نسبة العراقيين الأعلى من بين القاطنين، حيث يعيش 30875 ألفاً ضمن 8746 عائلة، أما السوريون فيبلغ عددهم 30593 ألفاً ويبلغ تعداد العائلات 8983.
وتم تخصيص قسم خاص في المخيم للنساء الأجانب وأطفالهنّ المتحدرين من دول غربية وعربية ويبلغ عددهم نحو 10734 ألفاً، من بينهم 3177 امرأة بعضهن قاصرات، أما الباقي فأطفال دون سن الخامسة عشرة. ويخضع القسم لحراسة أمنية مشددّة، حيث يمنع خروج ودخول النساء إلا بإذن خطي من إدارة المخيم وبرفقة عناصر من قوى الأمن الداخلي. وتأتي روسيا على رأس القائمة من الأجانب ويبلغ عدد النساء مع أطفالهن 2010. ويليها دول آسيا الوسطى بما مجموعه 2320 ومن ثم دول أوروبية 1200، إضافة إلى عدد آخر من المتحدرين من أميركا وأستراليا».
أما عدد النساء العربيات المهاجرات وأطفالهنّ فهو 1453، عدا العراقيات، ويأتي المغرب على رأس القائمة ويبلغ تعداد النساء والأطفال منه 582. تليه مصر 377 امرأة وطفلاً، ثم تونس 251. بينما يبلغ تعداد النساء والأطفال من الجزائر 98 سيدة وطفلها، ومن الصومال 56. ومن لبنان 29. ومن السودان 24. ومن ليبيا 11. ومن فلسطين 8، والرقم نفسه من اليمن، إضافة إلى 9 من دول أخرى.
ومن الغريب أن نجد عدد الأجنبيات من روسيا وآسيا الوسطى والدول الغربية أكثر بكثير من اللاتي أتين من الدول العربية، وربما يعكس هذا أيضاً نسبة الدول التي يأتي منها المقاتلون الأجانب المنضمون لصفوف التنظيم. وقد تتشابه الأسباب التي أدت إلى انضمام النساء من هذه الدول ومن الدول العربية، مثل الإيمان بالآيديولوجية والمعاناة من القمع والجهل والفقر والتمييز والرضوخ لرغبة الزوج، ولكن لا تزال هناك تساؤلات حول تأثر هؤلاء النساء بفكر ودعاية «داعش» خارج نطاق محيطهم الاجتماعي العام العلماني أو المتحرر أو غير الإسلامي وكذلك الطريقة التي استطعن بها الوصول إلى سوريا من بلدانهن البعيدة.
وحتى الدول العربية التي تأتي معظم النساء منها، وغالباً الرجال أيضاً، لا تنطبق عليها الصورة النمطية للمجتمعات المسلمة المتشددة، بل العكس هي دول معروف عنها الوسطية والاستقرار وتمكين المرأة. لذلك فإن تأثر هؤلاء النساء والرجال بالفكر المتطرف لا يمكن إرجاعه لعامل واحد فقط كالمناهج التعليمية أو المنابر الدينية أو وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما يبدو أنها عوامل متعددة غذّى بعضها بعضاً، وقد يكون العامل الأسري والاقتصادي والنفسي المحرك الأقوى والذي تم استغلاله من قبل جماعات منظمة لأهداف سياسية.
الآن فإن وضع هؤلاء النسوة وأطفالهن في مخيم الهول أقل ما يوصف به أنه كارثي. فالموجودون بحاجة ماسة إلى المساعدة وإعادة التأهيل، حيث تعرض القسم الأكبر منهم لفظائع وشهدوا حروباً ومشاهد موت فظيعة ومعاناة بدنية ونفسية. وهؤلاء يحتاجون إلى الأمان والمأوى والغذاء والرعاية الصحية والصرف الصحي، ويفتقر المخيم لمراكز صحية ومؤسسات تعليمية وترفيهية ولأبسط مقومات الحياة. ويفيد تقرير أعدته الأمم المتحدة بأن 126 قاصراً لقوا حتفهم في هذا المخيّم خلال الأشهر الأولى من هذا العام بسبب المرض أو سوء التغذية أو نتيجة إصابات تعذّرت معالجتها، وأن نحو 40 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين السادسة والثانية عشرة يعيشون في ظروف مأساوية ولا يعرف أحد ماذا ينتظرهم.
وبطبيعة الحال، يبقى الأطفال الضحية الأكبر في هذا كله. ما هو مصيرهم؟ آباؤهم الداعشيون إما قُتلوا أو اعتُقلوا أو لا يعرف أحد مكان وجودهم ولا ما إذا كانوا أحياء أم في عداد الأموات. وفي بعض الحالات يكون الأب مجهولاً لأن الأم لا تعرف اسم زوجها الحقيقي. وقد بدأت بعض الحكومات بتسلم عدد بسيط من رعاياها الأطفال من عائلات مقاتلي تنظيم «داعش» الموجودين في مخيم الهول مثل ألمانيا والدنمارك وهولندا والنرويج والولايات المتحدة الأميركية وبلجيكا وأستراليا وروسيا وفرنسا. وأشارت التقارير إلى أن دول آسيا الوسطى الأعلى استعادة لمواطنيها من نساء وأطفال مثل أوزباكستان وكازاخستان. أما الدول العربية فإن المغرب والسودان هما الوحيدان اللذان يبدو أنهما تسلما عدداً قليلاً من رعاياهما. وبلغ مجموع النساء اللاتي عدن إلى بلدانهن الأصلية من الجنسيات الأجنبية 319 سيدة مهاجرة مع طفلها، إضافة إلى الأطفال اليتامى الذين قتل والداهم جراء المعارك في سوريا.
أما العراقيات فمنذ بداية العام الحالي، توقفت رحلات إعادة العراقيات الراغبات بالعودة إلى مناطقهن لأسباب تتعلق بالجانب العراقي، بحسب المسؤولين عن المخيم. وفي سوريا تدخل وجهاء عشائر وشيوخ عربية وطالبوا بالسماح بإخراج النساء السوريات برفقة أطفالهن، لا سيما المتحدرات من مناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها، وبدأ العمل بنظام «الكفالة» قبل العيد الماضي، وإخراجهن على دفعات. كما يوجد نساء وأطفال لدى دوائر الإصلاح العراقية وإقليم كردستان يقدر عددهم بنحو 1500 طفل بشبهة الانتماء إلى تنظيم «داعش»، بينهم 185 أجنبياً على الأقل أُدينوا بتهم متصلة بالإرهاب. وقد أشار بيان للخارجية العراقية شهر يوليو (تموز) الماضي إلى أنها شاركت في عدد من عمليات ترحيل الأطفال من مختلف الجنسيات، وعددهم 473. ومن هذه الجنسيات: الروسية، والطاجيكية، والأذرية، والألمانية، والفرنسية، والجورجية، والبيلاروسية، والفنلندية، والأوكرانية، والتركية.
التعامل مع نساء تنظيم «داعش» يختلف عن الرجال. فرغم أن بعضهن حملن السلاح وقمن بعمليات انتحارية وكن أعضاء فاعلات في عمليات التخطيط والإمداد ونقل المعلومات والتجنيد، يظل واقع الحال يقول إن معظم نساء هذا التنظيم القابعات في المخيمات هن ضحية ظروفهن الأسرية والحرب، ومع ذلك تتعامل معهن بلادهن بحذر وقلق شديد وتخشى من عودتهن. ويقول مسؤولو الاستخبارات الأميركية، إن معسكر الهول، الذي يديره حلفاء أكراد سوريون بقليل من المساعدات والأمن، قد بات يتطور ليصبح بمثابة بؤرة جديدة لآيديولوجية تنظيم «داعش»، وأصبح يشكل تربة خصبة هائلة لتفريخ الإرهابيين في المستقبل. كما توصل تقييم حديث للأمم المتحدة إلى النتيجة نفسها، حيث أكد التقرير أن الأشخاص الذين يعيشون في الهول «قد يشكلون تهديداً إذا لم يتم التعامل معهم بشكل مناسب». وتشير هذه المعلومات إلى أن تنظيم «داعش» يصعد من جديد، وذلك ليس في العراق وسوريا فحسب، ولكن في أماكن أخرى من غرب أفريقيا إلى سيناء، وكذلك في أفغانستان.
ونبهتُ في مقالة سابقة على أنه يجب أخذ تهديد الإرهاب النسائي على محمل الجد وعلى ضرورة معالجة الأسباب والدوافع من جذورها وتقييم وتشخيص تبعات انضمام النساء للجماعات المتطرفة، سواء كان ذلك عن قناعة أو على نحو قسري وما نتج عن ذلك، ولا سيما بالنسبة للأطفال، على المستوى النفسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي وكيفية التعامل معها، فما دامت البيئة التي أفرزت هذه الآيديولوجيا والعوامل التي ساعدت على نشرها ونموها موجودة فسيستمر ظهور المزيد من الحالات. ومن المهم إعادة تثقيف النساء بأمور دينهن وتأهيلهن نفسياً واجتماعياً وتمكينهن اقتصادياً ليصبحن أمهات صالحات لتربية أبنائهن بعيداً عن فكر وبيئة «داعش». وبالنظر إلى تأثير مواقع الإنترنت فإنه إضافة إلى متابعتها وإغلاقها من الجهات المعنية يجب إجراء دراسة للمواقع لتحديد مدى جاذبيتها وأساليبها في الاستقطاب ولماذا يلجأ إليها هؤلاء.
وشكلت المناقشة بخصوص دور المرأة ذاتها في مكافحة الإرهاب أحد المحاور الرئيسية في الاجتماع الوزاري التشاوري وخبراء من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في القاهرة في شهر يونيو (حزيران) الماضي حول تمكين المرأة، والذي كان يهدف إلى بلورة ما يمكن أن تضطلع به منظمة تنمية المرأة التابعة للمنظمة من دور فور بدء نشاطاتها، والذي من المؤمل أن يكون العام المقبل. وركزت النقاشات على التحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة في مجال مكافحة التطرف، وأهمية إشراك المرأة في التدابير والاستراتيجيات التي تضعها الدول الأعضاء في المنظمة في هذا المجال. وأكد الخبراء أن الأسباب والدوافع لانضمام النساء للجماعات المتطرفة ليست واحدة، وبالتالي لا يمكن التصدي لها باستراتيجية واحدة يتم تعميمها، إذ يجب مراعاة خصوصية كل منطقة وتنوعها السياسي والاجتماعي والثقافي، مشيرين، في الوقت ذاته، إلى أن هناك بعض الإجراءات والسياسات التي يمكن أن تتفق بخصوصها جميع الدول المعنية بهذه الظاهرة، ومنها على الخصوص زيادة التوعية حول وجود إرهاب نسائي وإمكانية تطرف النساء، بشكل ربما يضاهي أو يكون أكثر تشدداً من تطرف الرجل، إضافة إلى ضرورة توسيع دائرة المعنيين بمواجهة التطرف، وعلى رأسهم المرأة، من خلال تمكينها من القيام بدورها الاستباقي في منع ومواجهة علاماته التي يمكن أن تظهر على أبنائها ومحيطها الاجتماعي.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».