«خيام الثقافة»... جامعة مفتوحة على مدار الساعة في لبنان

لسان حال الجمهور يقول: حدثونا عن الحياة!

أحد لقاءات «ساحة ومساحة»... وعبيدة التكريتي يدير الحوار
أحد لقاءات «ساحة ومساحة»... وعبيدة التكريتي يدير الحوار
TT

«خيام الثقافة»... جامعة مفتوحة على مدار الساعة في لبنان

أحد لقاءات «ساحة ومساحة»... وعبيدة التكريتي يدير الحوار
أحد لقاءات «ساحة ومساحة»... وعبيدة التكريتي يدير الحوار

خلال خمسين يوماً، نظّم عبيدة التكريتي (29 عاماً)، وهو خريج قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت، أكثر من 100 جلسة حوارية، في «ساحة النور»، بطرابلس، «عروس الثورة» اللبنانية، وأكثر تجمعاتها حيوية ونشاطاً.
استضاف عبيدة، في الجلسات التي تُقام في الشارع، ويحضرها مئات الأشخاص، ضيوفاً ومتحدثين، بينهم كتاب، ومفكرون، واقتصاديون، وأكاديميون، وخبراء من مختلف الاختصاصات، ومنهم مَن يقطعون مسافات طويلة، بهدف التواصل مع المنتفضين في طرابلس.
وبدءاً من الساعة الخامسة، من بعد ظهر كل يوم، تتوجه الجموع إلى ما بات يُعرف بـ«ساحة ومساحة» حيث تتم المداخلات، وتستمر النقاشات حتى الساعة الثامنة، وفقاً لبرنامج يُعلن عنه. ويتكلم الضيف الواحد عشر دقائق فقط، ينقل خلالها معلوماته، تاركاً بعض الثغرات وطارحاً بعض الأسئلة على الحضور، قبل أن يفتح باب الأسئلة أمام الحاضرين، الذين يتحلقون في مجموعات غفيرة، ويتابعون الحوارات وقوفاً أو جلوساً على الأرض.
ويتناوب في كل يوم ثلاثة متحدثين، أقل ما يقال إنهم صاروا موضع انتظار المهتمين. ومثل «ساحة ومساحة» ثمة عشرات المواعيد في ساحات الاعتصام من شمال لبنان إلى جنوبه، في جل الديب وبيروت وصيدا وغيرها من الأماكن الرئيسية للتجمعات الاحتجاجية.
ظاهرة المحاضرات، والحوارات في الشارع، أو في الخيام المنصوبة في الساحات، واحدة من أهم ظواهر الانتفاضة اللبنانية؛ فإلى جانب المنصات التي تُطلِق الهتافات الحماسية والأغنيات الثورية، ثمة المظاهرات التي تجوب الشوارع، والخيام التي نصبها المنتفضون، تحت عناوين مختلفة، وبينها مَن تستقبل حوارات مسائية بصيغ مختلفة، وأولويات متباينة.
في وسط بيروت، وتحت عنوان «حكي ثورة»، يتجمع الراغبون في الاستماع إلى المتحدثين كل يوم في «ساحة سمير قصير»، حيث تكون مداخلة رئيسية غالباً ما تدور حول الوضع السياسي، أو الأزمة الاقتصادية، وسبل الحل، أو أوضاع البنوك وتعثراتها، وكيف يمكن استعادة الأموال المنهوبة، ومن ثم تُطرَح أسئلة. في حين أن خيمة «دار الجديد وأمم للأبحاث والتوثيق»، في العازارية وسط بيروت أيضاً، تستقبل الراغبين في الكلام، حيث يُتركون على سجيتهم، من دون ضيوف رئيسيين.
تقول الأديبة رشا الأمير صاحبة «دار الجديد» للنشر التي تعرض كتب الدار أيضاً في خيمتها: «نستقبل ضيوفنا كل يوم بدءاً من الساعة الخامسة، وهم ينتمون إلى بيئات مختلفة، وكل يتحدث في الموضوع الذي يريد».
هذه المساحات المفتوحة للحوار وتبادل المعلومات والخبرات، هي عبارة عن «(هايد بارك)، كلّ يقول ما عنده. بالإمكان اعتبارها جامعة مجانية في الهواء الطلق. محاضرات على مدار الساعة». الأمير من جانبها، مع إعجابها بما يحدث، وتأكيدها على أهمية المتحدثين، وبينهم مديرون، وأناس تحملوا مسؤوليات، وعلى اطلاع كبير على الخفايا والكواليس، ترى «أن ما يبقى ما يدور في الخيام، على هامش مركز القرار الفعلي. إذ إن هؤلاء جميعاً يشكلون ما يشبه معارضة افتراضية لا أكثر. فالناس لها مطالب معيشية ومشتركات، وتريد من خلال هذه الحلقات الحوارية أن تتعرف من أهل الاختصاص، كالمحامين مثلاً، كيف بمقدورها الوصول إلى تشكيل سلطة قضائية مستقلة، وبأي السبل؟! وهناك من يريد أن يعرف من خبراء البنوك، لماذا تحولت أمواله إلى مبالغ محتجزة، وهل سيُفرج عنها، أم أنها ذهبت هباء الريح؟»، مواضيع دستورية، وقد تكون حول الزراعة، أو التعليم، وربما كتابة التاريخ، أو نزاهة القضاء. فكل ما يشغل بال المواطن، يتم بحثه في محاولة لبلورة الأفكار، وبلورة الرؤى.
مع أن للشعر حصة وللأدب أحياناً، فإن الأوضاع الحياتية المستجدة بصعوباتها وعثراتها، هي التي تفرض نفسها على الخيام الثقافية وحواراتها. ففي خيمة «الملتقى» في بيروت التي تشهد مداخلات، يشارك فيها أساتذة وأكاديميون من جامعات كبيرة، خصوصاً من الجامعة الأميركية، ويحضرها عدد كبير من المهتمين، كان حواراً عن أوضاع البنوك، لكن، في اليوم التالي، وبسبب وقوع حالات انتحار عدة خلال يومين متتاليين، كانت جلسة حول الاضطرابات النفسية، والنصائح للتخلص من القلق والاضطراب، في مواجهة الظروف الصعبة.
هكذا يستل أهل الخيام مواضيعهم من حولهم، ومن حاجة الناس المعرفية. لذلك فإن خيمة «بيروت مدينتي» التي خاض ناشطوها الانتخابات سابقاً، وسجّلوا شعبية لا يُستهان بها، كان الانتحار أيضاً من بين المواضيع التي ناقشوها، وخاضوا غمارها. هناك مَن يحاول أن يبحث عن خطط اقتصادية للمستقبل، أو حلول سياسية، وأفكار إنقاذية. كل يفكر في مجاله. وتشرح الأمير أن «(أمم للأبحاث والتوثيق) تقوم بعملها المعتاد. توثق من جهتها كل ما يحدث في الانتفاضة، تجمع البيانات التي تصدر عن المنتفضين بمختلف جماعاتهم، وكذلك تجمع الصور، لكن لا بد من دولة في النهاية ومؤسسات تدعم هذا العمل الأرشيفي وتستفيد منه».
عبيدة التكريتي الذي يقوم بإحياء حلقات نقاش «ساحة ومساحة» في طرابلس، يستقبل ما معدله ثلاثة متحدثين كل يوم. بدأ نشاطه هذا في اليوم الثالث من الثورة، حتى قبل أن تنصب الخيام في ساحة النور. وهو لا يدعي مهمة نشر الوعي، بقدر ما يرى أن الهدف هو التقاء الناس ببعضهم، وتعارفهم وجهاً لوجه، وهو ما كان غائباً.
الهدف أيضاً هو خلق هذا التفاعل الإنساني - الفكري الذي يتيح بناء مبادرات سياسية مشتركة. كما أن هذه اللقاءات قد تسهم في تأطير عمل ما، أو بلورة حركات جماعية. ولا بأس في رأيه، في هذه الفوضى الفكرية التي قد ينتج عنها مجموعات تشكل مشهداً مختلفاً عن التعبير بقطع الطرقات أو تسكير المرافق العامة للاحتجاج. «هي كرة ثلج. فالذين يحضرون المحاضرة والنقاش، سيعودون إلى بيوتهم ويتحدثون مع عائلاتهم ويشرحون لهم، كما أنهم سيلتقون أصدقاء ويتبادلون معهم الأفكار. وهذا ينمو باطراد. وبالتالي هي عملية تراكمية. وهنا تكمن أهميتها»، ويعتقد عبيدة أن المشكلة لغاية اللحظة أن المنتفضين يكتفون بتوجيه مطالبهم للسلطة، أو كأنما هم ينتظرون شخصاً وهمياً يأتي ليتحمل المسؤولية، بينما البلد بحاجة لمن يقررون هم أنفسهم تحمل المسؤولية وتبعاتها، وهذا بدأ ينمو، لكنه لم يتبلور بعد، ويحتاج إلى وقت. لأن مفهومنا عن العمل السياسي بسبب كل ما شاهدناه من تجاوزات في السلطة، أصبح مشوهاً.
«ساحة ومساحة» واحدة من أنجح التجارب المعرفية - الحوارية في الساحات اللبنانية، مع أنها قامت بجهد شبه فردي، وبإمكانات تقارب الصفر. إذ إنها مساحة في الهواء الطلق، حتى من دون خيمة. رأسمالها متحدثون يقبلون بالحضور من أماكن بعيدة، وجمهور يجيد طرح الأسئلة المختصرة والذكية، ومدير لكل هذا يعرف كيف لا يجعل الملل يتسرب إلى القلوب. والتكريتي لا ينكر أنه يخبر ضيفه سلفاً بأن المطلوب منه ليس محاضرة بل مداخلة يجب ألا تتجاوز مدتها العشر دقائق، يطرح بعدها الضيف أسئلة على الحاضرين، ليحرّضهم على الكلام، ويجيبهم، ومن ثم يفتح باب النقاش.
أما الحضور، فقد تطور بفعل مرور الأيام، وصار يطرح الأسئلة المختصرة السريعة التي يشترط عليهم ألا تتجاوز مدتها النصف دقيقة، من دون استطرادات. ومن يستجدون في الحضور صاروا يتماهون مع مَن تمرسوا قبلهم، ويسألون بطريقتهم نفسها.
لا يتوقف مَن يدير الجلسات عن التذكير بالموضوع الرئيسي، فثمة مَن يصلون ومن يغادرون، وكل هذا يحدث في الشارع، في مكان صاخب تعلو فيه أصوات الهتافات، وحماسة المتظاهرين أو العابرين في المكان. عبيدة يقول إنه لم ينقطع يوماً عن الحضور، وهو باقٍ لأن الوقت الذي يستثمره هنا، إنما هو جزء من بناء المستقبل.



الذكاء الاصطناعي يكشف عن أولى علامات سرطان الثدي

تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)
تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)
TT

الذكاء الاصطناعي يكشف عن أولى علامات سرطان الثدي

تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)
تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)

أظهرت طريقة فحص جديدة تجمع بين التحليل بالليزر والذكاء الاصطناعي إمكانية التعرف على أولى علامات الإصابة بسرطان الثدي؛ ما قد يُسهم في تحديد الإصابة في مرحلة مبكرة جداً من المرض.

وتكشف التقنية غير الجراحية التي طوّرها فريقٌ من الباحثين من جامعة إدنبرة بالتعاون مع عددٍ من باحثي الجامعات الآيرلندية، عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من المرض، التي لا يمكن اكتشافها بالاختبارات الحالية، وفق الفريق البحثي.

وقال الدكتور آندي داونز، من كلية الهندسة في جامعة إدنبرة، الذي قاد الدراسة: «تحدث معظم الوفيات الناجمة عن السرطان بعد تشخيصٍ متأخرٍ بعد ظهور الأعراض، لذلك يمكن لاختبارٍ جديدٍ لأنواع متعدّدة من السرطان أن يكتشف هذه الحالات في مرحلة يُمكن علاجها بسهولة أكبر».

وأضاف في بيان، الجمعة، أن «التشخيص المبكّر هو مفتاح البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل، وأخيراً لدينا التكنولوجيا المطلوبة. نحتاج فقط إلى تطبيقها على أنواع أخرى من السرطان وبناءِ قاعدة بيانات، قبل أن يمكن استخدامها بوصفها اختباراً لكثيرٍ من الأورام».

ويقول الباحثون إن طريقتهم الجديدة تُعدّ الأولى من نوعها، ويمكن أن تحسّن الكشف المبكر عن المرض ومراقبته وتمهد الطريق لاختبار فحص لأشكال أخرى من السرطان.

نتائجُ الدراسة التي نشرتها مجلة «بيوفوتونيكس» اعتمدت على توفير عيّنات الدم المستخدمة في الدراسة من قِبَل «بنك آيرلندا الشمالية للأنسجة» و«بنك برِيست كانسر ناو للأنسجة».

ويُمكن أن تشمل الاختبارات القياسية لسرطان الثدي الفحص البدني أو الأشعة السينية أو الموجات فوق الصوتية أو تحليل عينة من أنسجة الثدي، المعروفة باسم الخزعة.

وتعتمد استراتيجيات الكشف المبكّر الحالية على فحص الأشخاص بناءً على أعمارهم أو ما إذا كانوا في مجموعات معرّضة للخطر.

باستخدام الطريقة الجديدة، تمكّن الباحثون من اكتشاف سرطان الثدي في أقرب مرحلة ممكنة من خلال تحسين تقنية التحليل بالليزر، المعروفة باسم مطيافية «رامان»، ودمجها مع تقنيات التعلّم الآلي، وهو شكلٌ من أشكال الذكاء الاصطناعي.

وقد جُرّبت طرق مماثلة لفحص أنواع أخرى من السرطان، ولكن أقرب وقت يمكن أن يُكتشف فيه المرض كان في المرحلة الثانية، كما يقول الباحثون.

وتعمل التقنية الجديدة عن طريق تسليط شعاع الليزر أولاً على بلازما الدم المأخوذة من المرضى. ومن ثَمّ تُحلّل خصائص الضوء بعد تفاعله مع الدم باستخدام جهازٍ يُسمّى مطياف «رامان» للكشف عن تغييرات طفيفة في التركيب الكيميائي للخلايا والأنسجة، التي تُعدّ مؤشرات مبكّرة للمرض. وتُستخدم بعد ذلك خوارزمية التعلم الآلي لتفسير النتائج، وتحديد السمات المتشابهة والمساعدة في تصنيف العينات.

في الدراسة التجريبية التي شملت 12 عينة من مرضى سرطان الثدي و12 فرداً آخرين ضمن المجموعة الضابطة، كانت التقنية فعّالة بنسبة 98 في المائة في تحديد سرطان الثدي في مرحلة مبكرة جداً من مراحل الإصابة به.

ويقول الباحثون إن الاختبار يمكن أن يميّز أيضاً بين كلّ من الأنواع الفرعية الأربعة الرئيسة لسرطان الثدي بدقة تزيد على 90 في المائة، مما قد يُمكّن المرضى من تلقي علاج أكثر فاعلية وأكثر شخصية، بما يُناسب ظروف كل مريض على حدة.