تكريم «الرجل الذي يهمس في أذن الخيل» بمهرجان الفيلم بمراكش

جمهور الدورة الـ18 خصص استقبالاً كبيراً للنجم الأميركي روبرت ريدفورد

روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان
روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان
TT

تكريم «الرجل الذي يهمس في أذن الخيل» بمهرجان الفيلم بمراكش

روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان
روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان

جاء تكريم الممثل والمخرج والمنتج الأميركي روبرت ريدفورد، في أمسية اليوم الثامن من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ18، التي اختتمت أمس، ليؤكد قدرة هذه التظاهرة على استقطاب كبار السينما العالمية، بشكل يضمن لها أن ترسّخ مكانتها في الأجندة الدولية للتظاهرات السينمائية الكبرى كموعد مهم للمواهب الواعدة والمهنيين وعموم جمهور الفن السابع القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط ومختلف بقاع العالم، وذلك من خلال الجمع بين برمجته الفنية، وجرأة اكتشافاته، وجودة تكريماته، ومهنية عروضه، وتقديره لجمهوره، وحفاوة الاستقبال، وتقاسم عشق السينما.
في أمسية تكريمه، مساء أول من أمس، بمراكش، بدا النجم الأميركي مرتاحاً، بداية من مروره على السجادة الحمراء، حيث تفاعل مع أسئلة الصحافيين وكاميرات المصورين، قبل أن ينفتح مشهد التكريم على جمهور غفير غصت به «قاعة الوزراء»، وقف له مطولاً، مصفقاً، اعترافاً بقيمته وإسهاماته، وتأكيداً لحضوره الطاغي على مستوى السينما العالمية.
في معرض كلمته، قبيل تسليمه درع من التكريم من المخرجة وكاتبة السيناريو الفرنسية ريبيكا زلوتوفسكي والممثلة الفرنسية - الإيطالية كيارا ماسترواني، بعد أن تابع له الجمهور لقطات من أفلام تمثل لتجربته ومنجزه السينمائي، شكر النجم الأميركي، العاهل المغربي الملك محمد السادس، وشقيقه الأمير مولاي رشيد، قبل أن يتحدث عن علاقته بالمغرب، بالإشارة إلى الزيارة التي قام بها، مطلع تسعينات القرن الماضي، لتصوير أحد أفلامه، وقال إنه عاش لحظات دافئة، جعلته يقترب من ثقافة البلد وحضارته المتجذرة في أعماق التاريخ. كما تحدث عن الأدوار التي يلعبها السرد القصصي في حياة الأفراد والجماعات، قبل أن يتأسف للحالة التي صار عليها العالم اليوم، منتهياً إلى استعراض انشغالاته المرتبطة بدعم السينما المستقلة.
وكان ريدفورد قد تلقى خبر تكريمه بإعلان شـعوره بفخـر كبيـر وهو يتلقى دعوة الحضور إلى مراكـش، مشيراً إلى أنها «فرصة للقاء بالمؤلفين والفنانيـن الذين سيتقاسـمون فيمـا بينهم آراءهم ووجهات نظرهم الخاصـة».
وسبق للمهرجان المغربي أن كرّم، على مدى دوراته السابقة، نجوماً من هوليوود يُعدّون من كبار السينما العالمية، نذكر منهم فرنسيس فورد كوبولا، وديفيد لينش في 2002. وريدلي سكوت وأوليفر ستون في 2003. ومارتن سكورسيزي في 2005، وسوزان ساراندون في 2006. وليوناردو دي كابريو في 2007. وسيغورني ويفر في 2008. وكريستوفر والكن في 2009. وهارفي كيتل وجيمس كاين في 2010. وفورست ويتيكر في 2011. وشارون ستون في 2013، وفيغو مورتينسين في 2014. وبيل موراي في 2015، وويليام داوفوي في 2015، وروبرت دي نيرو في 2018.
وحضر اسم ريدفورد، ضمن برنامج دورة هذه السنة من مهرجان مراكش، في فقرتين: فقرة التكريم التي شهدت تسليمه نجمة المهرجان مع عرض أربعة من أفلامه: «بوتش كاسيدي وساندانس كيد» (1969) لمخرجه جورج روي هيل، و«الرجل العجوز والبندقية» (2018) لديفيد لوري، و«الرجل الذي يهمس في أذن الخيل» (1998)، و«نهر يجري من خلالها» (1992)، وهما من إخراجه؛ ثم حديثه، أمس، ضمن فقرة «حوار مع...»، التي استضافت 12 شخصية سينمائية في مواعيد يومية، استعرض فيها المشاركون علاقتهم بالسينما، وتجاربهم وانشغالاتهم.
ويختصر بعض نقاد السينما سيرة ريدفورد، سواء على صعيد المظهر أو الأفلام التي أخرجها وأنتجها، فضلاً عن الأدوار التي أدّاها، بالقول إن «رويرت ريدفورد هو دائماً رويرت ريدفورد»، في إشارة إلى أن السنين تمضي والموضات تتجدد في هوليوود، بينما يظلّ الرجل في غنى عن أن يثبت نفسه، محتفظاً بهيبة «الذكورة غير القابلة للتغيير»، حسب قول صديقه بول نيومان.
هذا المزيج بين الرقة والرجولة، برأي الناقدة السينمائية أنكي ليويك، يجعل ريدفورد ممثلاً يستطيع أن يجعل شخصيته في خدمة كل الأدوار التي يجسدها بطريقة لا تخلو من بساطة، إذ يمكنه أن يفعل كل شيء، فهو العاشق الحزين، وبطل التزلج، ونجم ملاعب البيسبول، ورجل الأعمال الجذاب صاحب الاقتراحات غير اللائقة. كما أنه يلعب باستمرار ضد قوته في الإغواء، حيث يقدمها بشكل يجعله يسخر من صورته كرمز جنسي.
بالنسبة لأنكي ليويك، دائماً، نستطيع القول إن فيلموغرافيا ريدفورد، بصفته ممثلاً، ومخرجاً، ومنتجاً، تمثل وحدها تجسيداً للوجه الآخر لأميركا، هذا البلد الذي لا يُعدّ بالنسبة له مجرد وهم، بل، على العكس من ذلك، إنه الحقيقة التي تستحق النضال من أجلها، باستخدام الأدوات التي تتيحها صناعة الترفيه.
وفي حالة ريدفورد، يمكن القول إن الأمر يتعلق بفنان استثنائي كان له طوال حياته المهنية تأثير عميق على السينما المعاصرة، التي وضع بصمته الواضحة عليها، وبات واحداً من أسمائها البارزة، بعد أن حظيت أعماله بنجاح كبير، سواء كمخرج، أو منتج أو ممثل، أو مؤسس لمعهد «صاندانس» ومهرجان «صاندانس»، الذي يُعدّ أول مهرجان خاص بالسينما المستقلة في العالم، فضلاً عن التزامه السياسي، ودفاعه الشرس عن البيئة، مع التحلي بالمسؤولية الاجتماعية.
وأذهل ريدفورد الوسط السينمائي بموهبته الفذة وشخصيته الكاريزمية المشعة، منذ بداياته كممثل، بداية مع «وضع ميؤوس منه لكنه ليس خطيراً» (1965) لكوتفريد رينهارت، و«المطاردة» (1966) لأرتور بين، و«حافي القدمين في الحديقة» (1967) لـنيل سيمون، الذي جلب له مديح النقد والجمهور على حد سواء.
وفي 1969، اشتغل إلى جانب بول نيومان في فيلم «بوتش كاسيدي وساندانس كيد» لمخرجه جورج روي هيل، وهو الفيلم الذي جعل من ريدفورد وجهاً لامعاً في صناعة الأفلام الهوليوودية، ونجماً عالمياً كبيراً، حيث منح أداؤه لشخصية سارق القطار للفيلم إيقاعاً خاصاً جعله يتجاوز الإطار التقليدي للدراما.
وعاد ريدفورد ليشتغل مجدداً مع كل من بول نيومان وجورج وري هيل في «اللدغة» (1973) الذي حاز 7 أوسكارات، من بينها «أوسكار أفضل فيلم»، وبالتالي ترشح ريدفورد لجائزة أفضل ممثل، الشيء الذي مكّنه من بناء مسيرة رائعة كممثل، حيث يتابع الجمهور العالمي ريدفورد، في أفلام أخرى مميزة تحت إدارة مخرجين متميزين، من قبيل «غاتسبي العظيم» (1974) لجاك كلايتون، و«ثلاثة أيام من كوندور» (1975) لسيدني بولاك، و«فلفل الكبير والدو» (1975) لجورج روي هيل، و«بروبيكر» (1980) لستيوارت روزنبرغ، و«الخروج من أفريقيا» (1985) لسيدني بولاك، و«قضية تشلسي ديردون» (1986) لإيفان ريتمان، و«الخبراء» (1992) لفيل تشيلسي ديريدون، و«اقتراح غير لائق» (1993) لأدريان لين، و«لعبة تجسس» (2001) لتوني سكوت، و«حياة غير مكتملة» (2005) للاس هالستروم، و«ضاع كل شيء» (2013) لجيفري ماكدونالد شاندور، و«نزهة في الغابة» (2015) لكين فاندربيت، و«الاكتشاف» (2017) لشارلي ماكدويل، و«أرواحنا بالليل» (2017) لرتيش باترا، و«المنتقمون: لعبة النهاية» (2019) لأنتوني روس وجوي روسو، و«الرجل العجوز والبندقية» (2017) لديفيد لوري. كما ظهر في عدد من الأفلام التي أنتجتها شركته «ويلدوود أنتروبريز»، من بينها «انحدار المتسابق» (1969) لمايكل ريتشي، و«المرشح» (1972) لمايكل ريتشي، و«الفارس الكهربائي» (1979) لسيدني بولاك، و«كل رجال الرئيس» (1976) لألان ج. باكولا، وهو الفيلم الذي تم ترشيحه للحصول على سبع أوسكارات، من بينها «جائزة أفضل فيلم».
في «الفارس الكهربائي»، مثلاً، يتحول ريدفورد إلى نجم سابق لرياضة الروديو، بزي مشع بمصابيح كهربائية، سواء في الإعلانات التجارية لرقائق الذرة، ليقرر أن يأخذ حريته، وهو ما اعتُبِر تجسيداً مثالياً جديداً لآخر رعاة البقر، فيما تصبح المناظر الطبيعية الأميركية ملاذاً يهرب إليه من مجتمع غارق في جنون وسائل الإعلام، رغم بعض الحيرة التي تستمر في مواجهة روعة هذه المناظر الطبيعية، وفي مواجهة اختفائها، أيضاً، وهي ذاتها الطبيعة التي نتابع صورها في أفلام أخرى من قبيل «نهر يجري من خلالها» و«الرجل الذي يهمس في أدن الخيل». أما في فيلم «كل رجال الرئيس»، فيتلاعب بمظهره الجميل، بل يتجاوزه. ورغم أن كاميرا متحركة حاولت التقاط الأحداث التي تعمها الاضطرابات، والتي تحيط بـ«فضيحة ووترغيت»، فإن كل ما نشاهده على الشاشة هو صحافي مصمم على إعادة الكشف على الحقيقة.
ولا تقل مسيرة ريدفورد كمخرج، نجاحاً وإثارة، حيث حصل أول فيلم يخرجه، وهو «أناس عاديون» (1980)، على «جائزة أميركا للمخرجين» و«الغولدن غلوب» و«أوسكار أفضل إخراج». كما أنتج وأخرج مجموعة أفلام، بينها «نهر يجري عبرها» (1992)، و«أسطورة باغر فانس» (2000)، و«أسود وحملان» (2007)، و«المؤامرة» (2010)، و«الرفقة الدائمة» (2012).


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
رياضة سعودية إقامة شوط للسيدات يأتي في إطار توسيع المشاركة بهذا الموروث العريق (واس)

مهرجان الصقور: «لورد» غادة الحرقان يكسب شوط الصقارات

شهد مهرجان الملك عبد العزيز للصقور 2024؛ الذي ينظمه نادي الصقور السعودي، الجمعة، بمقر النادي بمَلهم (شمال مدينة الرياض)، جوائز تتجاوز قيمتها 36 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (ملهم (الرياض))
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».