في أول مؤتمر صحافي للمدير الفني الإسباني أوناي إيمري فور توليه مسؤولية تدريب نادي آرسنال، كان حارس المرمى المخضرم بيتر تشيك قد أعلن للتو اعتزاله كرة القدم بنهاية الموسم، وطُلب من إيمري توجيه كلمة لتشيك، لكن المدير الفني الإسباني ارتبك بعض الشيء وتوقف لفترة قصيرة قبل أن يبدأ مجاملاته المعتادة قائلا: «مساء الخير. أولاً، أعتقد أنه شخص كبير للغاية!».
من المؤكد أنه لا يمكن لأي شخص أن يشعر بالقلق من المحتوى الفعلي لهذه التصريحات، نظرا لأن طول تشيك يصل إلى 1.96 مترا، وبالتالي فهو لاعب «كبير» كما قال إيمري. لكن المشكلة كانت تكمن في أن هذه الكلمات لم تكن تنقل الرسالة التي يود إيمري التعبير عنها بشأن تشيك، نظرا لأن إيمري لا يجيد اللغة الإنجليزية، وهو الأمر الذي يرى كثيرون أنه قد ألقى بظلاله على مسيرته مع المدفعجية وأنه كان أحد الأسباب الرئيسية في إخفاقه خلال تلك الفترة.
دعونا نكن واضحين بشأن شيء واحد منذ البداية، وهو أن أوناي إيمري لم يفقد وظيفته في آرسنال بسبب قدراته اللغوية المحدودة. ويجب أن نشير أيضا إلى أن الفشل دائما ما يؤدي إلى تضخيم الصفات والعادات السيئة لأي شخص، وأنه لو كان آرسنال قد تأهل لدوري أبطال أوروبا أو بدأ الموسم الحالي للدوري الإنجليزي الممتاز بشكل أفضل، فإن القدرات اللغوية لإيمري لم تكن لتقلق أي شخص من عشاق النادي.
لكن لكي نكون منصفين يجب أن نؤكد على أن عدم إجادة إيمري للغة الإنجليزية قد جعله مثار سخرية وتسبب في كثير من الإزعاج في بعض الأحيان. ويجب الإشادة به أيضا لأنه حاول تحسين مستواه في اللغة الإنجليزية، باعترافه هو شخصيا. وكما يقول الشاعر الإنجليزي الشهير ألفريد تينيسون: «الحديث والتلعثم أفضل من عدم الحديث على الإطلاق».
لكن مع بدء تراجع نتائج الفريق، أصبح من الواضح أن عدم إجادة إيمري للغة الإنجليزية باتت تمثل مشكلة، ليس في وسائل الإعلام فحسب، لكن في غرفة خلع ملابس اللاعبين أيضا وبكل المقاييس. ومن الواضح أيضا أن بلاغته الفائقة في المقابلات الصحافية التي أجراها باللغة الإسبانية لم تساعده كثيرا. ويبدو أيضا أنه لم يستفد كثيرا من متابعة المؤتمرات الصحافية السابقة للمدير الفني الفرنسي آرسين فينغر، الذي ربما يعد المدير الفني الأجنبي الأكثر بلاغة على الإطلاق في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز.
وفي الحقيقة، كان هناك تناقض صارخ بين مستوى فينغر وإيمري في اللغة الإنجليزية، ويمكننا أن نشعر بذلك من تصريحات كل منهما، فيكفي أن تستمع لفينغر وهو يدلي بتصريحات تفيض بلاغة وحكمة مثل قوله: «أعتقد أن الهدف من أي شيء في الحياة يجب أن يكون القيام بذلك بشكل جيد بحيث يصبح فناً في نهاية المطاف»، وبين تصريحات ركيكة تنم عن ضعف واضح في مستوى اللغة الإنجليزية، كأن تسمع إيمري وهو يقول: «جميع الأشخاص الذين يعملون هنا، أعتقد أنهم يساعدوننا في جميع الأعمال التي نقوم بها».
ربما تكون هناك صفات أخرى يجب أن تتوفر في المدير الفني، لكن الشيء المؤكد هو أن إيمري لا يعد بأي حال من الأحوال أول مدير فني يعمل في إنجلترا وهو يعاني من مشاكل في اللغة الإنجليزية. لكن رغم أن مديرين فنيين آخرين، مثل كلاوديو رانييري وخواندي راموس وفابيو كابيلو، كانوا يعانون من صعوبات في اللغة الإنجليزية، فإن إيمري يمثل فشلا أكبر وأوسع نطاقا في هذا الصدد. إن الدرس الحقيقي هنا، سواء بالنسبة لإيمري أو غيره، يتمثل في أن طريقة التواصل تعد دائماً جزءاً أساسيا من أدوات وأسلحة أي مدير فني.
وبالعودة إلى الأيام الأولى التي بدأ فيها المديرون الفنيون الأجانب يحطون الرحال في إنجلترا من أجل العمل في الدوري الإنجليزي الممتاز، كنا نرى «جيوشا» من المترجمين وكمية كبيرة للغاية من سوء الفهم بسبب عدم إجادة هؤلاء المديرين الفنيين للغة الإنجليزية. وما زلنا نتذكر كيف ضحكنا بشكل هيستيري عندما أخطأ أوسي أرديليس في نطق اسم نادي توتنهام ونطقه «توتينغهام»، أو عندما أشار فابيو كابيلو إلى لاعبي ميلان السابقين «راي ويلكينز» و«مارك هاتلي» خلال أول مؤتمر صحافي له كمدير فني للمنتخب الإنجليزي!
لكن بحلول العقد الحالي، بدأ صبرنا ينفد تجاه أخطاء المديرين الفنيين الأجانب في اللغة الإنجليزية. ورغم أن أندريه فيلاش بواش كان يتحدث اللغة الإنجليزية بشكل رائع، فقد تعرض لانتقادات لاذعة بسبب بعض تصريحاته التي قال فيها، على سبيل المثال، إن مايكل داوسون «لاعب ذو بعد إنساني هائل»، أو عندما وصف جيرمين ديفو بأنه «قادر على شم رائحة كل أي كرة عرضية». وفي سيرته الذاتية، سخر الرئيس التنفيذي السابق لنادي بيرنلي، بول فليتشر، من مهارات فيلاش بواش اللغوية عندما جاء لإجراء مقابلة لتولي قيادة الفريق، وكتب فليتشر يقول: «هل سيفهم لاعبو بيرنلي لغته الركيكة، أي من مصطلحاته الغريبة؟».
والآن، يجب على المديرين الفنيين أن يدركوا جيدا أن مهام وظيفتهم قد تغيرت كثيرا عما كانت عليه في السابق. وبعدما كان الأمر يقتصر فقط على القيام ببعض الأدوار من وراء الكواليس، أصبح يتعين على أي مدير فني يعمل في الدوري الإنجليزي الممتاز أن يتسم باللباقة في الأحاديث والمؤتمرات التي يتم نقلها عبر شاشات التلفزيون. وبات مركز أي فريق في الدوري الإنجليزي الممتاز يتوقف بشكل كبير الآن على فاتورة الأجور التي يحصل عليها اللاعبون والطاقم الفني، والتعاقدات التي تبرمها لجنة التعاقدات، والمفاوضات التي يجريها مجلس إدارة النادي لتمديد عقود اللاعبين، وطريقة عمل المدير الرياضي.
وتتمثل المهمة الأساسية للمدير الفني الآن في سرد قصة تجعل الكل يصدق أن الجميع داخل النادي – غرفة خلع الملابس، والمالكين، والإعلاميين، والمشجعين – قادرون على مواصلة الرحلة وقيادة النادي لبر الأمان. وبالتالي، فإن السؤال المهم الآن: كيف يمكن للمدير الفني أن يقوم بذلك وهو لا يجيد الحديث بلغة البلد ولا يجيد فن التواصل مع اللاعبين؟
ومن المؤكد أن كبار المديرين الفنيين في الدوري الإنجليزي الممتاز - جوسيب غوارديولا ويورغن كلوب وماوريسيو بوكيتينو – يدركون ذلك بشكل غريزي. وبموجب هذه القواعد الجديدة، لم يعد إتقان اللغة خيارا، لكنه أصبح ضرورة وسلاحا من أسلحة أي مدير فني يجب استخدامه بكل براعة ودقة. وربما يكون هذا هو السبب الذي لن يجعل المدير الفني الأرجنتيني دييغو سيميوني يعمل في الدوري الإنجليزي الممتاز مطلقا، وهذا هو السبب أيضا في فشل بعض المديرين الفنيين في الكثير من الاختبارات، مثل ديفيد مويز ومارك هيوز.
وهناك قصة عن ديفيد مويز من الفترة التي تولى خلالها قيادة مانشستر يونايتد، تقول إنه خلال مساعدته للاستعداد لمؤتمر صحافي قادم، قام الفريق الإعلامي بالنادي بإعداد ورقة مكتوب عليها الأسئلة المحتملة التي قد تطرح على مويز. ودرس مويز هذه الأسئلة باهتمام، لكنه سأل بعد ذلك قائلا: «إذا كانت هذه هي الأسئلة، فأين هي الإجابات؟» وقد وقع إيمري في نفس المشكلة أيضا، عندما اعتقد بأن عمله فقط هو الذي سيتحدث عنه.
8:17 دقيقة
ليس بإجادة اللغة وحدها ينجح المدير الفني الأجنبي
https://aawsat.com/home/article/2024306/%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D8%A8%D8%A5%D8%AC%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%87%D8%A7-%D9%8A%D9%86%D8%AC%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%A8%D9%8A
ليس بإجادة اللغة وحدها ينجح المدير الفني الأجنبي
أوناي إيمري لم يفقد وظيفته في آرسنال بسبب قدراته اللغوية المحدودة
- لندن: جوناثان ليو
- لندن: جوناثان ليو
ليس بإجادة اللغة وحدها ينجح المدير الفني الأجنبي
مواضيع
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة