لم تصل بعد إلى مدريد، لكن ظلّها يخيّم منذ مطلع هذا الأسبوع على أعمال القمّة العالمية للمناخ المنعقدة في العاصمة الإسبانية. غريتا تونبرغ، أيقونة اليقظة الواسعة التي تجتاح أوساط الشباب لدفع القيادات والحكومات إلى الحد من الأنشطة الملوّثة واتباع سياسات ناجعة لمكافحة التغيّر المناخي، ألهمت ملايين الطلاب الذين يخرجون بانتظام منذ عام للتظاهر دفاعاً عن البيئة. لكن علقت صحيفة «الموندو» الإسبانية على دور تونبرغ، قائلة إنه «شيء طيب أن توقظ قمة المناخ في مدريد الوعي الضروري من أجل التصدي بشكل فعال لاحترار الأرض، وهي قضية كونية تمسنا جميعا، كمواطنين وحكومات، ولكن يظل هناك السؤال عما إذا كانت شخصية تونبرغ التي تتدثر بلباس المخلِّص، في سن لا تتناسب مع هذا الدور، ليست بناءة بالنسبة للغاية التي ينشدها أتباعها». ورأت الصحيفة في تعليقها أن «هذه الاستعراضات الدعائية التي تلعب فيها مراهقة الدور الرئيسي ضمن سجال عقائدي، لا تساهم في إقناع المشككين».
وفي إشارة إلى حركة «أيام الجمعة من أجل المستقبل»، أشار البابا إلى الطريقة التي «يبدي بها شباب اليوم حساسية عالية تجاه المشكلات المعقدة التي تنشأ عن حالة الطوارئ (المناخية) هذه». وقال البابا: «يجب ألا نضع العبء على كاهل الأجيال القادمة لتتحمل المشكلات التي تسببت بها الأجيال السابقة».
وقال الحبر الأعظم إن العالم يواجه «أحد تحديات التحضر» من أجل الصالح العام وتغيير المنظور، مضيفا في رسالته للمجتمعين أنه «لا تزال هناك نافذة للفرص، لكن يجب ألا نسمح لها بالإغلاق. نحتاج إلى الاستفادة من هذه المناسبة من خلال إجراءاتنا المسؤولة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والتعليمية، مع العلم جيدا بمدى ترابط تصرفاتنا». وذكر خبراء المناخ الدوليون الأسبوع الماضي أن درجات الحرارة العالمية قد ترتفع بشكل حاد هذا القرن وحذروا من عواقب «واسعة النطاق ومدمرة» بعد أن سجلت انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مستويات قياسية العام الماضي.
ومن المنتظر أن تصل الناشطة السويدية فجر اليوم إلى مدريد في قطار ليلي من العاصمة البرتغالية التي وصلتها يوم الثلاثاء بعد أن قطعت ستة آلاف كيلومتر في 21 يوماً على متن مركب من ولاية فيرجينيا الأميركية. وكانت لشبونة قد استقبلت تونبرغ كالأبطال، حيث كان الآلاف من كل الأعمار بانتظارها عند مرفأ المدينة، يهتفون الشعارات التي ترددها حيثما حلّت منذ أن قررت تعليق دراستها لعام كامل كي تتفرّغ لحملة التوعية حول مخاطر التغيّر المناخي وتداعياته الخطيرة على الأجيال المقبلة.
وكانت تونبرغ نظمت أول «إضراب مدرسي» لها في عام 2018 أمام مبنى البرلمان السويدي، لتُلهم بذلك بتأسيس حركة بقيادة الشباب، نظمت إضرابات للاهتمام بقضايا المناخ في أنحاء العالم.
وفي أول لقاء لها مع عشرات الصحافيين الذين كانوا في انتظارها، قالت تونبرغ إنها لا تنتظر من الآخرين أن يقوموا بنفس التضحيات التي قامت بها عندما قررت تعليق دراستها، ثم الانتقال إلى الولايات المتحدة على متن سفينة لمخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة والسفر بحراً وبرّاً لحضور قمّة المناخ في العاصمة الإسبانية. وأضافت «هذه الرحلة هي رسالة إلى الأقوياء لكي يتحرّكوا بسرعة وفاعلية لوقف الكارثة. من المستحيل اليوم أن نعيش بشكل مستدام، ولا بد من وضع حد لذلك»، وذكّرت بأن الطيران، الذي استخدمه المشاركون في قمّة المناخ، مسؤول عن 2 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيسي للتغيّر المناخي. ومن المنتظر أن تسير تونبرغ غداً على رأس مظاهرة حاشدة في وسط مدريد من أجل لفت الأنظار إلى مخاطر تغيّر المناخ وضرورة الإسراع في التصدّي له. ومن المقرر أن تستمر القمة حتى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
وكانت تونبرغ قد اضطرت لتنظيم رحلتها من الولايات المتحدة إلى مدريد في عجالة بعد أن أعلنت تشيلي اعتذارها عن قمة المناخ وعرضت إسبانيا استضافتها، وقالت إنها واجهت صعوبات جمّة طوال الرحلة بسبب الاضطراب الشديد في الأحوال الجويّة خلال هذه الفترة من السنة. ويذكر أنها كانت قد طلبت المساعدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجاءها الرد من عائلة أسترالية تقوم منذ سنوات بجولة حول العالم على متن زورق شراعي، فعرضت عليها استضافتها وتبرّعت البحّارة البريطانية المعروفة نيكي هندرسون بقيادة الزورق. وشكرت تونبرغ العائلة الأسترالية التي اصطحبت طفلها الذي لم يكمل بعد السنة الأولى من عمره، وقالت إن «مودّتهم بدّدت الكثير من الوحشة والصعوبات خلال الرحلة»، وإنها أمضت ساعات تناقش مع والدها وهندرسون ويتسلون بلعبة النرد السويدية «جاتزي».
وفي تصريح لصاحب الزورق، الأسترالي ريلي وايتلون، ردّ فيه على الانتقادات الكثيرة التي توجَّه إلى تونبرغ وتصفها بأنها ألعوبة بيد والدها والملياردير المجري جورج سوروس، قال: «من الأمور التي يجهلها كثيرون، ويجب أن يعرفوها، أن غريتا هي من يقود هذه الحركة ويقترح أفكارها وشعاراتها، وهي التي تحفّز والدها وكل من حولها. من الغباء، أو التحامل، القول إنها مسرحيّة مدبّرة سلفاً».
وعن المظاهرة المقررة غدا في شوارع العاصمة الإسبانية، والتي ينتظر أن يشارك فيها مئات الآلاف، قالت تونبرغ: «نريد أن يُسمع صوت الشعب، وبخاصة سكّان الجنوب الذين يدفعون الثمن الباهظ للتغيّر المناخي الذي يتسبب فيه الأغنياء في الشمال. على كل واحد منّا أن يقوم بمقدوره ليكون في الجانب الصحيح من التاريخ».
وفي سياق متصل قالت منظمة الصحة العالمية إن تغير المناخ يضر بصحة الإنسان مع معاناة المزيد من الأشخاص من الإجهاد الحراري وأحوال الطقس القاسية والأمراض التي ينقلها البعوض بما في ذلك الملاريا. وحثت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر الثلاثاء الحكومات على تحقيق أهداف طموحة لخفض انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري، قائلة إن ذلك يمكن أن ينقذ حياة مليون شخص سنويا من خلال خفض تلوث الهواء وحده. وذكرت ماريا نيرا مديرة إدارة البيئة وتغير المناخ والصحة في منظمة الصحة العالمية في إفادة صحافية، كما نقات عنها «رويترز» أن «الصحة تدفع ثمن أزمة المناخ. لماذا؟ لأن رئتنا وأدمغتنا وأجهزة القلب والأوعية الدموية لدينا تعاني بشدة من أسباب تغير المناخ التي تتداخل إلى حد كبير مع أسباب تلوث الهواء». وأضافت أن أقل من واحد في المائة من التمويل الدولي المخصص لمواجهة تغير المناخ يذهب إلى القطاع الصحي وهو ما وصفته بأنه «أمر مخز للغاية».
- تحذير من تزايد الإقبال على النفط والغاز
أظهر تقرير نشر أمس الأربعاء أن تزايد الإقبال على النفط والغاز يعني أن العالم لا يزال بعيدا عن تحقيق تخفيضات مؤثرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المطلوبة لتجنب حدوث ارتفاع كارثي في درجة حرارة الكوكب. ومع هذا تراجع استهلاك الفحم في الولايات المتحدة وأوروبا بحدة، مما ساعد في إبطاء النمو المقدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 0.6 في المائة في عام 2019 مقارنة بنسبة 2.1 في المائة في العام السابق.
وأفاد تقرير «موازنة الكربون العالمية 2019» نشر أمس الأربعاء بأن انخفاضا مفاجئا في استخدام الفحم في الولايات المتحدة وأوروبا ساعد على إبطاء الزيادة في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم هذا العام. وقال التقرير إن مما ساعد أيضا في إبطاء الاتجاه الصعودي للانبعاثات بطء نمو الطلب في الصين التي تحرق نصف الفحم في العالم، وكذلك في الهند، والذي كان مصحوبا بتراجع النمو الاقتصادي بشكل عام.
وقال جلين بيترز مدير الأبحاث في مركز أبحاث المناخ ومقره أوسلو: «النمو الضعيف في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 2019 يرجع إلى انخفاض غير متوقع في استخدام الفحم عالميا، لكن هذا الانخفاض لا يكفي للتغلب على النمو القوي في استهلاك الغاز الطبيعي والنفط».