الأزمات الاقتصادية تدفع بلبنانيين إلى الانتحار

TT

الأزمات الاقتصادية تدفع بلبنانيين إلى الانتحار

بدأت ظاهرة الانتحار تتفشى في لبنان، مترافقة مع الأزمات المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي ترجمت بانتحار ثلاثة أشخاص خلال اليومين الماضيين بسبب الديون المتراكمة عليهم، وفقدانهم موارد أرزاقهم وعجزهم عن إعالة أسرهم.
وأقدم الشاب داني أبو حيدر على إطلاق النار على نفسه في منطقة النبعة في بيروت صباح أمس، ما أدى إلى وفاته على الفور، وأكد مصدر مقرّب من عائلة الشاب القتيل لـ«الشرق الأوسط»، أن أسباب الانتحار مردها إلى أن القتيل «يعاني من ضائقة مالية كبيرة، وتراكم ديونه التي بلغت نحو ثلاثة ملايين ليرة لبنانية (ما يعادل 1500 دولار أميركي)». وأشار المصدر إلى أن «عائلة داني فوجئت بعودته من العمل عند العاشرة والنصف صباحاً (أمس) على غير عادته، وسارع إلى فتح الخزانة وأخذ منها بندقية الصيد، وظنت العائلة أنه يريد الذهاب في رحلة صيد، لكنهم فوجئوا به يخرج إلى الشرفة ويطلق النار في رأسه أمام والدته وزوجته حيث خرّ صريعاً». وقال المصدر إن الشاب المنتحر «متزوج وله ثلاثة أولاد وسبق له أن تشاجر مع دائنيه الذين طالبوه بسدد أموالهم، وما زاد من صعوبة الموقف أنه تبلغ أنه في الشهر الحالي لن يتقاضى سوى نصف راتب في أحسن الأحوال».
وفي بلدة سفينة الدريب في منطقة عكار (شمال لبنان)، عثر على المواطن أنطونيو طنوس، وهو عنصر في قوى الأمن الداخلي، جثة هامدة داخل حقل في أحد البساتين، وإلى جانبه مسدسه الأميري. وحضرت إلى المكان عناصر من قوى الأمن الداخلي للكشف عليها ومعرفة ملابسات الحادثة، ورجّحت المعلومات الأولية أن تكون نتيجة عملية انتحار.
ويأتي انتحار هذين الشابين بعد يومين فقط على انتحار الشاب ناجي الفليطي داخل منزله في بلدة عرسال البقاعية، بعد أن طلبت منه طفلته ألف ليرة لبنانية (نصف دولار وفق السوق غير الرسمية) لشراء منقوشة، لكنه لم يستطع تلبية طلبها، فدخل إلى غرفة جانبية في بيته، وأقدم على شنق نفسه، وتبين أن عليه ديوناً بحدود 300 ألف ليرة (150 دولاراً)، وعجز عن سدادها، وعن علاج زوجته المصابة بمرض السرطان.
وإذا كان انتحار داني أبو حيدر وأنطونيو طنوس وناجي الفليطي، شكل حالات فاقعة في المجتمع اللبناني، فإنه أثار المخاوف من اعتماده من قبل آخرين باتوا يجدون في الانتحار أقصر الطرق للتخلص من أزماتهم، لا سيما أن الآلاف من أرباب الأسر اللبنانية تحت خط الفقر ويعيشون البطالة الكاملة، مترافقة مع تحذيرات من مجاعة قادمة، والدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الناس لتخزين المؤن والمواد الغذائية في بيوتهم استعدادا للأسوأ. واعتبرت الدكتور باسكال مراد، الاختصاصية في علم النفس والاجتماع، أن ظاهرة الانتحار «هي ترجمة حتمية لحالة اليأس والاكتئاب التي يعاني منها بعض الأشخاص، وهي حالة مرضية تحتاج إلى علاج طبي».
وربطت مراد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بين هذه الظاهرة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الشعب اللبناني. وقالت: «عندما يصل شخص إلى الوضع الصادم ويفقد الأمل بالحل، يلجأ إلى الانتحار». لكنها لفتت إلى أن «الانتحار يجب أن تسبقه عوارض تظهر على الشخص، مثل العزلة عن الناس وأحيانا البكاء والامتناع عن تناول الطعام، والشرود وقلّة النوم والتقنين في الكلام، يضاف إليها تراجع الإيمان لديه بإمكان الانفراج وعبور غيوم الأزمة». وأوضحت أنه «إبان الأزمة الاقتصادية التي شهدتها اليونان، حصل الكثير من حالات الانتحار، وبالتالي يجب على العائلات أن تنتبه إلى الاضطرابات النفسية التي تنتاب بعض أفرادها وتسارع إلى عرضه على طبيب أو نقله إلى المستشفى».
وأفادت مصادر ميدانية بأن مواطناً أضرم النار بنفسه في بلدة مجدلا في عكار، وحاول الانتحار لأسباب ماديّة، إلّا أنّ عدداً من الشبان تمكنوا من السيطرة عليه، وإنقاذ حياته.
ويتوقّع أن تفاقم الأزمة الاقتصادية اللبنانية مثل هذه الحالات، ولا تستبعد الدكتورة باسكال مراد «تكرار هذه المشاهد المأساوية في ظلّ معلومات عن مجاعة قادمة، ودعوة الناس إلى تخزين المواد الغذائية، وهذا ما يعجز عن فعلة أرباب آلاف العائلات الفقيرة، غير القادرين على تأمين القوت اليومي لأطفالهم فكيف يمكنهم تخزين المؤن؟».
وفي غياب المعالجة من قبل الدولة. دعت مراد المواطنين إلى «التكافل الاجتماعي ومساعدة بعضهم في أمور أساسية مثل الطعام والثياب ووسائل التدفئة في فصل الشتاء». وعبّرت عن أسفها لـ«تجاهل المسؤولين السياسيين لهذه المأساة، ودفع الناس إلى القبول بأي حكومة بحجة الخروج من الأزمة، مقابل سكوت الناس عن حالات الفساد التي يمارسها السياسيون».
وكانت سيّدة لبنانية وقفت في وسط ساحة رياض الصلح في بيروت، وإلى جانبها أطفالها، ورفعت لافتة عرضت فيها بيع إحدى كليتيها، وأعلنت أن لا حلّ أمامها سوى بيع كليتها لتسديد إيجار المنزل الذي تقيم فيه، بعدما هددها صاحب المنزل بالطرد، ولتأمين الطعام لأطفالها.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».