مصرف لبنان يوجه البنوك بوضع سقف لفائدة الودائع

تدهور تاريخي حاد للظروف التشغيلية بالقطاع الخاص

مصرف لبنان يوجه البنوك بوضع سقف لفائدة الودائع
TT

مصرف لبنان يوجه البنوك بوضع سقف لفائدة الودائع

مصرف لبنان يوجه البنوك بوضع سقف لفائدة الودائع

أبلغ مصرف لبنان المركزي بنوكاً تجارية الأربعاء بوضع سقف لأسعار فائدتها على الودائع بالعملات الأجنبية عند خمسة في المائة وعلى الودائع بالليرة اللبنانية عند 8.5 في المائة.
وفي تعميم اطلعت عليه «رويترز»، قال المصرف إن هذا سيُطبق على جميع الودائع الجديدة، وتلك التي تم تجديدها اعتباراً من الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وأضاف أنه يتعين على البنوك سداد الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية مناصفة بين عملة الحساب والليرة اللبنانية. موضحاً أن «التدابير سارية لمدة ستة أشهر»، كما قال إن جميع الودائع التي تمت قبل الخامس من ديسمبر (كانون الأول) «ستظل خاضعة للاتفاق بين البنك والعميل».
وجاء في التعميم أن هذه القرارات تأتي «حفاظاً على المصلحة العامة في الظروف الاستثنائية الراهنة التي تمر بها البلاد حالياً، وحفاظاً على مصلحة المودعين بعدم انتقاص ودائعهم المصرفية».
ومن جهة أخرى، أوضح تقرير مؤشر مديري المشتريات الاقتصادي الخاص بـ«آي إتش إس ماركت - بلوم بنك»، أن البيانات الصادرة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أشارت إلى تدهور حاد في الظروف التشغيلية لدى شركات القطاع الخاص اللبنانية بأقصى وتيرة منذ بدء المسح في شهر مايو (أيار) 2013... موضحة أن ذلك «ينسب إلى الاحتجاجات الشعبية السائدة في البلاد، والتي ساهمت في انخفاض الإنتاج والطلبيات الجديدة بمعدلات تاريخية. وبدورها، طالت مواعيد تسليم الموردين بشكل حاد، حتى وصلت إلى أعلى مستويات لها في بيانات هذا المؤشر. وعلى الإثر، سجلت أيضاً أسعار مستلزمات الإنتاج أعلى ارتفاع لها منذ يناير (كانون الثاني) عام 2018».
وقال التقرير: «وقد سجل مؤشر (بلوم PMI لبنان) 37.0 نقطة في شهر نوفمبر، حيث انخفض عن 48.3 نقطة المسجلة في أكتوبر (تشرين الأول)، علماً بأن هذا الأخير احتسب قبل بدء الاحتجاجات المدنية في 17 أكتوبر. وكانت أحدث قراءة للمؤشر هي الأدنى تاريخياً فيه، مشيرة إلى التدهور الحاد في الظروف التشغيلية لشركات القطاع الخاص في لبنان».
وعزى التقرير جزءاً من تراجع النشاط الاقتصادي إلى الانكماش الذي سجله المؤشر في إنتاج شركات القطاع الخاص اللبناني. وفي الواقع، كان معدل التراجع هو الأكثر حدة ضمن البيانات التاريخية للمؤشر. وأضاف أعضاء اللجنة بدورهم أن افتقار السوق إلى السيولة عرقل نمو الأعمال.
وبالمثل، تراجع مؤشر الطلبيات الجديدة في منتصف الربع الأخير من العام الجاري. وكان معدل الانكماش هو الأسرع على الإطلاق منذ بدء المسح في 2013. وقد أشارت الأدلة المنقولة إلى أن الاحتجاجات الشعبية في البلاد هي السبب الرئيسي لانخفاض الطلب.
ووفق التقرير، فقد شهدت شركات القطاع الخاص اللبناني ارتفاعاً ملحوظاً في عبء التكاليف المحتمة خلال شهر نوفمبر، وينسب ذلك إلى إعاقة سلسلة التوريد والبضاعة العالقة في المرافئ نتيجة قطع المواصلات جزئياً، الأمر الذي ساهم في إرجاء حمولات الموردين أو تأخير بعضها. أما معدل التضخم، فكان الأسرع منذ يناير 2018. عندما رفعت الضرائب على المبيعات في البلاد. هذا وأشارت البيانات الأساسية إلى أن الارتفاع الأخير جاء نتيجة زيادة أسعار الشراء، في حين انخفضت تكاليف الموظفين.
وقد قررت شركات القطاع الخاص اللبناني تمرير جزء من عبء تكاليفها إلى المستهلكين، مسجلة بذلك أول ارتفاع لمتوسط أسعار ورسوم الإنتاج منذ فبراير (شباط) 2018. ومع ذلك، ظل معدل التضخم هامشياً بشكل عام.
وتابع التقرير أنه «وفي ضوء المظاهرات الشعبية وانخفاض الأعمال الجديدة، واصلت الشركات خفض أعداد موظفيها خلال فترة هذا المسح الأخير. وبذلك، وصل معدل تخفيض عدد موظفي شركات القطاع الخاص إلى أعلى مستوياته في السنوات الثلاث الماضية، غير أنه بقي معتدلاً بشكل عام».
وأعربت شركات القطاع الخاص عن تشاؤمها حيال مستقبل الأعمال في لبنان للسنة المقبلة، وسط تخوفها من استمرار الاضطرابات السياسية والاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن مستوى ثقة الشركات كان الأضعف منذ مايو (أيار) عام 2017.
وتعليقاً على نتائج التقرير، قال مروان مخايل، رئيس قسم الأبحاث في «بنك بلوم»: «وصل المؤشر في نوفمبر إلى أدنى مستوى له منذ إنشائه في 2013 بسبب حالة الجمود السياسي والاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ 17 أكتوبر. فقد تراجع مستوى الإنتاج والطلبيات الجديدة، حيث سجل 25 نقطة، مع العلم بأن الحد الفاصل بين الانكماش والتوسع هو 50 نقطة. في حين سجلت طلبيات التصدير الجديدة انخفاضاً وبقيت عند 30 نقطة».
وتابع مخايل أنه «رافق تدني مستوى الإنتاج والطلب ارتفاع ملحوظ في أسعار المدخلات والإنتاج بسبب ظهور سوق موازية لصرف العملات جراء الضوابط المالية الرقابية التي اتخذتها المصارف. وتراوح سعر صرف الليرة اللبنانية بين 25 إلى 35 في المائة أقل مما هو عليه في الأسواق، بحيث اضطر المستوردون لأن يلجأوا إلى هذه السوق الموازية للحصول على العملة الأجنبية الضرورية لحركة الاستيراد. وبات تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن أمراً ضرورياً من أجل المباشرة في معالجة الوضع الراهن، عن طريق اتخاذ سلسلة من التدابير الهيكلية الصارمة على الأمد القصير».



الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

TT

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري «الذي خسر 24 عاماً من التنمية البشرية حتى الآن».

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب 

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.