بكين... إطلالة على التاريخ والمستقبل

من سور الصين العظيم إلى القصور الإمبراطورية وصولاً لمركز الألعاب الأولمبية

بكين... إطلالة على التاريخ والمستقبل
TT

بكين... إطلالة على التاريخ والمستقبل

بكين... إطلالة على التاريخ والمستقبل

كانت الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 بمثابة فرصة لبكين لإظهار أنها واحدة من المدن الكبرى الأكثر تأثيراً على مستوى العالم.
وبالفعل منذ هذه الألعاب وهناك تدفق على الاستثمارات وازدهار في قطاع السياحة، مع افتتاح مطار (بكين داشينغ الدولي الجديد بالعاصمة، التي قامت بتصميمه شركة «زها حديد أركتيكتس». كل هذا الازدهار والانفتاح يجعل الوقت الحالي مناسبا للتخطيط لزيارة العاصمة الصينية.
ولا تعد بكين، التي تفوقها شنغهاي في الحجم فقط، العاصمة السياسية للبلاد منذ 800 عام فحسب، بل تحظى أيضا بمكانة بارزة في الحياة الثقافية والاقتصادية والعلمية والأكاديمية. تقع المدينة في شمال غربي سهول الصين الشمالية على مقربة من المنحدرات الغربية لجبال يانشان. كما تعد نقطة انطلاق رائعة لاستكشاف هذا البلد الشاسع والنابض بالحياة بفضل شبكة الطرق المتطورة وخطوط الطيران التي تربطها بالمدن الكبرى.
لكن حتى إذا كانت النية البقاء في بكين، فإنها لا تخلو من الأماكن الفريدة الجديرة بالزيارة والأنشطة التي يمكن القيام بها لعدة أيام من دون شعور بالملل. فهي تضم جزءا من سور الصين العظيم في «بادالينغ باس»، وهذا وحده يجعلها تستحق الزيارة. من الأماكن التاريخية والثقافية الأخرى فيها، القصر الإمبراطوري ومتنزه «بيهاي»، ومتنزه «كول هيل»، ومعبد السماء، ومعظمها في قلب المدينة التاريخية التي لا تزال في حالة جيدة. من الأمور التي يمكن القيام بها أيضا استكشاف ميدان تيانامان الضخم، والمراكز الحضارية الحديثة مثل مدينة الألعاب الأولمبية. كل هذا بجانب الاستمتاع بالتسوق.

القصر الإمبراطوري
يُعرف أيضا باسم المدينة المحرمة، وهو أهم معلم في بكين. يعود تاريخه إلى أسرة يوان الحاكمة بالقرن الثالث عشر، ويُعزى حجمه الهائل إلى التوسعات الكثيرة التي حدثت خلال فترة حكم أسرة مينغ بين عامي 1406 و1420 بعد نقل العاصمة من نانكينغ. وكان هذا القصر الجميل مقراً لـ24 من أباطرة أسرتي مينغ وتشينغ، وسبب تسميته بالمدينة المحرمة هو عدم السماح للعامة بدخوله أو الاقتراب منه. ويمتد القصر بالمباني الملحقة به على مساحة 720 ألف متر مربع، ويحيط به جدار ارتفاعه عشرة أمتار به أبراج تتناثر في أركانه الأربعة، وخندق عرضه 50 مترا، وينقسم إلى منطقة مخصصة للاحتفالات والإدارة، إلى جانب أجزاء خاصة مخصصة للإمبراطور وعائلته.
من المعالم الأخرى بوابة «ميريديان» التي تم تشييدها عام 1420، وجسور النهر الذهبية الخمسة المبنية من الرخام الأبيض ومزينة بالزخارف، والتي كانت مخصصة لإقامة حفلات وولائم الإمبراطور، وقصر النقاء السماوي، أكبر قاعة في البلاط الداخلي، وقاعة الشجاعة العسكرية، المقرّ الدائم والخاص للأباطرة.

سور الصين العظيم
لا تبعد بكين سوى ساعة واحدة فقط عن أحد أشهر الأبنية التاريخية في البلاد وهو سور الصين العظيم. يقع في بادالينغ باس، الجزء الأول من السور، والذي تم فتحه أمام السائحين في الخمسينات، ويمكن الاستمتاع بالسير على هذا الجزء المبهر لساعات. تاريخ بنائه يعود إلى القرن السادس عشر، ويصل ارتفاعه إلى ثمانية أمتار. كذلك يمكن من هنا التمتع بمشاهدة الأبراج الكثيرة، والحواجز المطلة على المناظر الخلابة للمناطق المحيطة. وحيث إن السير وعر يمكنك استقلال عربات التلفريك خلال جولة أعلى السور. وينصح بالتسجيل مسبقاً للقيام بجولة حول السور نظرا للزحام الكبير من السائحين. كذلك هناك بقعة أخرى تتيح الاستمتاع بزيارة سور الصين العظيم تبدأ من زيارة الأجزاء الموجودة في موتيانيو التي تعود إلى القرن السادس الميلادي. وقد ازدادت شهرة هذا القسم، الذي تم إعادة بنائه وتوسيعه على مدى قرون، نظراً لإطلالاته الرائعة التي تكتسب جمالا فريداً خاصاً خلال فصلي الربيع والخريف.

ميدان تيانانمن
هو ساحة السلام السماوي، وأكبر ميدان داخل المدينة، حيث يتسع لنحو مليون شخص. تم إنشاؤه في عام 1958 للاحتفاء بالذكرى العاشرة لإقامة جمهورية الصين. من معالمه نُصب أبطال الشعب، وهو مسلة ارتفاعها 38 مترا تتكون من 17 ألف قطعة من الجرانيت والرخام، وبوابة تيانانمن الرائعة التي تم الانتهاء من بنائها في عام 1417، وكانت يوماً ما المدخل الرئيسي للمدينة الإمبراطورية.
باتجاه أقصى جنوب الميدان، توجد بوابة «تشيانمين»، التي يعود تاريخها إلى بداية القرن الخامس عشر، وتم تجديدها في بداية التسعينات، إلى جانب متحف الثورة الصينية، الذي يضم ضريح ماو تسي تونغ، داخل تابوته الكريستالي.

(متنزه بيهاي ومعبد السماء)
يعد هذا المتنزه الواقع على مقربة من القصر الإمبراطوري، واحداً من أقدم الحدائق التاريخية في بكين. شُيد في بداية القرن العاشر، وتم تسميته على اسم بحيرة بيهاي (البحيرة الشمالية) القريبة، ويضم الحصن الدائري، الذي يعود تاريخه إلى عهد يوان بين عامي 1271 و1368، إلى جانب قاعة التنوير، التي تم بناؤها عام 1690، والتي تضم تمثالا لبوذا ارتفاعه متر ونصف المتر منحوت من كتلة واحدة من حجر اليشم الأبيض، ومزهرية من حجر اليشم الأسود تعود إلى بداية القرن الثاني عشر.
أما معبد السماء فيعود تاريخ بنائه إلى عام 1420، ويضم مجموعة من أهم وأكثر المباني قداسة في بكين. والزائر لبكين لديه فرصة أيضا لرؤية القصر الصيفي (يي يوان) الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، وتزيد مساحته على 700 فدان، ومن الجميل التقاط الصور به حيث تليق المناظر فيه بمكانته الملكية، بفضل ما به من بحيرة صناعية كبيرة عمرها 700 عام، وحدائق غنّاء. أما مركز الألعاب الأولمبية فهو التعبير عن التطور والحداثة واستاد «عش الطائر» مفتوح للزائرين، حيث يتم استخدامه منذ الألعاب الأولمبية لاستضافة فعاليات وعروض ثقافية من بينها حفلات أوبرا، وموسيقى البوب، ومباريات كرة قدم. ويتم تحويله خلال فصل الشتاء إلى أكبر منحدر تزلج صناعي داخلي.

مرصد بكين القديم والمتحف الوطني
هو شبيه بالحصن وتم الانتهاء من بنائه عام 1442 يقع شرق المدينة بالقرب من منطقة المحطة، وظل يعمل حتى عام 1929 وفيه تعرض الأدوات التي كانت مستخدمة قبل اختراع التلسكوب. وفي المنشأة التي تمتد على مساحة 10 آلاف متر مربع، كرة سماوية يعود تاريخها إلى عام 1673 وكرة ذات حلقات تعود إلى القرن الثامن عشر تمثل الكواكب من تصميم فرديناند فيربيست.
أما المتحف الوطني فيعد ثاني أكثر متاحف الفنون جذباً للزائرين في العالم بعد اللوفر في باريس. تم افتتاح المتحف عام 2003، ثم تجديده بالكامل عام 2011 ويضم 48 قاعة للعروض. من بين القطع المعروضة المثيرة للاهتمام في المتحف، والتي يصل عددها إلى مليون قطعة، هو «سيمو دينغ»، الآنية والأدوات البرونزية الأثقل، والتي تعد من بين الأقدم من نوعها في العالم، إلى جانب مجموعة من التحف النادرة المصنوعة من الذهب واليشم والخزف، والتي يعود تاريخها إلى عهود مختلفة للأسر الحاكمة. توضح قطع أخرى أول مجتمعات بشرية في البلاد إضافة إلى تأسيس الدولة الشيوعية. إذا كنت تخطط لزيارة طويلة، فهناك مقهى ومتجر شاي يقدمان مشروبات منعشة. كذلك هناك سياسة صارمة تمنع استخدام «عصا التصوير الذاتي»، لذا إذا كنت تمتلك واحدة فاتركها في فندقك، أو في الأمانات.

متحف العاصمة بكين
افتتح في عام 1981، ويعد واحداً من أهم المتاحف الفنية في البلاد لما يضمه من أعمال فنية مهمة، منها قطع قديمة من البورسلين والبرونز، والخطوط والفنون التقليدية، إلى جانب منحوتات تمثل الثقافة الصينية والثقافات الآسيوية الأخرى. من بين القطع المهمة، التي يزيد عددها على 200 ألف، والتي تم العثور على أكثرها في بكين وحولها، لوحة حجرية للإمبراطور تشيان لونغ، يزيد وزنها على 40 طنا، ويصل ارتفاعها إلى نحو سبعة أمتار، وعليها كتابة ونصوص قديمة.

حديقة حيوان بكين
تقع الحديقة واسمها (بي جينغ دونغ ويوان) في شمال غربي المدينة، على مساحة أكثر من 220 فدانا. افتتحت في عام 1906 مما يجعلها واحدة من أقدم حدائق الحيوان في الصين. تضم نحو 15 ألف حيوان ينتمون إلى ألف فصيلة، من بينها أنواع محلية نادرة مثل نمور جنوب الصين، والفهود الثلجية، والقردة الذهبية ذات الأنوف الفطساء، ودببة الباندا، إضافة إلى حيوانات غير نادرة بدرجة كبيرة مثل طائر الكركي ذي العرف الأحمر، وغزال «بير ديفيد». كذلك تضم الحديقة أنواعاً من مختلف أنحاء العالم مثل الفيلة والأسود واليغور (النمر الأميركي). ويوجد في الحديقة أيضاً متحف ثري للأحياء المائية.

نصائح جانبية
حدد ما إذا كنت بحاجة إلى تأشيرة أم لا: يمكنك التوقف في المدينة في طريقك إلى بلد آخر لمدة 144 ساعة دون الحاجة إلى تأشيرة، أما إذا كنت ستبقى في الصين وقتا أطول، فعليك التقدم بطلب للحصول على تأشيرة الدخول المتكرر وتكلفتها مثل تكلفة تأشيرة الدخول لمرة واحدة، وتبلغ 140 دولارا.
- خطط لزيارة المدينة المحرمة مسبقاً: يفضل حجز التذاكر مُسبقا، لأن الحكومة لا تسمح سوى لـ800 فرد بالدخول يومياً، ولا تنس جواز سفرك لأنك لن تستطيع الدخول من دونه.
- تمتع بمشاهدة العمارة الحديثة المبهرة مثل مجمع «غالاكسي سوهو»، وهو مقرّ تلفزيون الصين المركزي، والاستاد الوطني، الذي تم بناؤه لاستضافة فعاليات الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008، إضافة إلى المركز الوطني لفنون الأداء (غوجيا دا جويان)، والمعروف باسم البيضة العملاقة. افتتح في عام 2001، ويعد من أفضل دور الأوبرا في آسيا.
- احصل على المساعدة من تطبيق خاص باللغة: يجيد أكثر العاملين في مجال السياحة اللغة الإنجليزية، لكن إذا كنت تخطط لاستكشاف بكين وحدك، وتفتقر إلى المهارات اللغوية، فيمكنك تنزيل تطبيق ترجمة.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.