أوكرانيا... صراع تاريخي بين روسيا والولايات المتحدة يعود لـ1991

من الأرشيف: واشنطن دعمت استفتاء الاستقلال وسط تنديدات موسكو

أوكرانيا... صراع تاريخي بين روسيا والولايات المتحدة يعود لـ1991
TT

أوكرانيا... صراع تاريخي بين روسيا والولايات المتحدة يعود لـ1991

أوكرانيا... صراع تاريخي بين روسيا والولايات المتحدة يعود لـ1991

فيما يجدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفيه مرة جديدة حصول أي اتفاق مقايضة مع نظيره الأميركي دونالد ترمب بشأن المساعدة العسكرية الأميركية إلى بلاده رغم الإفادات في هذا الصدد خلال إجراءات عزل الأخير، تعود العلاقة المعقدة على مر السنوات الأخيرة بين كييف، وواشنطن، وموسكو إلى الواجهة.
العلاقات بين روسيا وأوكرانيا ساد عليها التوتر منذ وصول موالين للغرب إلى الحكم في كييف عام 2014. وقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم ونشوب حرب مع الانفصالين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا. إلى أن التقدم أحرز بين كييف وموسكو منذ وصول زيلينسكي المؤيد أكثر من سلفه للحوار، إلى السلطة في أبريل (نيسان) المنصرم. أوكرانيا، تغيرت مواقفها وتحالفاتها في التاريخ الحديث، لتقف «سوفياتية» وراء موسكو تارة، و«ديمقراطية قومية» حليفة للغرب تارة أخرى.
مثلث كييف - موسكو - واشنطن ليس جديدا، بل يعود إلى آخر أيام الحرب الباردة. هذا التوتر القديم يعكسه عددان أرشيفيان لـ«الشرق الأوسط» الأول صدر في 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1991. وفي الصفحة الأولى خبر تحت عنوان «خيار أوكرانيا» يبدأ مرحلة دقيقة من العلاقات بين واشنطن وموسكو. والخبر: «دخلت العلاقات بين واشنطن وموسكو اعتبارا من اليوم مرحلة دقيقة جديدة في ضوء الاستفتاء على استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي وإعلان الرئيس الأميركي جورج بوش قبل الاستفتاء أن الولايات المتحدة قررت أن تعترف بأوكرانيا دولة مستقلة إذا ما كان هذا قرار مواطنيها». وأضاف «من جانبه، حرص الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في الاتصال الهاتفي الذي أجراه أول من أمس مع الرئيس بوش على التشديد على أهمية بقاء أوكرانيا ضمن الأسرة السوفياتية».

وفي صفحة الدوليات خبر موسع عن التوتر بين واشنطن وموسكو في لحظات انتظار نتائج استفتاء أوكرانيا على الاستقلال، إذ تم النظر إليه كمهدد للاتحاد السوفياتي. وقال الخبر: «ويقول كل من غورباتشوف والرئيس الروسي بوريس يلتسن إنهما لا يتصوران اتحادا من دون أوكرانيا، ثاني أقوى جمهورية سوفياتية».

الاستفتاء الذي هابته روسيا كانت نتيجته بالفعل سلبية لها. وعلى الصفحة الأولى من عدد «الشرق الأوسط» الصادر في 3 ديسمبر 1991. خبر من أمير طاهري بعنوان: «استقلال أوكرانيا يحمل مخاطر كثيرة أهمها السلاح النووي والأقليات والحدود». والخبر قال: «احتفت أمس مدينة كييف العاصمة الأوكرانية الغارقة في الإعلام القومية ذات اللونين الأزرق والأصفر بمولدها من جديد عاصمة وقلبا لدولة مستقلة، وذلك بعدما أسفر الاستفتاء المعد لتقرير ما إذا كانت أوكرانيا تفضل أن تنفصل عن البقية الباقية من الاتحاد السوفياتي، عن أغلبية ساحقة لأصوات الـ(نعم)». وأضاف «امتلأت فجأة المتاجر الخاوية غالبا بأشكال وألوان مختلفة من البضائع التي نادرا ما شوهدت في وقت واحد في الجمهورية، وبدا لو أن أحدهم قد سرق كهف علي بابا وجلب كنوزه إلى أسواق كييف المعتادة على الكآبة والتقشف». وأشار طاهري في الخبر إلى أن الفئة التي تحكم أوكرانيا تتألف من مسؤولين عتاق مخضرمين من استخبارات أمن الدولة والحزب الشيوعي الذين قرروا أن يصبحوا ديمقراطيين وقوميين.

وفي صفحة الرأي في العدد ذاته مقال لإياد أبو شقرا تحت عنوان: «الاستقلال الأوكراني ومعناه وضحاياه». ورأى أبو شقرا أن «الخاسر الأكبر من استقلال أوكرانيا على المدى القصير ميخائيل غورباتشوف... حيث انتهى كزعيم عالمي بعدما انتهى الكيان الذي يتزعمه». وأشار إلى أن «واشنطن التي تفهم تماما ما هو حاصل، فإنها تواصل الالتزام بتعاطيها الذكي مع مسلسل الانهيار السوفياتي وبطريقة محسوبة رصينة مفضلة السرعة التي تضمن التفتت وتتجنب التفجر والشظايا».
كما أوكرانيا في مطلع التسعينات في حلة مستقلة جديدة، تعيد البلاد اليوم ترتيب حساباتها حيث يتورط رئيسها بقضية قد تعزل قاطن البيت الأبيض، إلى جانب تحديات وانقسامات داخلية، وعلاقة غير واضحة مع موسكو.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.