الليرة السورية تتهاوى على وقع احتجاجات العراق ولبنان

انخفاض سعر الصرف مقابل الدولار إلى أرقام قياسية

سوق الالبسة المستعملة في وسط دمشق (إ. ب.أ)
سوق الالبسة المستعملة في وسط دمشق (إ. ب.أ)
TT

الليرة السورية تتهاوى على وقع احتجاجات العراق ولبنان

سوق الالبسة المستعملة في وسط دمشق (إ. ب.أ)
سوق الالبسة المستعملة في وسط دمشق (إ. ب.أ)

وصل صدى الاحتجاجات في إيران والعراق ولبنان إلى دمشق عبر تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي إلى رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد، من دون وجود مؤشرات عن توقف الانهيار البالغ نحو 4% يومياً.
مع أن الاقتصاد السوري غير مرتبط كلياً بالاقتصاد العالمي، فإنه يعتمد بشكل رئيسي على إمدادات النفط ومشتقاته من إيران والزيارات من العراق والتحويلات من الأردن. غير أن النظام المصرفي اللبناني يعد بمثابة رئة الاقتصاد السوري، فيما تعد موانئ لبنان نافذة الحكومة السورية للالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية التي فُرضت بعد 2011.
كان الدولار الأميركي يساوي 46 ليرة في 2011 وانخفض تدريجياً إلى أن استقر في منتصف العام الجاري عند 500 ليرة. لكن في الأسابيع الأخيرة تصاعد التدهور في سعر الصرف على وقع الاحتجاجات في الدول المجاورة والحليفة للحكومة السورية.
وأزمة لبنان الاقتصادية هي الأسوأ منذ حربه الأهلية بين عامي 1975 و1990. وتسعى الحكومة، عبر فرض قيود، لمنع نزوح الرساميل بعدما باتت الدولارات شحيحة ومع هبوط قيمة الليرة اللبنانية في السوق السوداء.
في موازاة ذلك، هوت الليرة السورية بنسبة 30% في الأسابيع التي تلت تفاقم أزمة لبنان الاقتصادية في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، بعد موجة الاحتجاجات. واقترب سعر صرف الدولار من جدار الـ900 ليرة، في أدنى سعر في تاريخ البلاد.
وحسب خبراء سوريين، هناك جملة من الأسباب المحلية والإقليمية والدولية لتدهور سعر الليرة السورية، بينها «فشل مشروع صندوق دعم الليرة السورية التي قامت به دمشق بالتعاون مع القطاع الخاص السوري وغرف التجارة والصناعة، حيث عاد تدهور الوضع المالي وبسرعة وانعكس بشكل كبير على سعر صرف الليرة بسبب الخوف من انعكاسات ذلك الحراك على الوضع العام في سوريا وعلى الاقتصاد بشكل محدد، بالإضافة إلى أن السوريين بادروا بتحويل أموالهم إلى دولار والاحتفاظ به معهم والابتعاد عن المصارف».
وفرضت السلطات على كبار رجال الأعمال قبل أسابيع إيداع أموال بالقطع الأجنبي في المصارف الحكومية و«المصرف المركزي». وعُقد في أحد فنادق دمشق اجتماع لهذا الغرض، لكن الالتزامات لم تصل إلى السقف المطلوب من السلطات وكانت تتراوح بين 300 و500 مليون دولار، إذ إن التعهدات كانت قليلة ووصلت في بعض الأحيان إلى بضعة آلاف من الدولارات الأميركية.
وأوضح خبير مالي أنه بسبب التغيرات في السياسات المالية للمصارف اللبنانية قام آلاف السوريين بسحب أموالهم المودعة في المصارف السورية الخاصة المرتبطة بالمصارف اللبنانية «تخوفاً من أن تعمل تلك الأخيرة على تغيير في سياساتها النقدية كما حصل مع المصارف الأم في لبنان». وأشار عاملون في مصارف سورية خاصة إلى «عمليات سحب كبيرة للمودعين السوريين بالليرة وتوقف عمليات الإيداع والتحصيل المصرفي».
كانت السلطات السورية قد فرضت قيوداً على رجال الأعمال لمنع إيداع أموالهم في مصارف لبنانية مقابل التركيز على المصارف الحكومية في دمشق. وفرض «مصرف سوريا المركزي» تعليمات على المصارف لوضع سقف لعمليات السحب عند خمسة ملايين ليرة في اليوم، ثم خُففت إلى عشرة ملايين.
ومن الإجراءات الأخرى التي أسهمت في انخفاض سعر الصرف، توقع إجازات الاستيراد والتسهيلات المصرفية التي كانت تتم عبر طريق المصارف اللبنانية، إضافةً إلى إلغاء دمشق إجازات الاستيراد الشهر الماضي لـ«ضبط انهيار العملة السورية».
كانت ودائع السوريين في المصارف اللبنانية مصدراً أساسياً لدخل رجال الأعمال والأثرياء في دمشق. والفوائد التي تُدفع على الودائع في لبنان كانت تُحول إلى داخل البلاد هي مصدر مهم للدولارات للاقتصاد. كما يلجأ سوريون إلى النظام المالي اللبناني كقناة لإرسال أموال إلى أقاربهم تقدّر بمئات الملايين كل عام. وأفاد خبراء بأن «عشرات المودعين السوريين يواجهون مصاعب في سحب أموالهم المودعة في المصارف اللبنانية خصوصاً أولئك الذين تم الطلب منهم خلال حملة دعم الليرة إعادة الأموال التي اقترضوها من المصارف السورية في السنوات الماضية».
وقال أحدهم: «هناك عشرات أخذوا قروضاً من المصارف السورية وحوّلوها إلى دولار وأودعوها في مصارف لبنانية لتحصيل فوائد عالية تصل إلى 8% على الدولار و15% على الليرة اللبنانية».
كما تواجه شركات الحوالات السورية المرخصة وغير المرخصة مصاعب كبيرة في إيجاد طرق لتحويل الأموال من وإلى سوريا. كما أن «الفرق الهائل في سعر الصرف الرسمي هو 437 ليرة للدولار في حين سعر الصرف للدولار قد تجاوز الـ890 ليرة سورية للدولار الواحد، يدفع بالتحول نحو السوق السوداء وشركات الصرافة غير الشرعية». في عام 2017 أعلن «المصرف المركزي» أن قيمة تلك الحوالات الخاصة تصل إلى حدود الـ3 ملايين دولار يومياً من أصل إجمالي تداول قدره 15 مليون يومياً، ما يشكّل مصدراً لدخل الحكومة من القطع الأجنبي.
كانت أميركا والدول الأوروبية قد فرضت عقوبات على مصارف حكومية وشخصيات سورية مقربة من السلطات. وهناك أنباء عن حزمة جديدة من العقوبات الغربية، في وقت تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن على حقول النفط والغاز شرق الفرات. وحسب معلومات، يذهب نحو 30 ألف برميل من النفط يومياً إلى مناطق الحكومة بموجب اتفاقات بين «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق.
وقال خبراء إن دمشق «تعتمد على الموانئ وشركات لبنانية لتجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ذلك أن 90% من الصفقات النفطية وعمليات الاستيراد إلى سوريا تمر عبر تلك القنوات اللبنانية لتجاوز العقوبات. كما أن عمليات استيراد المواد الأولية اللازمة لتشغيل القطاعات الصناعية الخاصة والعامة تتم عبر هذه الشركات».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.