عبد الفتاح أبو مدين... ريادة تنويرية في الأدب والصحافة

رحيل «الفتى مفتاح» عن 94 عاماً

الملك سلمان مكرماً الاديب عبد الفتاح ابو مدين
الملك سلمان مكرماً الاديب عبد الفتاح ابو مدين
TT

عبد الفتاح أبو مدين... ريادة تنويرية في الأدب والصحافة

الملك سلمان مكرماً الاديب عبد الفتاح ابو مدين
الملك سلمان مكرماً الاديب عبد الفتاح ابو مدين

رحل صباح أمس في جدة الأديب والإعلامي السعودي عبد الفتاح أبو مدين، عن عمر يناهز 94 عاماً. وقد عرف عبد الفتاح أبو مدين، باعتباره أحد أبرز الأدباء السعوديين، الذين حملوا لواء التنوير عبر الصحافة والمؤسسات الأدبية، وواجهوا التشدد الفكري، واحتضن الحراك الثقافي القائم على النقد الحديث في ذروة الصراع مع خصوم «الحداثة» في المملكة، كما آمن بمشاركة المرأة، وكان من أول من أتاح لها المشاركة في فعاليات النادي الأدبي في جدة، الذي ترأسه نحو ربع قرن، وجعل منه أحد أبرز المنصات الثقافية الحاضنة للحداثة والتنوير.
ولد عبد الفتاح أبو مدين، في بنغازي الليبية، سنة 1925، وفي السابعة من عمره، فقد «الفتى مفتاح»، وهو الاسم الذي عرف به، وحمل عنوان كتاب السيرة الذاتية الذي ألفّه، فقد والده الذي كان يعمل حطاباً وبائعاً للفحم، كما فقد أشقاءه التسعة، وظل مع والدته وأختيه يكابد شظف الحياة، حتى اضطر للعمل صبياً في مجال البناء، لكن هذا العمل كان مضنياً ولا تتحمله قواه، فاتجه للعمل في مقهى يخدم الزبائن، ثم عمل في فرن ينقل الدقيق من الصوامع إلى الفرن، ويبيع الخبز على قارعة الطريق. وخلال فترة الحرب العالمية الثانية، قضّى الفتى مفتاح أصعب أوقاته في ليبيا، وكان حتى انتقاله إلى السعودية بعمر التاسعة عشرة أمي لا يقرأ ولا يكتب. بل إنه يذكر في كتابه «حكاية الفتى مفتاح» بأنه يكاد لم يقرأ كتاباً لنحو نصف القرن الأول من حياته.
قبيل انصرام الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1942، توسل خاله عند السفير البريطاني في جدة، يرجوه الوساطة لدى الإدارة البريطانية، التي كانت تحكم ليبيا يومئذ، لكي يتمكن أن يركبه ووالدته إلى الحجاز، وهكذا وصل أبو مدين إلى المدينة المنورة، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة العلوم الشرعية، لكن صعوبات المعيشة أجبرته على العمل، حتى انتقل إلى جدة، حيث عمل هناك في العديد من الوظائف؛ أبرزها رئاسته الطويلة للنادي الأدبي في جدة لمدة 25 عاماً في الفترة من 1980 إلى 2006، وأصدر جريدة «الأضواء»، وهي أول جريدة تصدر في جدة في العهد السعودي، بشراكة مع محمد سعيد باعشن ومحمد أمين يحيى عام 1957. كما أصدر في عام 1379 هـ مجلة «الرائد» الثقافية التي كان هو صاحبها ورئيس تحريرها، واستمرت هذه المجلة إلى قيام المؤسسات؛ حيث توقفت. وبسبب مقالات وكتابات جيل الشباب، خصوصاً أولئك الذين تلقوا تعليماً في الخارج، كانت المجلة تثير سخط المتدينين، ومن بين الكتاب المثيرين الدكتور عبد الله مناع، حيث كان وقتها يدرس في الجامعة بالإسكندرية، ويبعث بمقالاته من هناك؛ بعنوان «على قمم الشقاء». تلك المقالات التي طغت عليها قصص الحبّ والغرام، أثارت رئيس جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حيث وصف المجلة، كما ينقل عنه عبد الفتاح أبو مدين، بأنها تشبه مجلة «روزاليوسف» في مصر.
كما عمل مديراً لإدارة مؤسسة «عكاظ» للصحافة، ومديراً لتحرير العدد الأسبوعي لصحيفة «عكاظ»، ومديراً لإدارة مؤسسة «البلاد» للصحافة والنشر. كما أشرف خلال رئاسته نادي جدة الأدبي، على عديد من الإصدارات الأدبية، منها: مجلة «علامات» في النقد، ومجلة «الراوي» في القصة، ومجلة «عبقر» في الشعر، ومجلة «جذور» في التراث، ومجلة «نوافذ» في الترجمة.
وللأديب عبد الفتاح أبو مدين 12 كتاباً، في النقد والدراسة والبحوث والمقالات الأدبية والسيرة، أبرز تلك الكتب: «أمواج وأثباج»، و«في معترك الحياة» عام 1982، و«وتلك الأيام» عام 1986، و«حكاية الفتى مفتاح» عام 1996، و«هؤلاء عرفت» عام 2000، و«أيامي في النادي» عام 2010، و«الصخر والأظافر»، و«حمزة شحاتة... ظَلمه عصره»، و«هؤلاء عرفت»، و«الحياة بين الكلمات»، و«علامات»، و«الذين ضل سعيهم»، و«نقد لمنكر السنة النبوية»، و«من أحاديث الحياة»، و«أيامي في النادي».
بداياته الصعبة، وحياته القاسية، ونضاله من أجل الأدب تشابهت إلى حد كبير مع شخصية عميد الأدب العربي طه حسين، الذي تأثر به أبو مدين، وأصبح يُعرف بـ«الطحسني»، وعلاقته بطه حسين بدأت في حدود عام 1946 حين كان يتابع إنتاجه الأدبي.
في استهلاله لسيرته الذاتية في كتابه «حكاية الفتى مفتاح»، يقول أبو مدين: «إنني أؤكد من البداية أن حياتي ليس فيها شيء يستحق التسجيل والحديث، لأنها حياة أمثالي ممن عاش اليتم والجهل والفقر».
أشعل «نادي جدة الأدبي» في عهده النقاشات والمساجلات الفكرية والنقدية التي كانت تمثل امتداداً لسجال الحداثة في أروقة المثقفين السعوديين، فكان هذا النادي هو الأكثر اجتذاباً لأصوات النقاد الجدد وسجالاتهم الفكرية والمعرفية. وهو صاحب العبارة التي وجهها لوزيري الثقافة والإعلام (إياد مدني وعبد العزيز خوجة): «أعطونا صلاحيات... وحاسبونا».
وفي عهده في «نادي جدة الأدبي»، تم تأسيس «ملتقى النص»، وجماعة «حوار». كما أتاح للنساء المشاركة في حضور فعاليات النادي المنبرية، وهو إجراء جديد على تلك الأندية في ذلك الوقت، خصوصاً والساحة تتقد بالتخويف من تيارات الحداثة التي تستهدف، حسب رأيهم، تغريب المرأة.
وفي كتابه «أيامي مع النادي»، يقول أبو مدين: «كانت الأصوات المتطرفة تعبر عن نفسها بالمنشورات وأشرطة الكاسيت والكتب، ومن على بعض منابر المساجد، ومع ذلك لم نجد بداً من اتخاذ قرار بإنشاء صالة نسائية ترتبط بصالة الرجال، عبر الدائرة التلفزيونية، وإتاحة الفرصة للمثقفات للمشاركة، وببساطة متناهية خاطبت أمير منطقة مكة المكرمة حينها الأمير ماجد بن عبد العزيز (رحمه الله) استأذنه في فتح الصالة النسائية، وقد بارك الأمير هذه الخطوة، وأذن لنا بذلك».
وحظي عبد الفتاح أبو مدين بعدد من التكريمات، أهمها حصوله على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، حيث تسلمه من يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» في دورته الـ33، وقبلها كُرّم في مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث عام 2009.



«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين
TT

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.

سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.

سورين كيركيغارد

لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.

ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.

ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.

لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.

الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟

قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته

اللقاء الأخير

كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!