إلغاء تراخيص عمل مئات الصحافيين الأتراك لـ«تهديدهم الأمن القومي»

نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي
نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي
TT

إلغاء تراخيص عمل مئات الصحافيين الأتراك لـ«تهديدهم الأمن القومي»

نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي
نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي

ألغت السلطات التركية البطاقات الصحافية لنحو 685 صحافياً يعملون في البلاد بدعوى أنهم يشكّلون تهديداً على الأمن القومي. وقال نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي، إنه تم إلغاء البطاقات، التي أصبحت تصدر عن إدارة الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية بعد تحول البلاد إلى النظام الرئاسي العام الماضي، والتي تعد بمثابة ترخيص عمل للصحافيين المحليين والأجانب، بسبب تهديد حامليها للأمن القومي التركي.
وذكر أوكطاي أن هذا القرار استهدف منع استخدام البطاقات المزيفة والعمل على تسهيل عمل الصحافيين وزيادة هيبة البطاقة الصحافية، مشيراً إلى أنه تم إصدار 343 بطاقة صحافية في 2019.
في سياق متصل، أطلقت منظمة العفو الدولية حملة توقيعات لإطلاق سراح الكاتب الصحافي التركي البارز أحمد ألطان، الذي أعادت السلطات اعتقاله بعد أسبوع فقط من إطلاق سراحه المشروط بقرار من المحكمة بعد نحو 3 سنوات من الحبس بدعوى دعم «منظمة إرهابية»، في إشارة إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن التي تتهمها السلطات بتدبير وتنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016 في القضية المعروفة بالذراع الإعلامية لمنظمة غولن، وأُعيد اعتقاله في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على خلفية طعن تقدمت به النيابة العامة.
وجاء في إعلان الحملة أن ألطان حُكم عليه بالسجن بسبب آرائه وأفكاره، مطالباً بإطلاق سراحه فوراً من دون شروط...
وخلال الأيام القليلة التي أمضاها ألطان في بيته، كتب مقاله الأول خارج السجن، وعبّر فيه عن مرارة الإحساس بالظلم، وعجز آلاف المظلومين داخل السجون عن توصيل أصواتهم.
وفي مقاله، الذي كتبه تحت عنوان «مزمار من الكرتون»، قال ألطان: «ليس هناك في الحياة فزع ورعب أكثر من أن تواجه قوة مذهلة لشخص يتحكم في مصيرك، إذ يمكنه أن يعدمك أو يسجنك أو يرسلك إلى المنفى أو حتى يتركك حراً طليقاً... مثلت أمام القضاة مرات خلال فترة الحبس الطويلة، لم يعيروا سمعاً لما قلت في الدفاع عن نفسي، وكلما قدمت لهم أدلة براءتي استمروا في ترديد الاتهامات ذاتها مراراً وتكراراً كأنني لم أقل شيئاًلأتراك ملاحظة من التدقيق: يرجى مراجعة ().ي ().الصياغة في (). . حكموا عليّ بالسجن المؤبد أولاً، ثم خفّفوا العقوبة إلى عشر سنوات ونصف، وأخيراً أطلقوا سراحي».
وتابع: «وإذ أسطر هذا المقال الآن أنتظر في الوقت ذاته قراراً سيتخذه القاضي، بناءً على استئناف المدعي العام بعد اعتراضه على قرار إطلاق سراحي، فقد يعيدونني إلى السجن مرة أخرى... عندما أُطلق سراحي في منتصف إحدى الليالي وسألني الجميع عن شعوري، أخبرتهم بأنني حزين بعض الشيء، إذ تركت ورائي خلف القضبان الحديدية الآلاف من الأبرياء».
وحصل ألطان منذ أيام على جائزة «غيشويستر شول»، في الأدب، غيابياً، وفق ما كشف مدير الجائزة ميشيل ثان، الذي قال: «ليس من السهل إسكات قامة مثل أحمد ألطان». ومن المعروف أن الجائزة تمنحها الرابطة الألمانية لطباعة الكتب والناشرين.
وأفاد تقرير صدر الأسبوع الماضي عن المعهد الدولي للصحافة، بأن 120 صحافياً ما زالوا داخل السجون التركية، وبأن الصحافيين يُسجنون نتيجة لحملة مطولة وذات دوافع سياسية ضد الإعلام، مشيراً إلى أن تركيا هي أكثر دولة سجناً للصحافيين في العالم، بلا منازع، على مدى نحو عشر سنوات. وخلال عامين فرضت السلطات فيهما حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، سُجن أكثر من 80 ألف شخص في انتظار المحاكمة وفُصل أو أُوقف عن العمل أكثر من 175 ألفاً آخرين من القضاة وأساتذة الجامعات وضباط الجيش والموظفين الحكوميين وغيرهم؛ للاشتباه بدعمهم «حركة الخدمة»، فضلاً عن إغلاق أكثر من مائتي منفذ إعلامي وآلاف المدارس والجامعات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟