تباين في عدد قتلى الاحتجاجات الإيرانية... والبرلمان يستجوب وزير الداخلية

وسط غياب إحصائيات رسمية، استمر التباين في إحصائيات ترصد عدد القتلى والمعتقلين في الاحتجاجات الإيرانية التي اندلعت في أنحاء إيران قبل أسبوعين، بعد قرار حكومي مفاجئ بزيادة سعر البنزين. وفي أحدث إحصائية، أعلنت منظمة العفو الدولية أنها تأكدت من وفاة 161 شخصاً في الاحتجاجات، وذلك غداة نقل موقع «كلمة» الإصلاحي عن مصادر موثوقة مقتل 366 شخصاً في الاحتجاجات. وحذر ممثل المرشد الإيراني وخطيب جمعة طهران من «الانقسامات السياسية» في وقت يتجه فيه نواب البرلمان لمساءلة وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي.
ولا يزال الحجم الحقيقي لاحتجاجات ارتفاع أسعار الوقود في إيران غير واضح، إذ لم تتقدم الحكومة الإيرانية حتى الآن بأي إحصائيات رسمية عن القتلى والمعتقلين.
وأفادت منظمة العفو الدولية بناء على تقارير موثوقة بأنها تؤكد مقتل 161 متظاهراً على الأقل على أيدي قوات الأمن منذ انطلاق الاحتجاجات في 15 نوفمبر (تشرين الثاني). وأكدت مرة أخرى أنها ترجح زيادة عدد القتلى. وهذه المرة الثالثة التي تنشر فيها منظمة العفو الدولية إحصائية عدد القتلى في غضون أسبوعين.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، حسين نقوي حسيني إن 7 آلاف اعتقلوا في أيام الاحتجاجات، في حين أن وزير الداخلية الإيراني صرح بمشاركة أكثر من 200 ألف مواطن في الاحتجاجات منذ اندلاعها.
وحذر خطيب جمعة طهران، محمد جواد حاج علي أكبري أمس، الأوساط السياسية، من أن الوقت «ليس مناسباً للاصطفافات السياسية»، مطالباً بالحفاظ على «الوئام الوطني».
وأشار حاج علي أكبري إلى أن المعتقلين يواجهون «تهماً» مثل «المحاربة» و«البغي»، وهي اتهامات تواجه أحكاماً بالإعدام، مشيراً إلى «ضرورة تطهير المجتمع من الأراذل المتوحشة».وقال حاج علي أكبري إن تقنين البنزين «خلاصة الإدارة العالية للنظام». ومع ذلك قال إن طريقة تنفيذ القرار «قابلة للنقد»، وأوصى أصحاب المنابر ومن تؤدي تصريحاتهم إلى موجة في الشارع، بأن تكون تصريحاتهم «سديدة».
ووقع 34 نائباً على مساءلة وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي بسبب الاحتجاجات الأخيرة. ونقلت وسائل إعلام إيرانية أمس، عن النائب أبو الفضل موسوي قوله إن وزير الداخلية «بيت القصيد» في المناقشات الأخيرة في البرلمان الإيراني، مشدداً على عزم النواب مساءلة الوزير الذي أثار دفاعه عن قمع الاحتجاجات جدلاً واسعاً في الأوساط الحليفة لحكومة روحاني. وقال النائب إن «وزير الداخلية الشخص الوحيد الذي يمكن للبرلمان مساءلته حول الأحداث الأخيرة».
وبعد مضي أسبوعين من الاحتجاجات الغاضبة، أشارت وكالة «أسوشييتد برس» إلى «اعتراف واقعي» حتى في صفوف المتشددين بحقيقة واحدة؛ هي أن الاحتجاجات «لن تكون المرة الأخيرة التي يخرج فيها المتظاهر الإيراني إلى الشوارع للاحتجاج على النظام».ورجحت الوكالة أن تضطر الحكومة وأجهزة السلطة الثيوقراطية بشكل عام إلى اتخاذ قرارات اقتصادية أكثر شدة بشأن إمكانية خفض التكاليف العامة، وذلك في الوقت الذي تكافح فيه إيران تحت وطأة ضغوط العقوبات الاقتصادية الأميركية.
وعارض ممثل خامنئي وخطيب جمعة مشهد، أحمد علم الهدى الحكومة الإيرانية أمس، أن تكون الاحتجاجات سببها «تأثير العقوبات الأميركية»، مضيفاً أن «التخريب هدفهم الأول».
ومن شأن التخفيضات على الأرجح أن تستهدف نظام الإعانات الحكومية واسعة النطاق، الذي يجعل الحياة معقولة التكلفة بالنسبة للطبقات الأكثر فقراً من أبناء الشعب، من إمدادات الكهرباء منخفضة التكلفة في منازلهم إلى خبز موائدهم، وأي تحرك حكومي لرفع هذه الأسعار الأساسية سوف يثير مزيداً من الاحتجاجات. ولكن يبدو أن حكومة روحاني ليس لديها خيار آخر.
ويعد الوقود الرخيص - من الناحية العملية - من الحقوق الطبيعية الأصيلة للمواطنين في إيران، التي يوجد على أراضيها رابع أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم رغم عقود متتالية من الأزمات الاقتصادية الطاحنة منذ ثورة 1979. ويفوق نصيب المواطن الإيراني من إجمالي الناتج المحلي، الذي يستعان به في أغلب الأحيان للتقريب النسبي بمستوى معيشة الدولة نفسها، ما يربو قليلاً على 6 آلاف دولار، مقارنة بأكثر من 62 ألف دولار في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات البنك الدولي. وغذى هذا التباين الصارخ، لا سيما في ظل الثروات النفطية الإيرانية الهائلة، حالة السخط الشعبي العارمة لنزول المتظاهرين في كل مكان.غير أن الحكومة الإيرانية، على الأرجح، لم تجد خياراً آخر لمحاولة المضي قدماً في إدخال تغييرات على دعمها للبنزين.
وكانت العقوبات الاقتصادية الأميركية، التي أعاد الرئيس الأميركي فرضها مجدداً، قد عرقلت الجهود الإيرانية الرامية إلى حد كبير لبيع النفط الخام في الخارج، ما أسفر عن انخفاض أحد أكبر مصادر الدخل الحكومي في البلاد. ومع أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قد تعهد بتوجيه الأموال المقتطعة من وقف دعم البنزين إلى الفقراء في البلاد، فإن الحكومة الإيرانية لا تزال في حاجة ماسة إلى خفض الإنفاق من أجل التعامل مع العقوبات الأميركية. وبالفعل، شهد المواطنون الإيرانيون مدخراتهم وهي تتبخر أدراج الرياح بسبب انهيار الريال الإيراني من 32 ألف ريال مقابل الدولار الأميركي إبان الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، وصولاً إلى 126 ألف ريال إيراني في مقابل الدولار الأميركي في العام الحالي. كما شهدت المواد الغذائية الأساسية اليومية ارتفاعاً جنونياً في الأسعار خلال الآونة الأخيرة كذلك.
وفي حين أن المتظاهرين تعرضوا بالهجوم على محطات التموين بالوقود، فإن المصارف كانت من الأهداف المفضلة لهم على الدوام. وهاجم المحتجون الإيرانيون أكثر من 700 مصرفا، وحطموا في خلال ذلك كثيراً من ماكينات الصراف الآلية، وأشعلوا النيران في أكثرها. ولا تعدّ موجة الغضب الشعبي الراهنة في إيران من المفاجآت بحال. ففي السنوات الأخيرة، رزحت المصارف الإيرانية المحلية تحت ضغوط الديون المعدومة الهائلة أو هي شابتها مختلف اتهامات الفساد واسعة النطاق التي أسفرت عن انهيارها، الأمر الذي أشعل الاحتجاجات المتقطعة من جانب المودعين وأصحاب الأموال الذين فقدوا أموالهم تماماً. وكانت لبعض هذه المصارف علاقات كبيرة ووثيقة مع شخصيات قوية ونافذة في المجتمع الإيراني، ما أكد مزاعم التواطؤ والمحسوبية.
وكان المرشد علي خامنئي قد وصف أولئك الذين هاجموا المصارف المحلية بـ«الأشرار»، وذلك في أول تصريحاته المنشورة بشأن الاحتجاجات.
ومع ذلك، كانت ممارسة مهاجمة المصارف شائعة على قدم وساق في عام 1978 خلال الشهور التي سبقت تنازل الشاه الإيراني الأسبق محمد رضا بهلوي عن العرش ثم اندلاع الثورة في العام التالي. واتخذت الاحتجاجات الجارية منحنى العنف المتصاعد في غضون يوم واحد، ما يشير إلى المخاطر الكبيرة التي باتت تلوح في أفق الأحداث بالنسبة إلى الحكومة الإيرانية التي أصبح يتعين عليها التعامل مع مزيد ثم مزيد من الخيارات الشاقة العسيرة، لا سيما مع انعدام الآمال القريبة في رفع العقوبات الاقتصادية الدولية في الوقت الذي شرع فيه النظام الإيراني إلى تجاوز القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزية، وعمليات التخصيب، والمخزون النووي فيما يتصل بالاتفاق النووي الإيراني.
وحذر نائب قائد «الحرس الثوري» علي فدوي في تصريح الأسبوع الماضي: «أعمال الشغب الجارية ليست الأخيرة ولسوف تتكرر مرات أخرى في المستقبل بكل تأكيد».