رومانيا، التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي حتى ديسمبر (كانون الأول) 1989، كانت آخر بلد في التكتل الشرقي التي أطاحت بالنظام الشيوعي. بدأت انتفاضتها في تيميشوارا في 16 ديسمبر 1989 قبل أن تنتقل إلى العاصمة بوخارست في 21 ديسمبر. وفر نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته في اليوم التالي، لكن تم اعتقالهما وإعدامهما في 25 ديسمبر بعد محاكمة ميدانية.
وبعد ثلاثين عاماً تنتظر إيلينا بانسيلا (75 عاماً) ردود القضاء. وهي واحدة من خمسة آلاف طرف في الادعاء المدني للمحاكمة التاريخية التي افتتحت المرحلة الأولى منها أمس (الجمعة) في بوخارست أمام محكمة التمييز والعدل العليا. ويعيش الناجون وعائلات الضحايا منذ ثلاثين عاماً على وقع تطورات تحقيق طويل، أعيد إطلاقه مجدداً في 2016.
وفي الصف الأول للمتهمين، الرئيس الروماني السابق إيون إيلييسكو الذي سيحاكم بتهمة ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية». وتعتبره عائلات الضحايا مدبر أعمال العنف التي أودت بحياة مئات الرومانيين بعد سقوط تشاوشيسكو في 22 ديسمبر 1989.
في 22 ديسمبر 1989، شرب بوغدان شتان القهوة وذهب للتظاهر ضد النظام الشيوعي الروماني. كانت تلك المرة الأخيرة التي رأته فيها والدته إيلينا بانسيلا قبل أن يقتل.
في ذلك اليوم، قتل بوغدان شتان (21 عاماً) بالرصاص عندما كان «يدافع» عن مقر التلفزيون الحكومي الذي «هاجمه إرهابيون»، حسب رواية السلطات حينذاك. في المجموع، قتل 72 شخصاً في اليوم نفسه. وحتى 22 ديسمبر وبأمر من تشاوشيسكو أطلق الجيش والشرطة النار على الحشد. لكن معظم الضحايا الذين بلغ عددهم 900، قتلوا بعد سقوطه.
تولى إيون إيلييسكو، وزير الشباب في عهد تشاوشيسكو، قيادة البلاد على رأس «جبهة الإنقاذ الوطني». وقالت النيابة، إنه خاض «عملية إشغال وتضليل واسعة» من أجل «الحصول على شرعية في نظر الشعب». يرفض هذا السياسي الشيوعي القديم الذي كان أول رئيس منتخب لرومانيا الديمقراطية (1990 - 1996 ثم 2000 - 2004) ويبلغ من العمر اليوم 89 عاماً، هذه الاتهامات، ولن يحضر جلسة الجمعة. وفي هذه المحاكمة التي ستستغرق أشهراً سيحاكم لمقتل 862 شخصاً سقطوا «برصاص عشوائي واقتتال بين أخوة» أسفرا أيضاً عن سقوط 2150 جريحاً بين 22 و31 ديسمبر. ويلاحق إلى جانب إيلييسكو، نائب رئيس الوزراء الأسبق دجيلو فويكان فوكوليسو وقائد سلاح الطيران السابق يوسف روس بتهم «جرائم ضد الإنسانية».
وقالت بانسيلا وهي تعرض ملابس ابنها التي غطتها دماؤه في تلك الليلة، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الهدف كان «زرع الرعب وإبقاء الرومانيين في بيوتهم ليتمكن إيلييسكو من تولي قيادة البلاد».
وقال ماريوس ميوك الذي كان من متمردي 1989 الناشطين منذ الساعات الأولى للعصيان، إن «وجود أشخاص من مصلحتهم إخفاء الحقيقة في مناصب عليا أخرج التحقيق عن مساره الصحيح وأخر المحاكمة».
يقول المؤرخ مادالين هودور، إن الشرطة السياسية الشيوعية السرية (سيكوريتاتي) والجيش المسؤولين عن القمع قبل 22 ديسمبر، لعبا دوراً في الأيام التالية؛ لأنهما كانا الجهازين الوحيدين القادرين على تنظيم سيناريو يتضمن «إرهابيين عرباً ومروحيات هجومية معادية».
وتروي نيكوليتا دجوركانو، أنها أمضت سنوات «في إعادة تركيب الأحجية» التي مثلتها تجربتها المروعة في 1989. ففي 21 ديسمبر وعندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، ذهبت مع والدها وشقيقها الأصغر إلى وسط بوخارست لينضموا إلى المتظاهرين. ولم يصب أي منهم بالرصاص الذي أدى إلى جرح خمسين شخصاً في تلك الليلة، لكنهم اعتقلوا واقتيدوا إلى مقر القوات الخاصة الشيوعية ثم إلى السجن. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية «تعرضنا للضرب والإهانة». وبعدما فصلا عن والدهما، أفرج عنها وعن شقيقها مساء الثالث والعشرين من ديسمبر. لم يحاكم أحد على هذه الانتهاكات. وصرحت نيكوليتا «أريد أن أرى إيلييسكو في السجن ولو ليوم واحد». أما بانسيلا، فتقول، إن «القضاء الروماني سيتمكن أخيراً من غسل عار السنوات الثلاثين الأخيرة التي ادعى خلالها أنه حر».
بعد 30 عاماً... افتتاح محاكمة تاريخية لمرتكبي جرائم الثورة الرومانية
بعد 30 عاماً... افتتاح محاكمة تاريخية لمرتكبي جرائم الثورة الرومانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة