«جدل النمو» يعود لبؤرة الأضواء في روسيا

بعد أيام على دعوة بوتين لتعزيز الاستدامة الاقتصادية

«جدل النمو» يعود لبؤرة الأضواء في روسيا
TT

«جدل النمو» يعود لبؤرة الأضواء في روسيا

«جدل النمو» يعود لبؤرة الأضواء في روسيا

يستمر الجدل حول معدل النمو الاقتصادي بين مؤسسات الدولة الروسية، وسط تمسك وزارة المالية بتوقعاتها للعام الحالي، وتشكيك غرفة الحساب بإمكانية تحقيق تلك التوقعات، وذلك بعد أيام قليلة على اجتماع اقتصادي في الكرملين، دعا فيه الرئيس الروسي إلى تعزيز الدينامية الإيجابية في الاقتصاد الروسي. هذا بينما تستعد الحكومة الروسية لإقرار آليات وشروط إنفاق «فائض» مدخرات «صندوق الرفاه الوطني»، واستثماره في تمويل مشروعات، وتعول على هذه الخطوة في تسريع وتيرة النمو.

وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف إن معدل النمو عام 2019 قد يكون أعلى من التوقعات، وفي مداخلة له أمام المجلس الفيدرالي خلال جلسة لإقرار ميزانية 2020 - 2022، قال سيلوانوف: «نحن على قناعة بأن دينامية النمو الاقتصادي هذا العام لن تكون أدنى من التوقعات، وربما تزيد عليها»، في إشارة منه إلى توقعات الحكومة الروسية بمعدل نمو حتى 1.3 في المائة خلال العام الحالي. وبعد إشارته إلى دينامية نمو إيجابية لمستها الحكومة، بما في ذلك النمو خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بمعدل 2.2 في المائة على أساس سنوي، ربط سيلوانوف وتيرة النمو خلال المرحلة المقبلة بتنفيذ المشروعات القومية، وبدء العمل بجملة تدابير تم اعتمادها لتحفيز النمو الاقتصادي. إلا إن أليكسي كودرين، رئيس غرفة الحساب الروسية، الذي شارك أيضاً في جلسة المجلس الفيدرالي، شكك في إمكانية تحقيق توقعات الميزانية التي اعتمدتها الحكومة للنمو خلال السنوات المقبلة، وقال في كلمته أمام أعضاء المجلس: «لدينا (في غرفة الحساب) علامات استفهام على التوقعات. يُخَطط لنمو اقتصادي بمعدل 1.7 في المائة العام المقبل، لكن منذ عام 2021 هناك توقعات بتسارع النمو حتى 3.1 في المائة»، وعبر عن قناعته بأنه «مع الصعب جداً ضمان تحقيق مثل هذه القفزة». وشكك كذلك في التوقعات للعام الحالي، وذلك رغم الدينامية الإيجابية في الربع الثالث منه، وقال إن «الحكومة وضعت في توقعاتها (لنمو الناتج المحلي الإجمالي عام 2019) معدل 1.3 في المائة. لكننا نرى أن هذا الهدف صعب المنال»، وإذ أشار إلى تفاؤل نتيجة معدل النمو في الربع الثالث، فإنه أعاد إلى الأذهان أن معدل النمو في الربع الأول من العام لم يتجاوز 0.7 في المائة.
هذا الجدل حول «التفاؤل» في التوقعات الرسمية، والذي لم يتوقف عملياً طيلة الأشهر الماضية، جاء بعد أيام من اجتماع اقتصادي ترأسه الرئيس فلاديمير بوتين نهاية الأسبوع الماضي، وكان من المشاركين فيه مديرة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا، ووزيرا المالية والاقتصاد أنطون سيلوانوف ومكسيم أوريشكين، وآندريه بيلا أوسوف معاون الرئيس للشؤون الاقتصادية. وطالب بوتين الفريق الاقتصادي بتعزيز الجهود خلال السنوات الثلاث المقبلة، لضمان نمو اقتصادي أكثر استدامة ودينامية. ولإنجاز هذه المهمة تعول الحكومة الروسية على تدفق الأموال والاستثمارات، مع البدء بتنفيذ المشروعات القومية، التي تشكل مجتمعة خطة اقتصادية وضعها الرئيس بوتين، بهدف تحقيق تنمية شاملة، تضمن نمو الاقتصاد الروسي حتى عام 2024، وتحسين دخل المواطنين وظروف معيشتهم.
فضلاً عن ذلك، تعلق الحكومة الآمال على تسريع وتيرة النمو الاقتصادي بفضل ضخ «فائض» صندوق الرفاه في تمويل تلك المشروعات، والاستثمار فيها وفي مشروعات أخرى. وكانت الحكومة قررت في وقت سابق إمكانية الإنفاق من الصندوق بعد أن تزيد مدخراته على 7 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، إلا إن خلافات ظهرت حول آلية الإنفاق والمشروعات التي ستحصل على تمويل من فائض صندوق الرفاه. وقالت صحيفة «فيدوموستي» نقلاً عن مسؤولين فيدراليين، إن الخلافات حول كيفية إنفاق «فائض» تلك المدخرات تم حلها تقريباً، وهناك اتفاق على ألا يزيد التمويل من تلك المدخرات على 20 في المائة من قيمة المشروع، شرط أن يوفر المستثمر (في المشروع) 20 في المائة من التمويل، فضلاً عن شروط أخرى. وفي وقت سابق أكد وزير المالية سيلوانوف أن الحكومة حددت حجم الأموال التي ستستثمرها خلال السنوات الثلاث المقبلة، بقدر تريليون روبل (نحو 15.5 مليار دولار).



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.