جنوب العراق ينزف ويوم دامٍ وحداد في الناصرية... وإقالة القائد العسكري في ذي قار

توتر في النجف بعد ليلة حرق القنصلية الإيرانية... والمرجعية الدينية ترفض تدخل «الحشد» لحمايتها

محتجون امام قاعدة عسكرية في الناصرية أمس (إ.ب.أ)
محتجون امام قاعدة عسكرية في الناصرية أمس (إ.ب.أ)
TT

جنوب العراق ينزف ويوم دامٍ وحداد في الناصرية... وإقالة القائد العسكري في ذي قار

محتجون امام قاعدة عسكرية في الناصرية أمس (إ.ب.أ)
محتجون امام قاعدة عسكرية في الناصرية أمس (إ.ب.أ)

بينما ساد التوتر، أمس، محافظة النجف، بعد ليلة عاصفة، انتهت بقيام المحتجين بحرق القنصلية الإيرانية، عاشت مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار الجنوبية، يوماً دامياً، نتيجة الصدامات العنيفة التي وقعت بين قوات الأمن والمتظاهرين، وأدّت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، انتهت بإقالة القائد العسكري للمحافظة، وإعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام.
وبدأ إطلاق النار منذ الصباح الباكر، في الناصرية، وأدى إلى مقتل 32 شخصاً، وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح بحسب مصادر طبية، عند محاولة القوات الأمنية تفريق المتظاهرين الذين شيعوا جثامين الضحايا متحدين حظر التجوال الذي فرضته السلطات.
يأتي ذلك غداة قيام متظاهرين بإضرام النار في القنصلية الإيرانية في مدينة النجف. وقتل متظاهران بنيران القوات الأمنية خلال اشتباكات وقعت في النهار، كما قتل اثنان قرب القنصلية الإيرانية، أول من أمس، الأربعاء. وعلى أثر الأحداث الدامية، قرر رئيس الوزراء إقالة القائد العسكري الفريق جميل الشمري بعد ساعات من تعيينه مسؤولاً عسكرياً على هذه المدينة التي تشهد منذ أيام احتجاجات متواصلة.
وسقط أربعة آخرون قتلى في العاصمة بغداد، حيث أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية والطلقات المطاطية قرب جسر على نهر دجلة. واتهمت «منظمة العفو الدولية» القوات العراقية باستخدام العنف المفرط على مدى شهرين، ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف «سفك الدماء».
ويعتبر حادث إحراق القنصلية الإيرانية الثاني من نوعه في أقل من شهر، بعد أن قام متظاهرون في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بعملية حرق مماثلة لقنصلية إيران في محافظة كربلاء المجاورة، وسبق أن أحرق متظاهرو البصرة، قنصلية إيران في البصرة، نهاية عام 2018. وفيما ترفض بعض الجهات عمليات حرق القنصليات، ويعتبروها مضرة لسمعة العراق وتخرج المظاهرات عن سلميتها، تدافع اتجاهات مؤيدة عن ذلك، وتعتبرها نوع من «رد اعتبار» عراقي لما يرون أنها «هيمنة إيرانية غير مقبولة وانتهاك وتحكم إيراني مطلق بالقرار العراقي».
ورغم قرب المسافة الفاصلة بين منزل المرجع الديني علي السيستاني ومبنى القنصلية، فإن المتظاهرين وجماعات الحراك عموماً يؤكدون حرصهم على «حماية المرجعية، وعدم الاقتراب من مقامها». وقد أعرب كثيرون عن استهجانهم لدعوات صدرت من بعض قادة فصائل «الحشد الشعبي» وطالبت بالتوجه إلى النجف، بذريعة حماية منزل المرجع الديني، معتبرين أن تلك الجهات تسعى للاستفادة من قضية الحرق للتقرب من المرجع الأعلى.
وفيما يبدو رداً على دعوات بعض قيادات الحشد للتوجه إلى النجف لحماية المرجعية الدينية، رأى زعيم ائتلاف «الوطنية»، إياد علاوي، أمس، أن «النجف آمنة مطمئنة، ومظاهرات أبنائها ستبقى الأكثر انضباطاً والتزاماً بالسلمية رغم محاولات تخريبها أو حرفها عن مسارها السلمي».
وأضاف، في تغريدة عبر «تويتر»، أن «أبناء النجف الكرام والمتظاهرين السلميين أدرى بقيمة ومكانة المرجعية الدينية والأقدر على حمايتها والأحرص على سلامتها». واختتم منشوره بـ«هاشتاغ»، قائلاً: «دُعاة السلمية سيهزمون رعاة المحاصصة».
وأبلغ الصحافي راجي نصير «الشرق الأوسط» أن «الهدوء عاد صباحاً إلى النجف، وافتتحت معظم الطرق التي أغلقها المتظاهرون، قبل يوم». ورأى أن «كثيراً من التهويل رافق عملية حرق القنصلية الإيرانية، فالحياة طبيعية في المدينة القديمة، ولا خطر على منازل مراجع الدين، كما أن القوات الأمنية كثفت انتشارها في الطرق والتقاطعات، وثمة أعداد كبيرة من المتظاهرين والمعتصمين بالقرب من ساحة ثورة العشرين».
وأكد وكيل المرجعية الدينية رشيد الحسيني، أمس، أن المرجع الأعلى علي السيستاني لا يحتاج إلى حماية بقدر ما يحتاج لتنفيذ مطالب الشعب، داعياً إلى عدم التنصل من تنفيذ هذه المطالب. ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عن الحسيني، قوله: «يتم تداول منشورات هنا وهناك بأن قوة متوجهة للنجف لحماية مكاتب المرجعية، وأيضاً صدر من بعض السياسيين أو القادة العسكريين هكذا تصريحات، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على جهل كبير بوضع مدينة النجف الأشرف الحالي».
وكان الأمين العام لـ«عصائب الحق»، قيس الخزعلي، غرد على خلفية حرق القنصلية الإيرانية قائلاً: «واهم من يعتقد أنه يمكن أن يمس شيئاً من السيد السيستاني». وترددت أنباء، أمس، عن توجه الخزعلي إلى محافظة النجف بشكل مفاجئ.
وتحولت القنصلية الإيرانية في النجف، إلى أنقاض متفحمة. واتهم المحتجون، وأغلبهم من الشيعة، السلطات العراقية بالعمل ضد شعبهم للدفاع عن إيران. وقال محتج شهد إشعال النار في القنصلية إن قوات الأمن فتحت النار، في محاولة لمنع المتظاهرين من إحراقها. وأضاف لـ«رويترز»: «كل شرطة الشغب في النجف وقوات الأمن بدأت بإطلاق النار علينا وكأننا نحرق العراق كله».
وقال محتجّ يُدعى علي في النجف: «إحراق القنصلية كان عملاً شجاعاً ورد فعل من الشعب العراقي... لا نريد الإيرانيين». وأضاف: «سيكون هناك رد انتقامي من إيران أنا واثق من ذلك، ما زالوا هنا، وستواصل قوات الأمن إطلاق النار علينا».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي أمس إن الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية قنصلية إيران. ونقل التلفزيون الرسمي عن موسوي قوله: «الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية المراكز والبعثات الدبلوماسية لديها... طهران تستنكر بقوة هذا الاعتداء وتطالب باتخاذ إجراءات مسؤولة وحازمة ومؤثرة من قبل الحكومة العراقية في مواجهة العناصر المخربة والمعتدية».
وقالت «وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية» للأنباء إن موظفي القنصلية، الذين تم إجلاؤهم من المبنى قبل قليل من اقتحامه، «سالمون وبخير».
من جهتها، أدانت وزارة الخارجيّة ما تعرضت له القنصلية الإيرانية في النجف، معتبرة أن «الاعتداء وقع من قبل أشخاص غرباء عن واقع المظاهرات الحقة التي تشهدها عدد من مُدُننا العراقيّة، ونرى أنَّ الغرض منها بات واضحاً، وهو إلحاق الضرر بالعلاقات التاريخيّة بين العراق وإيران».
وحذرت الوزارة من «دخول أشخاص يبتغون حرف المظاهرات ذات المطالب الحقة عن جادّة الانضباط القانوني، ومسارها الصحيح». ودعت المتظاهِرين إلى «أخذ الحيطة والحذر من هؤلاء المشبوهين الذين يرومون تشويه سمعة المظاهرات المُطالِبة بالإصلاح».
وأجرى وزير الخارجيّة العراقي محمد علي الحكيم اتصالاً هاتفيّاً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وبحث معه التطوّرات الأخيرة في الوضع العراقيّ، وما تعرَّضت له قنصليّة إيران من اعتداء من قبل أشخاص مجهولين دخلوا بين صفوف المتظاهِرين السلميين. وأعرب الوزير الحكيم بحسب بيان للخارجية أمس الخميس عن «أسفه لما حدث، عادّاً أنَّ هذا العمل الإجرامي لن يمرَّ من دون مُحاسَبة الأشخاص الذين قاموا به، وأنَّ السلطات الأمنيّة تُجري تحقيقاتها؛ لغرض التوصُّل إلى الفاعلين».
من جانبه قال زعيم ائتلاف النصر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إن «الإصلاح ليس بالاعتداء على الممتلكات والمدارس والبعثات». وأضاف في تغريدة على حسابه في «تويتر»: «سلاح التغيير هو السلمية ومن يريد استخدام العنف فهو ضد ثورة الشعب السلمية، وأداة الإصلاح ليس الاعتداء على الممتلكات ولا المدارس ولا البعثات».
وأضاف العبادي: «إنها صفحة سوداء في سجل من يقمع الشباب... ثورتكم بيضاء.. وبوعيكم وثباتكم وسلميتكم نقضي على ظلمات المحاصصة والفساد والتبعية».

واعتبر محافظ النجف السابق والقيادي في تحالف «النصر»، عدنان الزرفي، أمس، أن «حرق القنصلية الإيرانية في محافظة النجف مؤامرة ضد الاحتجاجات السلمية، وضد المتظاهرين الثوار، الهدف منها خلط الأوراق، والتأثير على قوة قرار النجف».
وفي الناصرية مركز محافظة ذي قار التي تعد أكثر المدن الجنوبية إضراباً لجهة المواجهات العنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين، ويؤكد ناشطون مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً وجرح 160 آخرين. وتأتي التطورات الخطيرة بعد يوم واحد من تعيين رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الفريق جميل الشمري على رأس قيادة الخلية الأمنية في المحافظة. الأمر الذي دفع محافظة ذي قار عادل الدخيلي، أمس، إلى مطالبة رئيس الوزراء بإبعاد الشمري لـ«إخلاله بأمن المحافظة».
وذكر المكتب الإعلامي للدخيلي في بيان أن المحافظ طالب بـ«تشكيل لجنة تحقيقية ومعاقبة كل من تسبب بسقوط دماء أبناء المحافظة». وفي تطور لاحق من يوم أمس، استجاب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لطالب محافظ ذي قار، وأمر بسحب يد الفريق جميل الشمري من إدارة خلية الأزمة.
ولم يحل إعلان حظر التجوال الذي أعلنته السلطات في المدينة دون خروج المتظاهرين وقيامهم بقطع الطرق والجسور، وتفيد الأنباء الواردة من الناصرية إلى دخول العشائر على خط الأزمة الشديدة، وتضامنهم مع المحتجين، كما تردد أنباء عن وقوع حالات تمرد ورفض للأوامر من قبل عناصر في وحدات الجيش وقوات الشرطة. كما أشارت بعض الأنباء إلى حرق مقر فوج المهمات الخاصة في المدينة إلى جانب انهيار أفواج أخرى، وسيطرة المتظاهرين على مقارهم.



الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.


«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

أعاد الاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين الذي أُبرم في العاصمة العُمانية مسقط، برعاية أممية، ملف الأسرى والمختطفين إلى صدارة المشهد، مثيراً موجة من التفاؤل الحذر بين اليمنيين، في ظل آمال واسعة بأن يضع حداً لمعاناة آلاف الأسر التي تنتظر منذ سنوات عودة ذويها من السجون ومراكز الاحتجاز.

ويشمل الاتفاق الإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف لدى طرفي الصراع، في خطوة وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، وتتقدمها قضية السياسي البارز محمد قحطان، المشمول بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، ما منح الاتفاق بُعداً سياسياً وإنسانياً في آن واحد، ورفع سقف التوقعات بشأن إمكانية تحويله إلى مدخل لإجراءات بناء ثقة أوسع.

وفي هذا السياق، استقبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الخميس، رشاد العليمي، الوفد الحكومي المفاوض المعني بملف المحتجزين، برئاسة عضو مجلس الشورى هادي هيج، حيث استمع إلى إحاطة حول نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات مع الجماعة الحوثية، والمسار الذي قاد إلى توقيع الاتفاق في مسقط.

العليمي يستقبل في الرياض الوفد الحكومي المفاوض بخصوص الأسرى والمحتجزين (سبأ)

وأشاد العليمي بنتائج المفاوضات، عادّاً أن الاتفاق يمثل خطوة إنسانية مهمة، من شأنها التخفيف من معاناة آلاف الأسر اليمنية التي عاشت لسنوات على وقع الغياب والانتظار.

وأكد أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يضعان ملف المحتجزين وحماية المدنيين ولمّ شمل الأسر ضمن أولويات ثابتة، بوصفها مسؤولية أخلاقية ووطنية لا تقبل المساومة.

كما ثمّن الجهود التي بذلها الفريق الحكومي المفاوض، والدور الذي لعبته السعودية وعمان، إلى جانب الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكداً أن هذه المساعي أسهمت في كسر جمود أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية.

وشدّد رئيس مجلس القيادة اليمني على أن الحكومة لن تدخر جهداً في سبيل الإفراج عن جميع المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً في سجون الحوثيين، داعياً إلى الالتزام بقاعدة «الكل مقابل الكل» دون انتقائية أو شروط، ومطالباً المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط لضمان تنفيذ الاتفاق، وإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بالقوة.

بين الأمل والشك

أثار الإعلان عن الاتفاق حالة من التفاؤل الحذر في أوساط سكان العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى، الذين أنهكتهم سنوات الحرب والانقلاب، وما خلّفته من أزمات إنسانية متفاقمة، يتصدرها ملف المحتجزين.

ويرى سكان تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن الاتفاق، في حال تنفيذه الكامل دون عراقيل أو تمييز، قد يخفف من معاناة آلاف الأسر، مؤكدين أن ملف الأسرى يُعد من أكثر الملفات إيلاماً في الصراع، حيث لا تكاد تخلو أسرة من قصة احتجاز أو اختفاء قسري.

أسرى يمنيون أفرج عنهم سابقاً على متن طائرة دولية في مطار مأرب (رويترز)

ويقول سامي (اسم مستعار)، وهو عامل بالأجر اليومي من حي مذبح بصنعاء، إن الاتفاق يُنظر إليه بعيداً عن الحسابات السياسية، بوصفه «فرصة حقيقية لعودة آباء وإخوة وأبناء غابوا عن أسرهم لسنوات». لكنه في الوقت ذاته يُبدي تشككه في مدى التزام الجماعة الحوثية، في ظل تجارب سابقة لم تُنفذ كما أُعلن عنها.

من جانبه، يؤكد «أبو عبد الله»، وهو مدرس حكومي في ريف صنعاء، أن أي خطوة تعيد إنساناً إلى عائلته «تستحق الترحيب والدعم»، معبّراً عن أمله في أن يكون الاتفاق بداية لمعالجة بقية الملفات الإنسانية العالقة، وفي مقدمتها رواتب الموظفين وفتح الطرقات.

أسر تنتظر

تعكس شهادات ذوي المحتجزين في صنعاء مشاعر مختلطة بين الأمل والخوف من تكرار خيبات سابقة. تقول أم خالد، والدة أحد المحتجزين منذ تسعة أعوام، إن الأسر «سمعت كثيراً عن اتفاقات لم ترَ النور»، مطالبة بضمانات أممية حقيقية تضمن تنفيذ ما تم التوافق عليه.

أما سامية، زوجة أحد المحتجزين، فتشير إلى أن المعاناة لا تقتصر على غياب المعيل، بل تمتد إلى ضغوط نفسية واقتصادية قاسية، مؤكدة أن الأطفال «كبروا وهم محرومون من آبائهم»، وأن الأسر لم تعد تحتمل مزيداً من الوعود.

اجتماع يمني سابق في عمان بشأن الأسرى والمعتقلين (الأمم المتحدة)

ويرى مراقبون أن اتفاق مسقط جاء في ظل ضغوط دولية كبيرة لدفع الأطراف اليمنية نحو خطوات بناء ثقة، في وقت لا يزال فيه المسار السياسي الشامل متعثراً.

ويجمع المراقبون الحقوقيون على أن نجاح الاتفاق قد يخفف من حدة التوتر، ويفتح نافذة أمل في جدار الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من أحد عشر عاماً، شرط أن يُترجم الاتفاق إلى أفعال لا بيانات.