بريطانيا تخسر معركتها في مواجهة التشدد رغم كل ما تبذله

لندن تتبنى برنامجا لتشجيع صورة معتدلة من الإسلام ومنع التشدد.. وتتخلى عن مساعيها لإنهاء وجود المتطرفين على أراضيها

بريطانيا تخسر معركتها في مواجهة التشدد رغم كل ما تبذله
TT

بريطانيا تخسر معركتها في مواجهة التشدد رغم كل ما تبذله

بريطانيا تخسر معركتها في مواجهة التشدد رغم كل ما تبذله

تنتاب ميزان الرحمن نوبة من الضحك عندما يستعيد ذكرياته عن برنامج مكافحة التشدد الديني الذي اضطر لحضور دوراته عام 2008 بعد الإفراج عنه من سجن بريطاني قضى فيه حكما بالسجن عامين بتهمة التحريض على العنف ضد القوات البريطانية والأميركية.
وقال ميزان الرحمن: «كنت أذهب وأوقع باسمي وألعب البلياردو مع بعض المتشددين الذين كنت معهم في السجن ثم أعود إلى البيت».
واعتقل ميزان الرحمن مرة أخرى الشهر الماضي للاشتباه في ارتكابه مخالفات تنضوي تحت قوانين مكافحة الإرهاب. وهو ينفي ارتكاب أي مخالفات ولم توجه له أي تهمة.
ويستنكر ميزان الرحمن (31 عاما) الدورة التي شارك في جلساتها كل أسبوعين على مدى 6 أشهر ويصفها بأنها مجرد أداة لا نفع فيها. ويشاركه الرأي كثيرون من الساسة البريطانيين.
وعلى مدى أكثر من 10 سنوات، حاولت بريطانيا الحيلولة دون انجذاب الشباب المسلمين. وتسلط مقابلات مع عدة أشخاص على دراية مباشرة بهذه المساعي البريطانية، الضوء على بعض الأخطاء؛ ومنها سوء تخصيص الأموال، وضعف سبل التواصل، وصعوبات في تحديد الأشخاص الذين يرجح أن يلجأوا أكثر من غيرهم للعنف.
ولأن بريطانيا كانت في صدارة الدول الغربية من حيث الجهود المبذولة للحيلولة دون اتجاه مواطنيها للتشدد الديني، فقد يكون لديها بعض الدروس المستفادة للآخرين.
فبعد صدمة هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 نهجت بريطانيا نهجا ذا محورين لمعالجة التشدد الديني؛ الأول هو التشدد مع «دعاة الكراهية» الذين يغذون مشاعر التطرف. والثاني هو مساعدة زعماء الطائفة المسلمة على التصدي للتطرف بين مسلمي بريطانيا البالغ عددهم 2.7 مليون نسمة. غير أنه في عام 2010 أعلنت الحكومة المحافظة الجديدة فشل الجزء الثاني من البرنامج المعروف باسم «امنع».
وقالت الحكومة إن أموالا كانت تخصص لجماعات كانت في بعض الأحيان متعاطفة مع الرسائل المتطرفة التي كان من المفترض أن تتصدى لها، بينما لم تكن هناك أي فعالية لبعض الجماعات الأخرى، ولم ينجز قسم آخر من الجماعات ما يوازي ما أنفق عليه من مال.
من ناحية أخرى رأى كثير من المسلمين أن البرنامج مجرد محاولة للتجسس بقيادة الشرطة.
وتحول الاهتمام إلى تشديد قبضة السلطات من خلال التهديد بسحب جوازات سفر الجهاديين البريطانيين ومنع الوعاظ المتشددين من إلقاء الخطب في اجتماعات عامة أو من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وقال جيمس براندون الرئيس السابق لقسم الأبحاث في «مؤسسة كويليام لمناهضة التطرف» إنه بتبني بريطانيا «أبرز برنامج محلي تعتمده دولة غربية لتشجيع صورة معتدلة من الإسلام ومنع التشدد، فإنها تخلت فعليا عن محاولة الحيلولة دون وجود الأصوليين».
ويتمثل جزء من الصعوبات في تحديد الأشخاص الذين قد يتجهون لشن هجمات في بريطانيا أو للقتال في العراق وسوريا.
وتضع دراسة أعدها الباحثون بجامعة كوين ماري قائمة بالمجموعات الاجتماعية الأكثر عرضة للتطرف، وتشمل من يعانون من الاكتئاب، والانعزاليين؛ بل ومن عاشت أسرهم في بريطانيا لعدة أجيال وتحيا ميسورة الحال. وتتفق نتائج هذه الدراسة مع دراسات أخرى.
ولا يبدو أن العقيدة الدينية تمثل عاملا رئيسا؛ فكثير ممن يسعون للقتال في سوريا والعراق لهم معرفة ضعيفة بالإسلام، وما يحركهم هي صور شاهدوها على الإنترنت أو تغريهم فكرة المغامرة. وقال جهان محمود من مدينة برمنغهام في وسط البلاد: «فكرة أن العقيدة تحفز الشبان غير صحيحة في واقع الأمر». ولديه من الأسباب ما يؤكد أنه على دراية بالأمر لأن المنطقة التي ينتمي إليها بها واحد من أعلى معدلات الإدانة بجرائم الإرهاب في بريطانيا. والتوصل إلى وسيلة للوصول لهؤلاء المعرضين للخطر أمر صعب. فبعض الجماعات المعتدلة ليس لها أي بريق يجذب الشباب، ولدى جماعات أخرى أجهزة دعاية ممتازة لكن ليست لها مصداقية.
وقال سليمان صامويل، الموجه لدى برنامج «قناة» الحكومي المستمر لمكافحة التشدد، إن السلطات عليها أن تصل للمسلمين المعرضين للتشدد قبل أن يستسلموا لرسالة المتشددين. ويعمل صامويل مع الشباب منذ أكثر من 20 عاما.
ويهدف برنامج «قناة»، وهو الجزء الباقي من برنامج «امنع»، إلى تحديد المعرضين للتشدد، ثم يعمل بالتعاون مع الشرطة والمجالس وخدمات الصحة والتعليم والسجون لتوجيههم بما يبعدهم عن التطرف. وفي عام 2012 جرى توسيع نطاق البرنامج ليشمل البلاد كلها. وحتى نهاية مارس (آذار) الماضي بلغ عدد من جرى إشراكهم في البرنامج 3934 شخصا. ويتولى صامويل توجيه 5 شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما في جلسات أسبوعية تستمر كل منها لساعتين. وقد وقع عليهم الاختيار للمشاركة في البرنامج بسبب ما فعلوه في المدرسة أو أنشطتهم على الإنترنت أو لأن أشخاصا آخرين لاحظوا تغييرا على سلوكهم. وقال صامويل: برنامج (قناة) يتمثل في وقف تدفق الأكسجين وأن نسبق المنحنى. وهو يحقق نجاحا من واقع خبرتي المباشرة مع الشباب الذين أتعامل معهم». وساق مثالا على ذلك بشاب آلمته معاناة النساء المسلمات والأطفال المسلمين وأراد أن يسافر إلى سوريا، وربما انتهت به الحال إلى القتال في صفوف جماعة متشددة مثل تنظيم داعش الذي نفذ عمليات إعدام بقطع الرأس والصلب والقتل الجماعي في شمال سوريا والعراق. وأضاف: «دون تدخل برنامج (قناة).. ما خياراته بما لديه من أفكار ومشاعر جياشة».
وقال صامويل إنه أقنعه بأن مساندة الجماعات المتشددة في سوريا لن تفعل شيئا سوى زيادة المعاناة وبأن يركز جهوده في توجيه الأموال إلى الجمعيات الخيرية الرسمية. وأضاف: «الحجج التي يسوقها من يسعون للسيطرة على عقول الشباب تكون في العادة موجهة عن عمد لمن لا يملكون فهما متعمقا للإسلام». وتابع أن دور الموجه هو بيان عدم صحة هذه الحجج، وأن يوضح للشاب أو الشابة أن هذا فعلا هو ما يقوله الإسلام، أو أن هذا هو السياق الصحيح لتلك الآية. ويشير منتقدو البرنامج إلى أنه مشروع تطوعي وأن الأرقام تشير إلى أن نحو 20 في المائة فقط ممن يحالون إلى البرنامج جرى تقييمهم بأنهم أشخاص عرضة للانجذاب للإرهاب.
كذلك، فإن رصد المعرضين للاتجاه للتشدد ليس عملية واضحة، كما أن أسر بعض البريطانيين الذين حاربوا في سوريا تحدثوا عن إصابتهم بالصدمة لدى علمهم بأن أبناءهم وبناتهم سافروا إلى الأراضي السورية.

حرب دعاية

والإنترنت ساحة القتال الحاسمة في المعركة ضد التشدد، وهي معركة تخسرها السلطات. وتوجد في بريطانيا وحدة مخصصة للتعامل مع المواد المتطرفة على الإنترنت. وقالت تيريزا ماي وزيرة الداخلية البريطانية، في الآونة الأخيرة إن السلطات أزالت أكثر من 30 ألف مادة من المواد الإرهابية منذ بداية العام. لكن غياب أي اتفاق دولي يعني أن الشرطة البريطانية لا يمكنها سوى التعامل مع المحتوى الموجود على مواقع منشأها بريطانيا. وكثيرا ما تعاود المواد التي تجري إزالتها الظهور على مواقع أخرى.
وقال جوليان لويس، عضو لجنة المخابرات والأمن في البرلمان المكلفة الإشراف على عمل أجهزة الأمن البريطانية، إن المطلوب هو حرب دعاية لإضعاف رسالة المتطرفين. وأضاف: «فلتعكس صورة ما يفعلونه وتهزمهم بلعبتهم. ما من سبيل آخر لذلك»، مشبها الأمر بمعركة الغرب ضد الشيوعية خلال الحرب الباردة.
وقال لويس إن الأمر يتطلب تحصين الناس من عقيدة المتطرفين. وشارك لويس العام الماضي في كتابة ورقة لمجموعة العمل المختصة بمتابعة التشدد الديني والتطرف التي شكلها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون. وقال: «بكل الوسائل اعتقلوا من يخالف القانون، وبكل الوسائل شددوا القانون وسدوا الثغرات ما دامت لا تتفق مع قيم مجتمعنا.. لكن ما يتعين عليكم أيضا أن تفعلوه هو التأكد من وصول الرسالة على نطاق مماثل لنطاق رسالتهم».
لكن الطوائف الإسلامية تقول إنه لا يمكن إحراز أي تقدم يذكر بشأن التشدد الديني حتى يتصدى الساسة للقضية التي يحاولون تجاهلها؛ وهي السياسة الخارجية لبريطانيا وحلفائها. ويقول المتشددون إن بريطانيا والغرب يساندون الحكام المستبدين في الدول الإسلامية ويغضون الطرف عن القهر إذا كان ذلك يلائم مصالحهم السياسية والاقتصادية.
لكن أمثال ميزان الرحمن لم يروعهم اعتماد بريطانيا على تشديد إجراءاتها للحد من التشدد الديني. ويقول ميزان الرحمن إن مثل هذه التصرفات لن تسكته رغم أنه ممنوع من الحديث مع متشددين آخرين بعد القبض عليه في الآونة الأخيرة. وقال: «فكرة الخلافة عنصر أساسي في الدين الإسلامي منذ 1400 سنة. واستخدام ديفيد كاميرون لنا كبش فداء لن يغير من ذلك شيئا».



ألمانيا تتوعد مؤيدي الأسد وتحذرهم من محاولة الاختباء في أراضيها

سوريون في ألمانيا يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد (ا.ف.ب)
سوريون في ألمانيا يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد (ا.ف.ب)
TT

ألمانيا تتوعد مؤيدي الأسد وتحذرهم من محاولة الاختباء في أراضيها

سوريون في ألمانيا يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد (ا.ف.ب)
سوريون في ألمانيا يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد (ا.ف.ب)

حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ووزيرة الداخلية نانسي فيزر، جميع مؤيدي عائلة الأسد التي كانت تحكم سوريا من محاولة الاختباء في ألمانيا.

وقالت بيربوك، السياسية من حزب الخضر، في تصريح لصحيفة «بيلد أم زونتاج»، اليوم (الأحد): «لأي شخص من جلادي الأسد يفكر في الفرار إلى ألمانيا، أقول له بوضوح: سنحاسب جميع أعوان النظام بأقصى قوة للقانون على جرائمهم الفظيعة»، مشيرة إلى أنه يجب على الوكالات الأمنية والاستخباراتية الدولية أن تتعاون بشكل وثيق في هذا الصدد.

وبعد الإطاحة بنظام الأسد، تولى السلطة تحالف من مجموعات معارضة يقوده إسلاميون ، بينما فر الأسد إلى روسيا مع عائلته. وخلال حكمه، تم اعتقال وتعذيب وقتل عشرات الآلاف بشكل غير قانوني.

من جانبها، أشارت فيزر إلى أن هناك فحوصات أمنية على جميع الحدود.

وقالت: «نحن في غاية اليقظة. إذا حاول أعوان نظام الأسد الإرهابي الفرار إلى ألمانيا، يجب أن يعرفوا أنه ليس هناك دولة تطارد جرائمهم بقسوة مثلما تفعل ألمانيا. هذا يجب أن يردعهم عن محاولة القيام بذلك».

وفي الوقت ذاته، وفي سياق النقاش المستمر حول ما إذا كان يجب على نحو مليون لاجئ سوري في ألمانيا العودة إلى بلادهم، عارض رئيس نقابة فيردي العمالية في ألمانيا فرانك فيرنكه، إعادة العمال الضروريين إلى سوريا.

وقال فيرنكه: «سواء في الرعاية الصحية، أو في المستشفيات، أو في خدمات البريد والشحن، أو في العديد من المهن الأخرى. في كثير من الأماكن، يساعد الأشخاص الذين فروا من سوريا في استمرار العمل في هذا البلد».