أطعمة «مشعّة» من فوكوشيما في طريقها إلى متاجر بريطانيا

مزارع قرب محطة فوكوشيما النووية (أ.ف.ب)
مزارع قرب محطة فوكوشيما النووية (أ.ف.ب)
TT

أطعمة «مشعّة» من فوكوشيما في طريقها إلى متاجر بريطانيا

مزارع قرب محطة فوكوشيما النووية (أ.ف.ب)
مزارع قرب محطة فوكوشيما النووية (أ.ف.ب)

قال تقرير صحافي إن الأطعمة المشعة التي تزرع قرب محطة فوكوشيما النووية في اليابان ستعرض للبيع للمستهلكين البريطانيين الشهر المقبل، بموجب صفقة مثيرة للجدل أقرها الاتحاد الأوروبي مؤخراً.
وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة «تلغراف» البريطانية، ستُرفع الرقابة على مستويات النشاط الإشعاعي الموجودة في المنتجات الآتية من اليابان من قبل بروكسل، كجزء من صفقة تجارية تعد الأكبر على الإطلاق في العالم.
ويعني ذلك أن المتاجر البريطانية ستبيع قريباً بضائع مصدرها منطقة فوكوشيما المنكوبة، بما في ذلك أغذية الأطفال وحبوب الفطور والأسماك والقشريات واللحوم والشاي الأخضر.
وكانت محطة فوكوشيما قد تعرضت لانصهارات في ثلاثة من مفاعلاتها الستة في مارس (آذار) 2011؛ ما أدى إلى قذف مواد إشعاعية في الجو، وذلك بعد أن ضربها زلزال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر، وتلت ذلك أمواج تسونامي. ومنذ وقوع الحادث، ابتعد المستهلكون اليابانيون عن منتجات فوكوشيما الزراعية.
وتؤكد الحكومة اليابانية باستمرار أنها فرضت نظاماً صارماً على الطعام المزروع قرب محطة فوكوشيما منذ وقوع الحادث.
ومنذ أبريل (نيسان) 2018 حتى مارس من هذا العام، فحص علماء ومسؤولون 9.21 مليون كيس من الأرز المزروع بهذه المنطقة، وأكدوا أن كل هذه الأكياس آمنة للاستخدام.
إلا أن التقرير أوضح أن الاختبارات التي أجريت على هذا الطعام في السنوات الأخيرة أظهرت وجود آثار بسيطة للمواد المشعة بما في ذلك سيزيوم 134 وسيزيوم 137.
وطالب سياسيون الليلة الماضية بكتابة مصدر المنتج عليه بوضوح حتى يتسنى للمتسوقين البريطانيين معرفة إذا كان قد تمت زراعته قرب فوكوشيما أم لا.
وقال النائب المحافظ نيل باريش، الذي سبق أن ترأس لجنة البيئة والغذاء والشؤون الريفية في البرلمان، إنه سيتحدى الحكومة بشأن هذه القضية. وتابع: «لسنا بحاجة إلى هذه التجارة. إذا لم يأكل اليابانيون هذه الأطعمة، فلماذا يجب علينا نحن أن نأكلها؟». وأضاف: «قد يكون الأمر آمناً وفقاً للعلماء. لكنني أعتقد أن للناس الحق في معرفة ما يأكلونه بالضبط، ومن ثم يجب كتابة مصادر هذه المنتجات عليها بشكل واضح».
ومن جهتها، أبدت ميشيل ريفاسي، عضو البرلمان الأوروبي، اعتراضها على صفقة الاتحاد الأوروبي. وقالت: «إذا تم رفع الحظر عن استيراد هذه الأطعمة، فلن يكون لدينا أي طريقة لقياس كمية السيزيوم الموجودة في الأرز أو السلطعون البحري، وسوف تغمر البضائع الملوثة السوق الأوروبية».
من جهته، أكد متحدث باسم وزارة التجارة الدولية البريطانية أن كل السلع الواردة إلى المملكة المتحدة ستلبّي معايير السلامة الغذائية الصارمة.



«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».