هدوء نسبي في بغداد... وغليان في الوسط والجنوب

مقتل متظاهر بالرصاص المطاطي في العاصمة العراقية

قوات الأمن في مواجهة مع محتجين في بغداد أمس (رويترز)
قوات الأمن في مواجهة مع محتجين في بغداد أمس (رويترز)
TT

هدوء نسبي في بغداد... وغليان في الوسط والجنوب

قوات الأمن في مواجهة مع محتجين في بغداد أمس (رويترز)
قوات الأمن في مواجهة مع محتجين في بغداد أمس (رويترز)

قُتل متظاهر أمس في وسط بغداد التراثي والتجاري الذي بات يشهد أعمال عنف في مواجهة المتظاهرين بشكل شبه يومي، بينما تصاعدت أعمدة دخان أسود كثيف في مدن جنوب العراق إثر إحراق محتجين إطارات بهدف إغلاق طرق رئيسية وجسور.
وفي واحدة من أكثر دول العالم ثراءً بالنفط، وأيضاً واحدة من أكثر الدول فساداً، يطالب المحتجون منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) بإصلاح النظام السياسي وتغيير كامل لطبقتهم الحاكمة التي يعتبرونها فاسدة. كما يهاجم متظاهرون إيران متهمين إياها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلد.
وتوافد على امتداد أمس آلاف الطلبة وأعضاء الهيئات النقابية المهنية إلى ساحة التحرير وسط بغداد، ويتوقع أن تشهد البلاد اليوم مظاهرات واسعة بعد الدعوة التي وجهتها نقابة المعلمين وغيرها من النقابات. ومقارنة ببقية محافظات وسط وجنوب العراق، ساد نوع من الهدوء النسبي في شوارع وتقاطعات بغداد البعيدة عن مركز المظاهرات. وفي وسط سحابة من الغاز المسيل للدموع، وبينما كان يحاول حماية نفسه بدرع، «سقط متظاهر قتيلاً إثر إصابته بطلق مطاطي في الرأس»، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر طبي، أوضح أن «المسعفين نقلوا 18 متظاهراً آخرين أصيبوا بالغاز والرصاص المطاط عند جسر الأحرار» في العاصمة.
وعند هذا الجسر القريب من ساحة التحرير، مركز التظاهر الرئيسي، باتت مشاهد المواجهات في أول احتجاج عفوي في البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين، يومية. وقتل في الاحتجاجات حتى اليوم 350 شخصاً. وتطلق قوات الأمن النار في بعض الأحيان بالذخيرة الحية. ويرد المحتجون الذين يرتدون خوذاً ويغطون وجوههم بشالات رقيقة برمي قناني المولوتوف والحجارة. وفي خضم الفوضى، يجدد المتظاهرون التأكيد على مواصلة تحركهم. ويقول أحدهم: «سنرجع إلى منازلنا بالتوابيت فقط». ويقول شخص آخر «ليس لدي عمل ولا مال؛ لذا أنا باقٍ هنا في كل الأحوال. البقاء هنا أو المنزل، هو الأمر نفسه بالنسبة إلي». وتابع الشاب الذي يحمل على كتفه العلم العراقي «من دون عمل وبلا راتب لن أكون قادراً على الزواج؛ لذا ليس لدي عائلة ولا منزل».
وتحصل أعمال عنف شبه يومية خلال المظاهرات المناهضة للحكومة خلال الليل، خصوصاً عندما تحاول شرطة مكافحة الشغب تفريق المظاهرات في ساحات الاحتجاج.
وفي الحلة جنوب بغداد، يتجمع المتظاهرون في الشوارع المقابلة لمبنى مجلس المحافظة بشكل يومي في اعتصام سلمي إلى حد كبير، بينما تستمر المدارس في إغلاق أبوابها. وتحول الوضع إلى مشهد عنيف مساء أول من أمس عندما حاولت قوات الأمن للمرة الأولى تفريق الاعتصام، فأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. وأصيب نحو 60 شخصاً بجروح في المكان، وفقاً لمصدر طبي.
وفي الديوانية جنوباً، تمكن المتظاهرون من إغلاق معظم الدوائر الحكومية والمدارس العامة خلال الشهر الماضي، لكن نادراً ما اشتبكوا مع قوات الأمن، لكن المتظاهرين حاولوا الليلة قبل الماضية إغلاق الجسور الرئيسية وواحدة من محطات الطاقة الثلاث في المحافظة. كما أحرقوا إطارات على طول الطرق السريعة المؤدية إلى مدينة النجف من الغرب، والسماوة إلى الجنوب، وفشلت شرطة مكافحة الشغب في إقناعهم بإنهاء اعتصامهم. وأفاد الصحافي ميثم الشباني، بأن الديوانية «شهدت موجة مظاهرات طلابية حاشدة وإغلاق للطرق غير مسبوقة». ويؤكد الشباني لـ«الشرق الأوسط»، أن «المحتجين قاموا بقطع الطرق الرابطة بين محافظات الديوانية والنجف والمثنى بواسطة الإطارات المحترقة التي غطى دخانها سماء المدينة». ويضيف أن «المحتجين قاموا أيضاً بإغلاق غالبية الطرق الداخلية في مركز المحافظة وغلق مديرية تربية قضاء الشامية». وتحدث ناشطون عن تسجيل 50 حالة اختناق نتيجة الغازات المسيلة للدموع وعشرات الإصابات بين جموع المحتجين بعد الصدامات التي وقعت في ساحة الاعتصام، وأكدوا أن «بعض المصابين رفضوا الذهاب إلى المستشفيات خشية من تعرضهم للاعتقال».
وفي كربلاء، ألقى المتظاهرون وقوات الأمن قنابل مولوتوف على بعضهم بعضاً. وأصبحت المناوشات الليلية روتينية في المدينة، لكنها استمرت حتى فجر أمس وتواصلت حتى الظهر.
وفي ذي قار (جنوب) التي تضم ثلاثة حقول نفط مركزية في الغراف والناصرية وصوبة تنتج مجتمعة نحو 200 ألف برميل من بين 3.6 مليون برميل في اليوم على مستوى العراق، أسفرت الصدامات ليلاً عن إصابة 13 من رجال الشرطة. وتفيد تقارير باستمرار الشلل التام في المحافظة ومواصلة المحتجين ملاحقة المسؤولين الحكوميين وحرق منازلهم؛ الأمر الذي دفع السلطات هناك إلى تعطيل الدوام الرسمي لثلاثة أيام نتيجة تردي الأوضاع الأمنية. وأظهرت أفلام مصورة قوة مسلحة وهي تقوم بمهاجمة الخريجين المعتصمين بالقرب من شركة نفط ذي قار، وأطلقت عليهم الرصاص الحي قبل أن تحرق خيامهم. ووجه محافظ ذي قار عادل الدخيلي، أمس، بنقل قوات مكافحة الشغب إلى خارج مدينة الناصرية لمنع تطور المواجهات والعنف مع المتظاهرين. ويبحث المتظاهرون تشكيل إدارة محلية من وجهاء المحافظة، بدلاً من الحكومة الحالية لحين تحقيق مطالبهم، وأيضاً توفير الحماية للمظاهرات بعد تورط ما يعرف بالطرف الثالث بقتل متظاهرين.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.