انسداد الأفق السياسي في الأزمة التشيلية يفتح شهيّة الجيش

جانب من المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في سانتياغو أمس (أ.ف.ب)
جانب من المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في سانتياغو أمس (أ.ف.ب)
TT

انسداد الأفق السياسي في الأزمة التشيلية يفتح شهيّة الجيش

جانب من المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في سانتياغو أمس (أ.ف.ب)
جانب من المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في سانتياغو أمس (أ.ف.ب)

بعد أربعين يوماً على اندلاع الاحتجاجات الشعبية في تشيلي، ما زالت حكومة الرئيس سيباستيان بينييرا عاجزة عن ضبط الأمن في معظم أنحاء البلاد، في الوقت الذي عاد فيه المشهد السياسي يرزح تحت وطأة الهواجس من عودة النظام العسكري الذي أحدث شرخاً عميقاً في المجتمع التشيلي منذ الانقلاب الدامي على سالفادور الليندي في 11 سبتمبر (أيلول) 1973 حتى نهاية تسعينات القرن الماضي، والذي ما زالت البلاد تعاني من تداعياته السياسية والاجتماعية والنفسية إلى اليوم.
ورغم التدابير الاجتماعية العاجلة التي أقرتها الحكومة في الأسابيع الأخيرة تجاوباً مع مطالب المتظاهرين، والتوافق بين معظم القوى السياسية على تعديل الدستور الموروث من النظام الديكتاتوري، ما زالت الاحتجاجات الحاشدة وأعمال العنف والتخريب تجتاح أنحاء البلاد وتسدّ الأفق أمام الحل السياسي للأزمة.
وتبدو قوات الشرطة، التي أفرطت في استخدام القوة في مئات الحالات التي تحقّق فيها النيابة العامة، عاجزة عن احتواء المظاهرات التي شهدت معارك بين المحتجين وعناصر الدرك وأدت إلى تدمير وحرق الكثير من المنشآت العامة والخاصة في العاصمة سانتياغو ومعظم المدن الكبرى، أوقعت عشرات الجرحى وأسفرت عن اعتقال المئات.
ويسعى الرئيس التشيلي، الذي تراجعت شعبيته إلى مستويات قياسية، إلى إيجاد مخرج سياسي لهذه الأزمة التي انفجرت في الثامن عشر من الشهر الماضي وأسفرت حتى الآن عن مقتل 23 شخصاً ووقوع أضرار جسيمة في البنى التحتية والمنشآت العامة، ويحاول فتح قنوات للحوار مع المتظاهرين الذين يرفضون التجاوب ويصرّون على رحيله. وكان بينييرا قد دعا إلى اجتماع أمس الثلاثاء مع رئيس المحكمة العليا ورئيسي مجلسي الشيوخ والنوّاب ومدّعي عام الدولة، لمناقشة الأزمة والاتفاق على خريطة طريق لمعالجتها. وفي بيان متلفز دعا إلى «اتفاق من أجل السلام والديمقراطية وضد العنف، تلتزم به الشرطة والقضاء والحكومة والبرلمان والمواطنون»، وأعلن أن نحو خمسة آلاف عنصر إضافي من الشرطة سيلتحقون بالقوات المكلّفة الحفاظ على الأمن، وأن الأجهزة الأمنية ستبدأ دورات للتأهيل المهني مع نظيراتها في إنجلترا وفرنسا وإسبانيا.
لكنه عاد وأعلن بعد ساعات من ذلك البيان، ربما تحت ضغط القوات المسلحة، أنه سيحيل إلى البرلمان مشروع قانون يجيز نشر الجيش في الشوارع لحماية البنى التحتية والمنشآت العامة الأساسية، من غير اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ وتقييد الحريات العامة.
وقال بينييرا إن هذا القانون سيتيح للقوات المسلحة تأمين الخدمات العامة الأساسية وحماية الشرطة التي أفادت المعلومات الرسمية بأن أكثر من ألفين من أفرادها تعرّضوا لإصابات خلال المظاهرات ولحقت أضرار جسيمة بما يزيد على 150 من منشآتها. وفيما تنصبّ جهود الحكومة على معالجة المعضلة الأمنية التي أصبحت محور هذه المرحلة الحسّاسة التي تعيشها تشيلي، وجّه عدد من الدبلوماسيين والمفكّرين رسالة مفتوحة إلى المسؤولين جاء فيها: «لم تعد كافية إدانة العنف الذي تمارسه الشرطة أو الذي يرتكبه المجرمون بإحراق المستشفيات والكنائس والمتاحف. على الذين يتولّون مناصب قيادية التحرّك بسرعة قبل أن يسيطر شغب المخرّبين والفاشية التي تحنّ إلى بينوتشيه على مسرح الأزمة... ومع كل يوم تقترب تشيلي من الانهيار الكامل لنظام الأمن العام، الأمر الذي لا يمكن أن يؤدي سوى لوقوع انقلاب عسكري، أو سقوط السلطة بين أيدي العسكر من غير أن يسعوا إليها».
وفيما كان بينييرا يعقد اجتماعه التنسيقي مع رؤساء مؤسسات الدولة الكبرى في قصر الرئاسة، كانت مجموعات من الطلاب تقتحم محطات للمترو في وسط العاصمة على غرار ما حصل في الساعات الأولى من بداية الاحتجاجات الشهر الماضي. وكانت منسقّية الوحدة الاجتماعية، التي تضمّ نحو 200 من المنظمات النقابية والاجتماعية وروابط الطلاب الجامعيين والثانويين، قد دعت إلى إضراب عام أمس الثلاثاء، وهو الثاني بعد إضراب الحادي عشر من هذا الشهر الذي عقبته سلسلة من الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الدرك، وصفها مراقبون بأنها كانت من أحرج الأوقات التي مرّت بها الديمقراطية التشيلية منذ عقود.
وليس من المؤكد بعد أن يحصل اقتراح بينييرا لتعديل الدستور على الضوء الأخضر في البرلمان، حيث لا يملك الأغلبية، بعد أن أعلنت المعارضة اليسارية رفضها له لاعتبار أنه يشكّل تنازلاً للقوات المسلّحة بتسليمها الأمن من غير إعلان حالة الطوارئ بموجب أحكام الدستور، ودعت إلى حل سياسي للأزمة يقوم على ميثاق اجتماعي جديد وتعديل عميق للنظام الضريبي.



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.