قصص قصيرة مكتوبة ببنية متوازية وفضاء هجين

«قطارات تصعد نحو السماء» لفاتح عبد السلام

قصص قصيرة مكتوبة ببنية متوازية وفضاء هجين
TT

قصص قصيرة مكتوبة ببنية متوازية وفضاء هجين

قصص قصيرة مكتوبة ببنية متوازية وفضاء هجين

يُبرهن القاص فاتح عبد السلام، في مجموعته القصصية الجديدة «قطارات تصعد نحو السماء»، الصادرة عن «ناشرون»، على مقدرته الواضحة في كتابة النص القصصي، الذي يعتمد على البنية المتوازية، فما من حدث يقع في لندن إلاّ ويقابله حدث آخر في بغداد أو البصرة أو الموصل، أو في جبهات القتال التي كانت مشتعلة في ثمانينيات القرن الماضي على الحدود العراقية الإيرانية. وهذا التوازي هو الذي يمنح قصص فاتح عبد السلام نكهتها الزمكانية متنقلاً بين الماضي والحاضر، بتقنية استرجاعية تقرّب البعيد، وتستفيد من حكمة الآباء والأجداد، وهي تُلقي بظلالها الوارفة على مُخيّلات الأبناء وطرائق تفكيرهم في ظروف شاقّة وعصيّة لا يُحسدون عليها. أما الحبل المتين الذي يشدّ القصص جميعها فهو القطار بوصفه بؤرة مكانية تدور فيها غالبية الأحداث، لكن ذلك لا يمنع من تشظّيها إلى أماكن أخرى كالبيت، والشارع، والمدينة، وجبهة الحرب، وما إلى ذلك.
تتميز القصة الأولى «تحت سماء القبّعات» عن بقية القصص بفضائها السُريالي؛ فكل الرُكّاب الجالسين والواقفين يرتدون القبّعات بعد أن تخلّوا عن رؤوسهم، ما عدا الراوي الذي هرب من الحرب، ونجا بجلده، فهو الوحيد الذي احتفظ برأسه، ولا يريد أن يفرّط به بعد أن خاطر بكل شيء، وقطع آلاف الأميال كي يصل إلى برّ الأمان. أما الاستعادة الذهنية التي تضعنا في قلب البنية المتوازية، فتتمثل بحديث الأم التي تتمنى على ابنها ألا يرثَ منها ألم الأسنان «فالألم يُورَّث، والعذاب مثل الرزق مقدّر من الله».
في قصة «من بغداد إلى ديفالي»، تعود بنا الراوية إلى ذكرياتها القديمة عن طاغور، الشاعر الهندي الكبير الذي كانت تقرأ قصائده في المرحلة الإعدادية، وتتذكّر صورته الفوتوغرافية التي يقف فيها بين الملك وجدها رئيس الحكومة آنذاك. وعلى الرغم من جمالية البنية الفنية لهذه القصة، إلا أن شذراتها الفكرية أكثر أهمية، حينما تؤكد الساردة أن العراقيين يفكرون بالمُشتركات، ولا يعيرون بالاً للاختلافات العرقية والدينية والمذهبية. ولعل أغرب ما في هذه القصة أن الصديقة الهندية قررت ألا تحتفل بديفالي أو «عيد الأنوار»، بعد الآن، لأنها غيّرت ديانتها، وآمنت بديانة جديدة عمرها بضع سنوات. لا بد للقارئ أن يبحث عن المعاني المجازية التي تكمن وراء تغيير الديانة بهذه السهولة، وبين التزمّت والقتل على الهوية الطائفية.
كثيرة هي مفارقات هذه المجموعة القصصية، فالعراقي الذي هرب إلى لندن، طالباً حق اللجوء السياسي، ينضمّ إلى قادة الإضراب الأربعة، ويُدخل الرمز لتتوقف حركة القطارات في محطاتها، فيتذمر الناس، وتتعطّل مصالحهم لبعض الوقت قبل أن يُدخل رقم كسر الإضراب لتعاود القطارات حركتها الطبيعية المنسابة، فلا غرابة أن تنضوي القصة تحت عنوان «العراقي الذي حرّر لندن» بعد أن ارتهنها لمدة 10 دقائق لا غير.
تجمع قصة «لو لم تكن المحطة الأخيرة قريبة» بين ثيمتي الهجرة والحُب، فقد طلب الراوي الإقامة الدائمة للمرة الثانية، لكنهم رفضوا طلبه، لأنّ مدينته أصبحت آمنة، وليس هناك مبرّر لمنحه حق اللجوء. قد لا يركّز القارئ كثيراً على مسار الحدث، لكنه ينتبه بالضرورة إلى لقطة مقرّبة رسمها القاص بذكاء يبيّن فيها تعلّق الفتاة البريطانية بأصابع يده التي تُحبها على وجه التحديد، وتتأكد محبة هذا الجزء من الجسد حينما يخبرها بنيّته حرق بصماته حينما تقول: «أتحرق الأصابع التي أحببتها؟»، علماً بأن مُستهل القصة قد أخذ من كاتبها أكثر من صفحة، وهو يصف هذا التعلّق الحميم بين أصابعها «الناطقة» التي تتحسس أصابعه «المتلعثمة»، وتحتويها في كفها المرتعشة، وكأنها تبحث عن شيء ضائع. ولعل استدراكها الاستفهامي أكثر وقعاً من فكرة التعلّق حين ترد عليه: «ألمْ تقل لي أنهم أخذوا بصمة عينيك؟» فهل يتمكن من مسح هذه البصمة أو إحراقها كي يعود من النافذة إن أخرجوه من الباب، خصوصاً بعد أن بنى حياة أخرى في هذا البلد، الذي لم تنتبه قاضيته إلى صعقة الحُب وأثرها على هذا اللاجئ القادم من أتون الحرب والديكتاتورية؟
في «قفزة القرد»، يدخل مسلّحان ويحتجزان التلاميذ رهائن، وعلى الرغم من أنّ الأب ينقذ ابنه سامي وصديقه الياباني يان، إلا أنّ شرطياً جاء متأخراً ورآه يحمل المسدس الذي أعطاه إياه العقيد فأطلق عليه النار وأصابه برصاصتين أخرجهما الطبيب من ساقه.
تحضر البنية المتوازية، فيتذكر الأب قول الضابط المجنّد: «الأرض مثل جسد المرأة تتسع لك حين تشعر أنها تحبكَ فتحتويك وتضمّكَ وتتستر عليكَ إذا لزم الأمر»، هكذا كان الأب يشعر وهو يفكر بالوصول إلى نافذة القاعة التي تمّ فيها احتجاز التلاميذ.
تنطوي قصة «المرأة القطة والرجل القنفذ» على قدر كبير من البراعة والتشويق والإثارة، ومكتوبة بنَفَس سينمائي واضح، فالمرأة هنا مومس، لكنها في لحظة فارقة قررت أن تحمي الجندي الهارب، وتنقذه من الموت، لأن الإعدام هو عقوبة الهاربين من الجيش العراقي في أثناء المعارك. أجلست الجندي المذعور إلى جوارها، وطلبت منه أن ينام، أو يدّعي النوم، وألاّ يفتح عيناه مهما حصل، وأن يترك الباقي عليها. وحينما اقترب منها أحد رجال المفرزة الذين تعرفهم قالت له: «حبيبي هذا من لوازم الشغل»، بعد أن أسقطته في فخ الغواية ووعد بلقاءٍ قريب.
لا يمكن مقارنة قطة مفقودة مع ألفي طالب مختطَف من طلاب القوة الجوية، لكن دقّة البنية المتوازية بين ضياع قطة بريطانية اسمها «لولايكا» سيتم العثور عليها في نهاية القصة التي تحمل الاسم ذاته، وبين ألفي مُختطَف عراقي سيلقون حتفهم على أيدي عصابات «داعش»، الأمر الذي يدفع شقيقه للعودة إلى العراق محملاً بالنقود التي استدانها من البنك على أمل مقايضة أخيه بفدية يحددها الخاطفون أنفسهم. وعلى الرغم من يأسه المطلق، إلاّ أن شقيقته لم تقطع أملها في العثور عليه حيّاً.
تتمحور «الرغبات المتكسّرة» على قصة جندي يأتي مُجازاً من البصرة إلى الموصل، وهناك يلتقي بصديقته التي أحبّها في الجامعة، ولم يستطع الاقتران بها لضيق ذات اليد. وحينما يعرف أنها ذاهبة إلى بغداد لإنجاز معاملة تتعلق بالسكن، يقرر السفر معها في القطار ذاته، على أمل أن يتسلل إلى مقصورتها، لكنه لم يكن يعرف أن المرور عبر المقصورات ممنوع تماماً.
ينجح الراوي في كتابة قصة كل يوم يرمي فكرتها في ذهن القارئ، ويتركها تنمو بهدوء، وإذا لم تنضج جيداً يُدرك أنها وُلدت ميتة، فلا يأسف عليها، ويشرع في كتابة القصة التالية. تُرى، هل كانت الكتابة اختباراً قوياً لوقته وأفكاره وإرادته، أم رغبة في الخروج من عزلته الاختيارية التي تحولت إلى عزلة إجبارية؟
أما قصة «الضفدع الرمادي»، فتتمحور على شخص يُعتقَد أنه متسوّل، لأنه يجمع النقود في قبّعة متسخة خلال الدقائق التسع، قبل الوصول إلى المحطة الأخيرة، لكن براعة القاص يفاجئنا دائماً بانعطافة فنية محددة تكشف أنّ هذا الشخص الذي لا يراه الرُكّاب هو آخر الخارجين من الحرب بعد أن احترق الجميع. ومع أنه يعيش بينهم منذ 10 سنوات، إلاّ أنه لا يحمل سوى لقب مجنون تتلقفه الشرطة كلما أثار صخباً أو روّع الآخرين في عربة هادئة.



سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.