مقتل متظاهرين عراقيين اثنين وإصابة 16 مع استمرار الاحتجاجات

وزارة الداخلية أعلنت القبض على أشخاص حاولوا إحراق محال تجارية في بغداد

متظاهر يحمل شاباً مصاباً خلال الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين ورجال الشرطة في بغداد (أ.ب)
متظاهر يحمل شاباً مصاباً خلال الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين ورجال الشرطة في بغداد (أ.ب)
TT

مقتل متظاهرين عراقيين اثنين وإصابة 16 مع استمرار الاحتجاجات

متظاهر يحمل شاباً مصاباً خلال الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين ورجال الشرطة في بغداد (أ.ب)
متظاهر يحمل شاباً مصاباً خلال الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين ورجال الشرطة في بغداد (أ.ب)

أفاد فيه شهود عيان، اليوم (الثلاثاء)، بمقتل متظاهرين عراقيين اثنين وإصابة 16 آخرين على خلفية اضطرابات أمنية ومصادمات وقعت اليوم في العاصمة بغداد.
وقال الشهود لوكالة الأنباء الألمانية إن اشتباكات وقعت بين القوات الأمنية والمتظاهرين بين ساحة حافظ القاضي والوثبة وسط شارع الرشيد في بغداد ما أدى إلى سقوط قتيلين وإصابة 16 آخرين.
وأضاف الشهود أن «محافظة السماوة في بادية العراق الجنوبية شهدت صباح اليوم اضطرابات أمنية، واستخدمت قوات مكافحة الشغب الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الذين سيطروا على الشوارع وأحرقوا عشرات الإطارات لتقييد حركة القوات الأمنية».
وأكد الشهود أن «العشرات من المتظاهرين أصيبوا بجروح؛ بينهم مصور لمحطة تلفزيون عراقية، على خلفية قيام المتظاهرين بمحاولة للسيطرة على مبانٍ حكومية، حيث استخدمت القوات الأمنية الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع». وذكروا أن المتظاهرين في محافظة البصرة قاموا بـ«بقطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى ميناء أم قصر وميناء خور الزبير ومعمل الأسمدة ومجمع الخزن والتصدير والمحطة الغازية لإنتاج الكهرباء، باستخدام حرق الإطارات، في ظل حالة من الاضطراب الأمني وانتشار المتظاهرين في الشوارع وهم يهتفون بشعارات لإسقاط الحكومة».
وأشار الشهود أن المتظاهرين توافدوا بشكل كثيف إلى ساحات التظاهر، خصوصاً طلبة المدارس والجامعات والموظفين، لدعم مطالب المتظاهرين ورفض استخدام الغازات المسيلة للدموع ضد المتظاهرين، فيما أغلق عدد من المتظاهرين الطريق المؤدية إلى منطقة رمضان بإحراق الإطارات في الشوارع.
وأكد الشهود أن آلافاً من المتظاهرين جاءوا من مناطق متفرقة؛ غالبيتهم من طلبة المدارس والجامعات والمعاهد، وقطعوا «جسر الثورة» وسط الحلة، على خلفية قيام القوات الأمنية بالهجوم على مواقع المتظاهرين بالغازات المسيلة للدموع الليلة الماضية، فيما شوهد انسحاب القوات الأمنية من محيط ساحة التظاهر بعد إصابة أكثر من 65 متظاهراً جراء استنشاق الغازات.
وذكرت وكالة الانباء الألمانية أن المئات من المتظاهرين أغلقوا جميع الطرق الرابطة بين محافظة الديوانية والمحافظات الأخرى والطرق الداخلية والجسور من خلال إحراق الإطارات، كما تمت محاصرة محطة الكهرباء.
وأشار الشهود إلى أن «العشرات من المتظاهرين أحاطوا بمجمع حقل الأحدب النفطي الذي تديره شركات صينية في محافظة واسط، بحثاً عن فرص عمل».
إلى ذلك، أعلن الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية، اليوم، أنه تم إلقاء القبض على مجموعة من الأشخاص حاولوا إحراق بعض المحال التجارية في العاصمة بغداد، مؤكداً قرب إصدار أوامر قضائية بحقهم.
وقال العميد خالد المحنا، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع): «الحكومة المركزية تشدد على ضرورة توفير الحماية والحفاظ على الممتلكات وأرواح المواطنين، ومنع المخربين الذين يحاولون الاعتداء على أموال المواطنين والبنايات الخاصة والعامة».
وأضاف أن «وزارة الداخلية تبذل جهوداً حثيثة في سبيل تأمين المظاهرات السلمية في بغداد والمحافظات رغم بعض المحاولات التي يقوم بها بعض المجموعات للاعتداء على قوات الشرطة وشن هجمات مسلحة فضلاً عن استخدام (قناني) المولوتوف والحصى والحجارة». وأوضح أن «قوات الشرطة جمعت بيانات خاصة بالمتجاوزين الذين خرقوا القانون وارتكبوا جرائم متنوعة»، مؤكداً «إصدار أوامر قبض قضائية سيتم تنفيذها في المرحلة المقبلة».
وتكتظ شوارع المحافظات الجنوبية التسع التي تشهد مظاهرات احتجاجية بالآلاف من طلبة الجامعات والمدارس، مما أدى إلى إلحاق الشلل بحركة الحياة بشكل شبه كامل بعد قطع الطرق والجسور وتصاعد الدخان الأسود في سماء محافظات البصرة وبابل والنجف وكربلاء وبابل والسماوة وواسط وميسان والديوانية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.