مجلس الأمن يدعو إلى الحفاظ على سلمية التظاهرات في لبنان

الجيش يفتح طرقاً قطعها متظاهرون في بيروت غداة هجوم لمناصري «حزب الله»

شرطة مكافحة الشغب تشتبك مع متظاهرين يسدون طريقاً في بيروت (أ.ب)
شرطة مكافحة الشغب تشتبك مع متظاهرين يسدون طريقاً في بيروت (أ.ب)
TT

مجلس الأمن يدعو إلى الحفاظ على سلمية التظاهرات في لبنان

شرطة مكافحة الشغب تشتبك مع متظاهرين يسدون طريقاً في بيروت (أ.ب)
شرطة مكافحة الشغب تشتبك مع متظاهرين يسدون طريقاً في بيروت (أ.ب)

دعا مجلس الأمن الى تشكيل حكومة جديدة في لبنان «تلبي تطلعات الشعب»، مطالباً بـالمحافظة على الطابع السلمي للاحتجاجات «عبر تجنب العنف».
وعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة استمع فيها الى احاطتين من المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش ونائب وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام خالد خياري في شأن أحدث التطورات على الساحة اللبنانية والتقدم المحرز في تطبيق القرار 1701.
وعلى الأثر، تلت رئيسة مجلس الأمن للشهر الجاري المندوبة البريطانية كارين بيرس موقفاً موحداً يمثل الأعضاء الـ15 الذين لاحظوا أن «هذا وقت حرج للبنان"، مركزين على «أهمية تشكيل حكومة جديدة في وقت ملائم قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني واستعادة استقرار البلاد في اطار العمل الدستوري». وطالبوا كل الجهات الفاعلة بـ«إجراء حوار وطني مكثف والمحافظة على الطابع السلمي للاحتجاجات عبر تجنب العنف واحترام حق التجمع السلمي والتظاهر». وأشاد أعضاء مجلس الأمن بدور القوات المسلحة اللبنانية وغيرها من المؤسسات الأمنية اللبنانية في حماية هذا الحق، مشددين على «حاجة السلطات اللبنانية الى تنفيذ اصلاحات اقتصادية ذات مغزى بصورة ملائمة بموجب عملية يملكها ويقودها لبنانيون».
وفي لبنان، فتح الجيش وقوى الأمن بالقوة طرقاً أغلقها المتظاهرون صباح اليوم، غداة اعتداءات نفذها مئات الشبان من أنصار «حزب الله» وحركة أمل على تجمعات المحتجين في بيروت، استخدموا فيها الحجارة وتخللتها عمليات تخريب طالت ممتلكات وسيارات.
ودخلت الاحتجاجات غير المسبوقة في لبنان يومها الأربعين، فيما تراوح الأزمة السياسية مكانها، وسط لعبة شدّ حبال بين القوى الرئيسية على وقع تدهور اقتصادي ومالي، رغم تحذيرات المجتمع الدولي، ودعوته للإسراع بتشكيل حكومة تحظى بثقة اللبنانيين.
وسبق لأنصار «حزب الله» أن هاجموا خلال الأسابيع الماضية المتظاهرين في وسط العاصمة، لكنها المرة الأولى التي تحصل فيها مواجهة بهذا الحجم. وبدا واضحاً أن الحوادث الليلية تركت أثرها على حركة التظاهر اليوم التي بدت خجولة رغم الدعوة لإضراب عام، وعلى رد فعل الأجهزة الأمنية التي بدت مصممة على فتح الطرق.
ووصل قبل منتصف الليلة الماضية عشرات الشبان إلى منطقة جسر الرينغ في وسط بيروت، حيث كان متظاهرون يقطعون الطريق، وأطلقوا هتافات مؤيدة للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، وحليفه رئيس حركة أمل رئيس البرلمان نبيه بري، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية. فرد المتظاهرون بهتافاتهم المعتادة «ثورة» و«سلمية»، وأنشدوا النشيد الوطني، لكن التوتر تصاعد عندما بدأ القادمون يطلقون الشتائم ويهددون المتظاهرين أمام كاميرات محطات تلفزيونية محلية بقيت في بث مباشر على مدى أكثر من 3 ساعات.
وتعرضت عشرات السيارات والمحال التجارية للتكسير والتخريب، وفق ما أظهرته تقارير إعلامية، متحدثة عن أن المهاجمين حطموها.
وعلى الأثر، شكلت وحدات من الجيش وقوى الأمن درعاً للفصل بين الطرفين، لكن الاستفزازات من الجانبين تصاعدت، وألقى المهاجمون الحجارة على العسكريين والمتظاهرين والإعلاميين في المكان. وأفاد الدفاع المدني بنقل 10 جرحى إلى مستشفيات المنطقة. وعند الفجر، تم تفريق المتجمعين بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع.
وقطع متظاهرون (الاثنين) طرقاً عدة، خصوصاً في منطقتي البقاع (شرق) وفي طرابلس وعكار (شمال)، وفي بيروت ومناطق شرقها، قبل أن يعيد الجيش فتح عدد منها.
وأعلن الجيش توقيف 13 شخصاً في منطقتي جل الديب والزوق (شمال بيروت) لقطعهم الطرق وقيامهم بأعمال شغب، قبل إخلاء سبيل 12 منهم.
من جهة أخرى، دعت الهيئات الاقتصادية اللبنانية اليوم إلى إضراب عام وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وقالت الهيئات التي تضم أغلب مكوّنات القطاع الخاص في البلاد في بيان: «قررت الهيئات الاقتصادية وبالإجماع الدعوة إلى تنفيذ الإضراب العام والإقفال التام لكل المؤسسات الخاصة على مساحة الوطن أيام الخميس والجمعة والسبت».
أتى ذلك في وقت بدأت ترتفع صرخات العمال والأجراء نتيجة الإجراءات التي يقوم بها عدد كبير من الشركات والمؤسسات منذ بدء الاحتجاجات الشعبية الشهر الماضي، إما عبر الصرف وإما الحسم من الرواتب.
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي احتجاجات غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية. ويتمسك المحتجون بمطلب رحيل الطبقة السياسية بلا استثناء، لاتهامها بالفساد ونهب الأموال العامة، ويفخرون بأن حراكهم سلمي عابر للطوائف والمناطق.
وتحت ضغط الشارع، قدم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن لم يحدد الرئيس اللبناني ميشال عون حتى الآن موعداً للاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.