تجدد الاشتباكات في جامعات مصرية والسلطات تبدي إصرارا على ضبط الأوضاع فيها

أساتذة ينظمون وقفة صامتة في جامعة القاهرة.. وحرق معدات «فالكون» بالإسكندرية

رجال شرطة وأمن من شركة {فالكون} الأمنية يعاينون الخراب الذي حصل لجهاز نسخ وتصوير تابع للشركة، بسبب اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين للإخوان ورجال حماية وأمن أمام مدخل جامعة الأزهر بالقاهرة أمس (رويترز)
رجال شرطة وأمن من شركة {فالكون} الأمنية يعاينون الخراب الذي حصل لجهاز نسخ وتصوير تابع للشركة، بسبب اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين للإخوان ورجال حماية وأمن أمام مدخل جامعة الأزهر بالقاهرة أمس (رويترز)
TT

تجدد الاشتباكات في جامعات مصرية والسلطات تبدي إصرارا على ضبط الأوضاع فيها

رجال شرطة وأمن من شركة {فالكون} الأمنية يعاينون الخراب الذي حصل لجهاز نسخ وتصوير تابع للشركة، بسبب اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين للإخوان ورجال حماية وأمن أمام مدخل جامعة الأزهر بالقاهرة أمس (رويترز)
رجال شرطة وأمن من شركة {فالكون} الأمنية يعاينون الخراب الذي حصل لجهاز نسخ وتصوير تابع للشركة، بسبب اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين للإخوان ورجال حماية وأمن أمام مدخل جامعة الأزهر بالقاهرة أمس (رويترز)

تجددت في مصر أمس، لليوم الثاني على التوالي، الاشتباكات بين طلاب الجامعات وقوات الأمن في ثالث أيام الدراسة التي تأجلت عن موعدها عدة أسابيع. وتفقد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قوات الأمن التي وجدت بكثافة داخل جامعة الأزهر وفي محيط جامعة القاهرة، في رسالة على ما يبدو لتأكيد عزم الدولة على «فرض هيبتها»، لكن طلابا ردوا بالاعتداء مجددا على أفراد ومعدات شركة الأمن الخاصة التي تتولى تأمين عدة جامعات في البلاد.
بينما نظم أساتذة في جامعة القاهرة وقفة صامتة احتجاجا على مشروع تعديلات على قانون تنظيم الجامعات تمنح رؤساء الجامعة سلطات عقابية دون تحقيق، قال حسام قاويش المتحدث الرسمي باسم الحكومة لـ«الشرق الأوسط» إن المشروع أقر في مجلس الوزراء ورفع للرئاسة نافيا تضمنه منح سلطة الفصل لرؤساء الجامعات دون إجراء تحقيق.
وأمر وزير الداخلية بالوجود المكثف لقوات الأمن داخل حرم جامعة الأزهر وتعزيز الوجود الأمني خارج أسوار الجامعة كما أمر كذلك بنشر قوات الأمن على بوابات جامعة القاهرة بالتنسيق مع شركة الأمن الخاص «فالكون» المكلفة بتأمين الجامعة.
وقبل بداية العام الدراسي الجامعي، تعاقدت وزارة التعليم العالي مع شركة فالكون الخاصة للحراسة لتأمين بوابات 12 جامعة، وذلك عقب المظاهرات وأعمال العنف التي شهدتها بعض الجامعات العام الماضي.
وقال عدلي رضا المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «الأوضاع هادئة وتسير بشكل طبيعي في معظم الجامعات حتى الآن. كنت في جامعة القاهرة ولم أرصد أي مؤثرات على العملية التعليمية».
ونظم مئات الطلاب في جامعة الأزهر وقفة احتجاجية بحسب شهود عيان، كما شهد محيط جامعة القاهرة مناوشات عقب إغلاق الجامعة لبوابتها مما أدى إلى تكدس الطلاب أمامها.
وشدد اللواء إبراهيم في تصريحات له أمس على التعامل السريع والحاسم مع أي نوع من أنواع الشغب داخل الجامعات وفقا للقانون، مضيفا أنه «لن يسمح لأي طالب بتعكير صفو العملية التعليمية في أي جامعة من الجامعات».
ودخلت قوات الشرطية فرعا لجامعة الأزهر في محافظة الدقهلية بدلتا مصر وألقت القبض على عدد من الطلاب، عقب مظاهرة نظموها داخل الحرم الجامعي، بحسب شهود عيان.
وقال أحمد حسن وهو طالب في جامعة الأزهر فرع تفهنا الأشراف، إن «قوات الأمن المركزي اقتحمت الجامعة من الباب الرئيس، وأطلقت قنابل الغاز على طلاب وطالبات خلال مسيرة نظموها، لافتا إلى أن المسيرة كانت ترفع شعارات مؤيدة للرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي عزل في يوليو (تموز) العام الماضي.
وأشار حسن إلى أن قوات الأمن ألقت القبض على عدد من المتظاهرين من داخل كلياتهم، بعد أن فرضت طوقا أمنيا على الجامعة، ومنعت دخول وخروج الطلاب.
وحطم طلاب معارضون في جامعة الإسكندرية بوابة إلكترونية أمام كلية الآداب بعد مشادات مع أفراد شركة الحراسة الخاصة (فالكون) بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها الشركة على الدخول للجامعة، في واقعة هي الثالثة من نوعها التي يتعرض لها أفراد الشركة خلال اليومين الماضيين.
وشهدت عدة جامعات أول من أمس مظاهرات طلابية واشتباكات بين الطلاب من جانب وقوى الأمن وأفراد فالكون من جانب آخر، انتهت بإخلاء الأمن الإداري لجامعة القاهرة للموظفين والطلاب، عقب انسحاب أفراد الشركة.
وأثار وجود أفراد شركة الحراسة الخاصة غضبا في صفوف الطلاب وأساتذة الجامعة من غير المنتمين لقوى أو أحزاب سياسية، وشكا طلاب من سوء معاملة الشركة لهم خلال المرور من بوابات الجامعة. وقالت طالبات في جامعة بني سويف أمس إن أفراد الشركة صادروا منهن عطورهن دون إبداء أسباب.
وفي جامعة حلوان وقعت مناوشات بين الطلاب وأفراد الشركة الخاصة أيضا بعدما تكدس الطلاب على أبواب الجامعة بسبب إجراءات التفتيش الدقيقة. وقال مسؤول في شركة فالكون أمس إن أفراد الشركة عثروا على سكين مع أحد الطلاب في جامعة عين شمس.
وفي غضون ذلك، نظم أعضاء في هيئة التدريس بجامعة القاهرة وقفة احتجاجية اعتراضا على تعديلات جديدة على مشروع قانون تنظيم الجامعات، تسمح لرئيس الجامعة بفصل الطلاب والأساتذة دون تحقيق.
وقال حسام قاويش المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن مجلس الوزراء أقر مشروع القانون بالفعل ورفعه للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يملك سلطة التشريع في غيبة البرلمان، نافيا أن يكون مشروع القانون يعطي الحق لرئيس الجامعة بفصل الطلاب أو الأساتذة دون تحقيق، دون إبداء المزيد من الإيضاحات.
واعترض قسم التشريع في مجلس الدولة على مقترح بتعديلات على قانون تنظيم الجامعات تقدمت به الحكومة يمنح سلطات واسعة لرئيس الجامعة، مما أثار انتقادات الأساتذة.
ورفع الأساتذة المشاركون في الوقفة من أعضاء حركة 9 مارس التي قادت لسنوات حركة النضال من أجل استقلال الجامعات، لافتات تحمل عبارات «نتضامن مع الطلاب المفصولين دون مجالس تأديب»، «نطالب ببيان رسمي يعلن عدم تعديل قانون تنظيم الجامعات»، «الدستور يكفل استقلال الجامعات»، و«الدستور ينص أنه لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي»، و«لا لتوسيع سلطة رؤساء الجامعات»، و«لا لعزل أعضاء التدريس بناء على تهم فضفاضة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.