مستشعر حيوي كهروكيميائي لاستخدامات تطبيقية واسعة

علماء من «كاوست» وبريطانيا يطورونه لمجالات التقنية الحيوية والزراعة والطب

المستشعر الحيوي المطور يمكن إدماجه في بنية ترانزستور ميكروني الحجم
المستشعر الحيوي المطور يمكن إدماجه في بنية ترانزستور ميكروني الحجم
TT

مستشعر حيوي كهروكيميائي لاستخدامات تطبيقية واسعة

المستشعر الحيوي المطور يمكن إدماجه في بنية ترانزستور ميكروني الحجم
المستشعر الحيوي المطور يمكن إدماجه في بنية ترانزستور ميكروني الحجم

طرح باحثون من جامعة «كاوست» في السعودية تصورات جديدة تتعلق بتطوير مستشعر حيوي يرصد المركب الأيضي المعروف باسم «اللاكتات»، يتمحور تصميمه حول الجمع بين بوليمر ناقل للإلكترونات وإنزيم «اللاكتات أوكسيداز»، وهو الإنزيم الذي يُحفِّز أكسدة اللاكتات تحديداً.
ولأن اللاكتات قد ترتبط بحالات مرضية خطيرة، لذا فإن اكتشافها ورصدها يكتسب أهمية في مجال الرعاية الصحية. وعلى سبيل المثال نجد أن المستويات المرتفعة من مادة اللاكتات في الدم قد تكون مؤشراً على نقص الأكسجين أو على وجود حالات أخرى تسبب زيادة إنتاج هذه المادة أو إزالتها من الدم بصورة غير كافية. واللاكتات هي مادة حمضية في طبيعتها، تساعد على تفكك الغلوكوز، وبالتالي يستمر إنتاج الطاقة في الجسم.
أخيرا تمكَّنت الدكتورة شاهيكا إينال، الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية، قسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، ومجموعة من الباحثين المعاونين من كلية «إمبريال كوليدج لندن» وجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة، من ابتكار مستشعر حيوي يمكن إدماجه في بنية ترانزستور ميكروني الحجم، بغرض اكتشاف المركبات الأيضية المطلوب دراستها.
وتنصبُّ الاهتمامات البحثية للدكتورة شاهيكا إينال على نقاط الالتقاء بين علم الأحياء والإلكترونيات، أو ما يُطلق عليه الإلكترونيات البيولوجية، وهي تتعامل مع مواد وأدوات إلكترونية عضوية يمكن أن تلبّي الاحتياجات الخاصة بالأبحاث ورصد الصحة الإكلينيكية والعلاج.
بشكل عام يرتكز أداء أجهزة الاستشعار الحيوية على نقل الإلكترونات فيما بين القطب الكهربي الحساس والإنزيم، إذ يزداد أداء المستشعرات مع تناقص المسافة بين المواقع النشطة للإنزيم وسطح القطب الكهربي. وقد بدأت إنزيمات الأكسدة والاختزال تصعد كمكونات نموذجية للمستشعرات الحيوية، نظراً لأن قدرتها على تحقيق عملية نقل الإلكترونات تعتبر مُكمِّلة لدقتها في الارتباط الموجّه وفي النشاط التحفيزي للعملية.
ولكن لا تزال الاستفادة من المستشعرات الحيوية محدودة من حيث المركبَّات الأيضية والبيئات المستهدفة بها... وقد أعاقَ هذا استخدام المستشعرات الحيوية في تطبيقات عملية في عدّة مجالات مثل التقنية الحيوية والزراعة والطبّ الحيوي. وعوضاً عن ذلك، ظلّ استخدامها الرئيسي مقصوراً على المستشعرات الحيوية الكهروكيميائية المختبرية التي تُستخدم في مراقبة الغلوكوز لدى مرضى السكري.
وكأساس للأداة التي تم تصميمها بهدف إثبات الفكرة، أجرى الباحثون مزاوجة بين إنزيم «اللاكتات أوكسيداز» وبوليمر الترانزستور الكهروكيميائي العضوي. هذا البوليمر الناقل للإلكترونات يعمل في الوقت ذاته كمحوِّل فعَّال ومكِّبر قوي للإشارات، إذ إنه يستطيع استقبال الإلكترونات من التفاعل الإنزيمي ثم يخوض عدّة تفاعلات اختزال من خلال عدة مواقع أكسدة واختزال نشطة.
كذلك فإن هذا البوليمر يحمل سلاسل جانبية محبّة للماء تعمل على تسهيل التفاعلات البينية داخل الجزيئيات مع إنزيم «اللاكتات أوكسيداز»، لتجعل الإنزيم أقرب إلى المادّة الناقلة للطاقة. ويؤدي هذا إلى تحفيز الاتصال الكهربي، ومن ثمَّ يرفع درجة حساسية البوليمر إزاء اللاكتات. كذلك، فإن هذه التفاعلات بين البوليمر والإنزيم تتجّنب التعديلات على سطح القطب الكهربي، وتَحول دون استخدام وسائط، وهو «ما يبسِّط تصنيع المستشعر» على حد قول إينال التي تشير أيضاً إلى أن هذا الجهاز - عكس المستشعرات الحيوية السابقة - لا تحتاج إلى قطب كهربي مرجعي، وهو ما يتيح المرونة في التصميم.



«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
TT

«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية

لعقود من الزمن كان السعي وراء مهنة علمية في الأراضي الفلسطينية محفوفاً بالمخاطر. ثم هاجمت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أشعل حرباً في قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من عام.

حوار مع علماء فلسطينيين

ومع قصف إسرائيل وغزو غزة في حملة للقضاء على «حماس»، تم تدمير المدارس واضطر الطلاب إلى مواصلة دراستهم عن بُعد أو وقفها تماماً. أما الأطباء فقد عملوا في ظروف متدهورة على نحو متزايد. وشعر الفلسطينيون خارج المنطقة أيضاً بآثار الحرب.

وقد تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أربعة فلسطينيين يعيشون في غزة والضفة الغربية والخارج، حول الصراع الذي يَلوح في الأفق بشأن أبحاثهم العلمية وعملهم الطبي: كما كتبت كاترينا ميلر(*).

د. أسيد السر

من فلسطين الداخل... نحو هارفارد

* أسيد السر (32 عاماً): في عام 1948، انتقلت عائلة الدكتور أسيد السر إلى غزة من حمامة، وهي قرية على أرض أصبحت الآن جزءاً من إسرائيل. وقال السر، وهو طبيب مقيم في الجراحة العامة وباحث في تكساس، إنه أكمل دراسته في كلية الطب في غزة عام 2016، ودرس في جامعة أكسفورد لبعض الوقت، ثم انتقل إلى جامعة هارفارد عام 2019 لإجراء بحث حول جراحة الصدمات الطارئة.

وقال إن الدراسة في أوروبا والولايات المتحدة تختلف عن الدراسة في غزة. فالوصول غير المحدود إلى الكهرباء والمياه والإنترنت أمر مفروغ منه، والسفر، في الغالب، غير مقيد. وقال: «كان هذا صادماً بالنسبة لي».

في غزة، اختار والدا السر مكان العيش بناءً على المكان الذي سيكون لديهم فيه وصول ثابت إلى الإنترنت، حتى يتمكن هو وإخوته من متابعة دراستهم. بالنسبة إلى الكهرباء، كان لديهم مولد للطاقة. وإذا نفد غازه، كانوا يعتمدون على الألواح الشمسية والشموع والبطاريات.

وتوفر الدراسة في الخارج مزيداً من الفرص. لفعل ذلك، كان على السر التقدم بطلب للحصول على تصاريح من الحكومات في إسرائيل ومصر والأردن وغزة. وقال إن العملية قد تستغرق شهوراً. واستغرق الأمر منه ثلاث محاولات للحصول على القبول في أكسفورد. تقدم بطلب للحصول على ما يقرب من 20 منحة دراسية وفاز بواحدة. ومع هارفارد، استمر في التقديم. وقال السر إن هذه المثابرة شيء تعلمه من العيش في غزة.

كان السر في تكساس في 7 أكتوبر 2023. لكنَّ عائلته عادت إلى منزلها في غزة، وتعيش بالقرب من مستشفى الشفاء. في العام الماضي، داهمت إسرائيل مستشفى الشفاء. ثم انتقلت عائلة السر المباشرة منذ ذلك الحين إلى الجنوب، ودُمرت منازلهم في غزة، كما قال، فيما كان يواصل تدريبه الطبي في تكساس.

د. وفاء خاطر

فيزيائية بجامعة بيرزيت

* وفاء خاطر (49 عاماً). نشأت وفاء خاطر في الضفة الغربية، وهي منطقة تقع غرب نهر الأردن تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ثم انتقلت إلى النرويج لمتابعة دراستها للدكتوراه في الفيزياء بجامعة بيرغن.

أتيحت لها الفرصة للبقاء في النرويج بشكل دائم، لكنها عادت إلى الضفة الغربية للتدريس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. تتذكر قائلةً: «قال لي جميع زملائي النرويجيين في ذلك الوقت: هل أنتِ مجنونة؟ لكنني قلت لهم: «هذا هو الوطن، وأنا في مهمة».

والآن، تعمل خاطر أستاذة في جامعة بيرزيت، وهي من أوائل الفلسطينيين الذين مارسوا مهنة دراسة طبيعة وسلوك الجسيمات دون الذرية. وقالت: «لم يتخيل كثير من الناس أبداً أن هناك علوماً توجد في فلسطين».

وأضافت أن غياب مجتمع بحثي صحي في الضفة الغربية المحتلة يحد من فرصها للتعاون العلمي، لذا فقد سعت إلى بناء شبكة. وقد دعت زملاء أوروبيين للتحدث في جامعات الضفة الغربية، ودفعت طلاب الفيزياء الفلسطينيين لحضور برامج بحثية صيفية في الخارج.

وقالت إن البحث النظري يمكن أن يزدهر في الضفة الغربية، لكنَّ «الفيزياء التجريبية ليست لها أي فرصة تقريباً». وأوضحت أن الجامعات تكافح لدفع ثمن المعدات والبنية الأساسية للمختبرات، وتعتمد على التبرعات.

مرصد جامعة بيرزيت

وقد افتُتح في عام 2015، وهو أحد المرافق الفلكية القليلة في الضفة الغربية. موَّله رامز حكيم، رجل أعمال فلسطيني - أمريكي. وقالت خاطر: «كانت هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لطلابنا رؤية تلسكوب والنظر إلى السماء».

حتى عندما يتم تأمين التمويل، قد يكون من الصعب استيراد الأدوات التجريبية إلى الضفة الغربية وغزة، لأن بعض المعدات اللازمة للبحث يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية. تصنف إسرائيل مثل هذه السلع على أنها «استخدام مزدوج» وتتطلب إذناً للمدنيين في الأراضي الفلسطينية لشرائها.

التدريس عن بُعد في الضفة الغربية

بعد هجوم 7 أكتوبر، بدأت خاطر وأعضاء هيئة التدريس الآخرون في جامعتها التدريس عن بُعد. وقالت إن زيادة نقاط التفتيش في الضفة الغربية، نتيجة للوجود العسكري الإسرائيلي المتزايد بعد هجوم «حماس»، جعلت من الصعب على الطلاب والأساتذة حضور الفصول الدراسية شخصياً. استؤنفت التدريس وجهاً لوجه بشكل محدود في الربيع الماضي. ولكن بعد ذلك في أكتوبر، بعد وقت قصير من شن إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل تسبب في سقوط الشظايا على الضفة الغربية، أعلنت بيرزيت أن واجبات التدريس والإدارة ستنتقل عبر الإنترنت من أجل السلامة.

أمضت خاطر الصيف في تدريس دورة فيزياء عبر الإنترنت للطلاب في قطاع غزة. وقالت إن تسعة عشر طالباً سجلوا، لكن أكثر من نصفهم تركوا الدراسة لأنهم يفتقرون إلى الكهرباء المستقرة أو الوصول إلى الإنترنت.

د. ضحى البرغوثي

طبيبة وابنة عالم في الفيزياء الفلكية

ضحى البرغوثي (25 عاماً). درست الدكتورة ضحى البرغوثي، وهي طبيبة باطنية في الضفة الغربية، الطب لمدة ست سنوات في جامعة القدس. أنهت عامها التدريبي أو التدريب بعد التخرج في أكتوبر من العام الماضي، قبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب.

كان مستشفى «المقاصد» في القدس، حيث تدربت البرغوثي، على بُعد بضع دقائق فقط سيراً على الأقدام من منزلها. ولكن حتى قبل الحرب، كان عليها أن تغادر مبكراً لساعات للتنقل عبر نقاط التفتيش المطلوبة للوصول إلى العمل في الوقت المحدد. بعد 7 أكتوبر 2023، داهم جنود إسرائيليون مستشفى «المقاصد»، واعتقلوا المرضى من غزة وأقاربهم.

في أكتوبر الماضي، اعتُقل والد ضحى، عماد البرغوثي، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة القدس، ووُضع قيد الاعتقال الإداري، وهي ممارسة تُستخدم لاحتجاز الفلسطينيين دون توجيه اتهامات رسمية، للمرة الرابعة.

بعد اعتقاله الأول في عام 2015، منعته السلطات الإسرائيلية من مغادرة الضفة الغربية، وهو ما قالت ضحى البرغوثي إنه قيَّد فرصه في التعاون العلمي.

في بيان لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال الجيش الإسرائيلي إن عماد البرغوثي اعتُقل بسبب شكوك في «العضوية والنشاط في جمعية غير قانونية، والتحريض والمشاركة في أنشطة تُعرِّض الأمن الإقليمي للخطر». فيما صرّح عالم الفيزياء الفلكية بأنه ليس منتمياً أو مؤيداً لـ«حماس».

بعد ستة أشهر من الاعتقال، أُطلق سراح والدها فيما وصفته البرغوثي بـ«ظروف صحية مروعة»، بما في ذلك فقدان الوزن الشديد، والاشتباه في كسر الأضلاع وتلف الأعصاب في أصابعه.

د. رامي مرجان (الى اليسار)

مركّبات جديدة مضادة للسرطان

* رامي مرجان (50 عاماً). وصف رامي مرجان، الكيميائي العضوي في الجامعة الإسلامية في غزة، حياته المهنية بأنها طريق مليء بالعقبات، حيث قضى سنوات في محاولة إنشاء مجموعة بحثية وقليل من الأدوات العلمية أو المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لإجراء تجارب متطورة. وكتب في نص لصحيفة «التايمز»: «ليست لدينا بنية أساسية للبحث».

يركز مرجان على إنشاء مركَّبات جديدة ذات تطبيقات محتملة في الأدوية المضادة للبكتيريا والفطريات والسرطان. وهو يستخدم التخليق متعدد الخطوات، وهي تقنية تخضع فيها المركّبات المبدئية لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحويلها إلى المنتج النهائي المطلوب. تتطلب هذه العملية استخدام المذيبات والأجهزة لتحديد التركيب الكيميائي للمركب في كل خطوة، ولكن لأن كثيراً من هذه الأدوات تعدها إسرائيل معدات ذات استخدام مزدوج، فإن مرجان وزملاءه غير قادرين على أداء ذلك بشكل صحيح.

«غزة أجمل مكان في وطني»

تمكن مرجان من نشر بعض أعماله في المجلات الأكاديمية. لكنه قال إن نقص الموارد في غزة حدَّ من إنتاجه البحثي مقارنةً بأبحاث زملائه في الخارج.

وقد حصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر في عام 2004، ثم عاد إلى غزة. وقال: «أردت أن أنقل الخبرة والمعرفة إلى شعبي». أجبره العنف على إخلاء منزله في مدينة غزة والانتقال إلى دير البلح، وهي مدينة في الجزء الأوسط من غزة تعرضت لإطلاق النار حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما قال إنها «مراكز قيادة وسيطرة» لـ«حماس» هناك.

واعترف مرجان بأن قراره العودة إلى القطاع منعه من تحقيق أحلامه في مهنة علمية. لكنه لم يندم على ذلك، وقال: «غزة هي أجمل مكان، وهي جزء صغير من وطني».

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً