اتهامات متبادلة بين أنقرة و«قسد» حول تفجير تل أبيض

الدورية التركية ـ الروسية العاشرة تسير بين رأس العين والقامشلي

رجل يقف بالقرب من سيارة انفجرت في تل أبيض شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
رجل يقف بالقرب من سيارة انفجرت في تل أبيض شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
TT

اتهامات متبادلة بين أنقرة و«قسد» حول تفجير تل أبيض

رجل يقف بالقرب من سيارة انفجرت في تل أبيض شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
رجل يقف بالقرب من سيارة انفجرت في تل أبيض شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)

سيرت القوات التركية والروسية الدورية البرية المشتركة العاشرة شرق نهر الفرات في شمال شرقي سوريا، في وقت تبادلت أنقرة و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الاتهامات إزاء المسؤولية حول تفجير في تل أبيض شرق الفرات أمس.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان أمس (السبت)، إنه تم استكمال الدورية البرية العاشرة بين رأس العين والقامشلي، بمشاركة 4 مركبات مدرعة من كل جانب، بالإضافة إلى طائرات مسيرة، على مسار بعمق 9 كيلومترات وامتداد 38 كيلومترا، وذلك في إطار تفاهم سوتشي الموقع بين تركيا وروسيا في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
في السياق ذاته، عبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عن اعتقاده بأن الدوريات التركية الروسية المشتركة ستكون أكثر فائدة ونجاحا في متابعة التطورات في المنطقة من كثب خلال الأيام المقبلة. ولفت أكار إلى أنه يتم حاليا بحث إنشاء نقاط مراقبة في المنطقة، إضافة إلى الدوريات المشتركة، وسيتم البت في الموضوع خلال الأيام المقبلة.
وعن إبعاد عناصر وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود التركية، قال أكار إن الوقائع على الأرض تظهر أن بعض العناصر ما زالوا في المنطقة، حيث إن نيران التحرش لا تزال متواصلة من قبل من وصفهم بـ«الإرهابيين» (عناصر الوحدات الكردية)، وإن اللقاءات مع الروس ما زالت مستمرة من أجل إخراج جميع المجموعات الإرهابية من المنطقة.
ودارت معارك عنيفة، أمس، بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تقودها الوحدات الكردية، من جانب، والقوات التركية والفصائل السورية الموالية من جانب آخر، قرب بلدة عين عيسى الاستراتيجية شمال شرقي سوريا، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المرصد إن معارك عنيفة تدور بالقرب من بلدة عين عيسى الاستراتيجية، إذ تحاول قسد منع تقدم القوات التركية والفصائل الموالية لها باتجاهها، مشيرا إلى أن القوات التركية تدعم الفصائل الموالية لها على الأرض، والتي تبعد كيلومترا واحدا من البلدة، بالقصف المدفعي والطائرات المسيرة.
وعلقت تركيا في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عملية «نبع السلام» العسكرية التي انطلقت في التاسع من الشهر ذاته، واستهدفت مناطق سيطرة قسد في شرق الفرات، بعد اتفاق مع واشنطن تبعه تفاهم آخر مع روسيا في سوتشي نصّ على انسحاب المقاتلين الأكراد من المنطقة الحدودية وتسيير دوريات مشتركة فيها. ورغم تعليق العملية، تخوض القوات التركية والفصائل الموالية لها منذ أسابيع معارك مع قسد جنوب المنطقة التي سيطرت عليها في محيط الطريق الدولي «إم 4» الذي يصل محافظة الحسكة (شرق) باللاذقية (غرب) ويمر ببلدة عين عيسى.
ونددت الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا، في بيان، بـ«العدوان بمختلف أنواع الأسلحة والمدفعية» على عين عيسى، التي تُعد أبرز البلدات الواقعة تحت سيطرة قسد، في شمال الرقة والتي تضم مواقع لها.
وقالت: «تستمر (دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها) في خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم في سوتشي بين روسيا وتركيا واحتلال المزيد من مناطقنا... اليوم يتم بشكل علني وأمام مرأى العالم استهداف بلدة عين عيسى بشكل همجي وعدواني حيث تم العدوان بمختلف أنواع الأسلحة والمدفعية صباح هذا اليوم (أمس) ولا يزال مستمراً».
وتمارس القوات التركية والفصائل الموالية لها، وفق المرصد السوري، سياسة القضم التدريجي التي مكنتها خلال الأسابيع الماضية من السيطرة على عشرات القرى الصغيرة قرب الطريق الدولي «إم 4».
في الوقت ذاته، اتهمت وزارة الدفاع التركية، في بيان، وحدات حماية الشعب التركية بتنفيذ هجوم بسيارة مفخخة استهدف مدنيين في تل أبيض الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها في شمال شرقي سوريا، وتسبب في مقتل 3 مدنيين وإصابة أكثر من 20 آخرين، وفق معلومات أولية.
وقالت الوزارة إن «التنظيم الإرهابي» (الوحدات الكردية) يواصل هجماته التي تستهدف المدنيين الأبرياء». اليوم (أمس) أيضا، هاجم الإرهابيون قتلة الأطفال، المدنيين برأس عملهم في المنطقة الصناعية بتل أبيض عبر سيارة مفخخة».
بدوره، أحصى المرصد السوري 9 قتلى على الأقل وإصابة نحو 20 آخرين في الانفجار. وقال في بيان، إن الانفجار كان ضمن سلسلة انفجارات تعرضت لها مناطق ريف الرقة الشمالي، مشيرا إلى أن عدد القتلى الذي لم تتبنه أي جهة حتى الآن «مرشح» للارتفاع نظرا لوجود حالات خطيرة بين المصابين.
وحمل المتحدث باسم قسد، مصطفى بالي، القوات التركية والفصائل الموالية لها المسؤولية عن الانفجار، الذي وقع في حي يقطنه الأكراد، معتبرا أن الهدف منه هو إرهاب الأكراد وإجبارهم على النزوح استمرارا لمسلسل التطهير العرقي الذي تمارسه تركيا.
وأضاف: «نعتقد أن الجهة التي تقف وراء التفجير الذي وقع في مدينة تل أبيض ورأس العين هي المخابرات التركية».
في غضون ذلك، عاد عشرات السوريين اللاجئين في تركيا إلى مدينة رأس العين التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الموالية لها في شمال شرقي سوريا. وقالت مصادر إعلامية إن نحو 70 سورياً، بينهم نساء وأطفال، وصلوا برا إلى مدينة رأس العين السورية تحت إشراف الجيش التركي والفصائل الموالية له، في أول عمليات عودة السوريين إلى المنطقة.
وقالت مصادر محلية في جرابلس الواقعة ضمن منطقة «درع الفرات» التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الموالية لها، إن السلطات التركية تعكف على نقل عائلات العسكريين والمدنيين المقيمين الآن في مناطق متفرقة من ريفي حلب الشمالي والشرقي، إلى مناطق أخرى تقع شرق نهر الفرات.
وقالت المصادر إن الحكومة التركية افتتحت مكتباً أمنياً خاصاً في المعبر الحدودي بمنطقة جرابلس لتسجيل قوائم بأسماء العائلات الراغبة بالانتقال إلى منطقة تل أبيض بريف محافظة الرقة الشمالي والمناطق التي سيطرت عليها تركيا في شرق الفرات.
ووفقاً للمصادر، فإنّ الأولوية في تسجيل الطلبات ومنح أذون العبور هي لعائلات العسكريين من عناصر الفصائل الموالية لتركيا.
وكانت 100 عائلة من السوريين اللاجئين في تركيا وصلت، الخميس، إلى تل أبيض، ليبلغ عدد العائلات العائدة من تركيا نحو 250 عائلة، معظمها من عائلات المنطقة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.