انتقادات حادة للبرهان على رفضه تسليم البشير للجنائية الدولية

تجمع المهنيين: مصير الرئيس المعزول يحدده «أصحاب الحق»

عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)
عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)
TT

انتقادات حادة للبرهان على رفضه تسليم البشير للجنائية الدولية

عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)
عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)

وجه تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» انتقادات حادة لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، على خلفية تصريحه بعدم تسليم الرئيس المعزول عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية، التي تطالب بتسليمه على خلفية اتهامات بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم تصفية عرقية.
وقال المتحدث باسم «إعلان الحرية والتغيير» وجدي صالح في تصريحات أمس، إن رئيس مجلس السيادة مسؤول عن تصريحاته وليست الحكومة التي تسعى لتوحيد خطاب الأجهزة الانتقالية. وأشار صالح لاتفاق بين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية، بشأن تطبيق العدالة الدولية والوطنية بمواجهة المطلوبين والمتهمين بجرائم ضد الشعب السوداني، ونصت عليه الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية.
وفيما يمكن وصفه بأنه رد الفعل «الأعنف» من قبل التجمع الذي مثل رأس رمح الثورة التي أطاحت نظام الإنقاذ، ضد رئيس مجلس السيادة، قال التجمع في بيان صدر أمس، إن الفريق أول البرهان قطع في مقابلة تلفزيونية بعدم تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، استباقا للأحداث حول محاكمة البشير. واعتبر البيان أن التصريحات بمثابة استباق لـ«التشاور الجاري حول أفضل السبل لضمان عقاب المجرم المخلوع عن جرائم نظامه في دارفور»، وتابع: «هو استباق غير مقبول، كون مسألة محاكمة البشير على جرائم نظامه في دارفور مناطها أولاً، الوصول إلى معادلة ترضي أصحاب الشأن، ضحايا الإبادة العرقية والجرائم ضد الإنسانية في قرى وبلدات ومدن دارفور».
وأقر التجمع بسلطة المحكمة الدولية في التدخل «إذا كان القضاء المحلي غير راغب أو غير قادر على ملاحقة ومحاسبة المسؤولين»، بيد أنه رفض انطباق ذلك على القضاء السوداني، لكنه أثبت حق الضحايا ورغبتهم في رؤية البشير «مقاداً إلى العدالة الدولية في لاهاي خزياً له ومن ائتمر بأمره وشفاءً لصدور المكلومين». وشدد على إيجاد صيغة لتسليم البشير لا ترسل إشارة «غير مرغوبة» عن وضع القضاء بعد الثورة، وتحفظ رغبات المظلومين «ولا تطأ في الوقت ذاته على مشاعر الضحايا».
وقطع البيان أن مصير البشير يقرره أصحاب الحق، وأن القرار بشأن محاكمته على جرائم دارفور «لن يكون سوى ترجمة لما يُرضي ذوي الضحايا وعموم النازحين، ولن يقضيه من ورائهم أو يفرضه عليهم من علٍ كائناً من كان».
ودعا التجمع أعضاء مجلس السيادة وممثلي الشعب في السلطة الانتقالية لاستصحاب «قيم ثورة ديسمبر الظافرة»، مشيراً إلى أنهم في مناصبهم الحالية بسبب نضالات جماهير الشعب، معتبراً موقفه من التصريحات مراجعة وتقويما لحكومة الثورة، بقوله: «لا كبير على المراجعة والتقويم متى لزم الأمر».
ونقلت وسائط إعلام عديدة عن البرهان قوله أول من أمس، إن حكومته لا ترغب في تسليم الرئيس المعزول عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وإن القضاء السوداني يتمتع بالاستقلال، ويحظى بثقة الجميع بما يكفل له محاكمة أي شخص. وبرغم حرص الحكومة الانتقالية على إعادة تأسيس المؤسسات العدلية والقضائية في البلاد، بما يحقق استقلالها ونزاهتها، وجعلها ذات كفاءة لمحاكمة جرائم نظام الإنقاذ، إلاّ أن ضحايا الحروب في البلاد، وعلى وجه الخصوص ضحايا حرب دارفور يتمسكون بتسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وينتظر أن تصدر أحكام في حق البشير منتصف الشهر المقبل، على مقاضاته بالثراء الحرام والفساد وحيازة نقد أجنبي بشكل غير مشروع، بعد العثور على أكثر من 5 ملايين دولار في مسكنه الرئاسي بعد القبض عليه عشية سقوط نظامه، وهي اتهامات تصل عقوبتها إلى السجن أكثر من 10 سنوات حال إدانته بها. كما تجري النيابة العامة تحقيقاً مع البشير، ومدبري انقلاب الإنقاذ 30 يونيو (حزيران) 1989. ويواجهون اتهامات بتقويض النظام الدستوري، وإطاحة نظام ديمقراطي منتخب بانقلاب عسكري، وتصل العقوبة في هذه الاتهامات حال الإدانة إلى «السجن المؤبد أو الإعدام».
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي قبض ضد البشير، بخمس اتهامات في جرائم ضد الإنسانية «القتل العمد، الإبادة، النقل القسري، التعذيب والاغتصاب»، وتهمتي جريمة حرب «الهجوم على السكان المدنيين، النهب»، وثلاث جرائم إبادة جماعية ضد مجموعات عرقية دارفورية، خلال الفترة 2003 – 2008.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.