النقابات تدخل على خط محادثات تشكيل الحكومة التونسية المقبلة

TT

النقابات تدخل على خط محادثات تشكيل الحكومة التونسية المقبلة

في حين واصل الحبيب الجملي، رئيس الحكومة التونسية المكلف، محادثاته «المضنية» لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية الطامحة للمشاركة في الائتلاف الحاكم، وتجاوز رفض الأطراف السياسية لبعضها بعضاً، تخوض لجنة صياغة البرنامج الاقتصادي للحكومة الجديدة مشاورات لا تقل «ضراوة» عن اللقاءات السياسية، اعتباراً إلى الخلافات الكثيرة بين الأفرقاء السياسيين حول الأولويات الحكومية.
وخصص الجملي لقاءاته التشاورية أمس لرؤساء المنظمات الاجتماعية والنقابية، في خطوة تهدف إلى إشراك جميع الأطراف في هذه المشاورات، قبل الإعلان عن برنامج عمل الحكومة المرتقبة، وأسماء الفريق الحكومي الذي سينفذ هذا البرنامج، حيث التقى نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل (نقابة العمال)، وسمير ماجول، رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (مجمع رجال الأعمال)، وإبراهيم بودربالة، عميد المحامين (نقابة المحامين)، علاوة على راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة، وعبد المجيد الزار، رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة الفلاحين).
وخلال هذا اللقاء، دعا سمير ماجول، رئيس مجمع رجال الأعمال، رئيس الحكومة إلى تعيين شخصيات تمتاز بالكفاءة لترؤس الوزارات كافة. وقال في تصريح إعلامي عقب لقائه رئيس الحكومة المكلف، إن الأحزاب السياسية «تفتقر للكفاءات»، ودعاها إلى الاكتفاء بالعمل البرلماني، والابتعاد عن المشاغل الاقتصادية، على حد تعبيره. مقترحاً التوجه نحو تنفيذ برنامج إنقاذ اقتصادي خلال السنوات الخمس المقبلة، واعتبر أن جميع الأحزاب «خسرت الانتخابات الأخيرة بالنظر إلى التراجع الكبير الذي ميز نتائج بعضها، وتراجع البعض الآخر».
وللتأكيد على صعوبة المشاورات وتعقد مسارها، استقبل الحبيب الجملي قياديين في حزب «قلب تونس» (الثاني في البرلمان من حيث عدد المقاعد)، هما حاتم المليكي والصادق جبنون، للمرة الثانية على التوالي، وذلك في إطار محادثات تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يفسر إصرار الجملي على التشاور مع هذا الحزب، الذي يرأسه نبيل القروي، رغم إعلان راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، استثناءه من الحكم.
قال المليكي في تصريح إعلامي بعد لقائه رئيس الحكومة المكلف، إن الاجتماع «خصص هذه المرة لصياغة برنامج عمل الحكومة، ولا علاقة له بالجوانب السياسية»، في إشارة إلى رفض حركة النهضة مشاركة حزب «قلب تونس» في تركيبة الحكومة المقبلة. معتبرا أن «النهضة» تبقى الخصم السياسي الأول لحزبه.
وبخصوص تصويت أعضاء البرلمان الممثلين لـ«قلب تونس» لرئيس حركة النهضة خلال التصويت لرئاسة البرلمان، قال المليكي إن ذلك حدث باتفاق ظرفي بين الطرفين، حصل من خلاله الحزب على منصب نائب أول لرئيس البرلمان، ممثلاً في سميرة الشواشي التي فازت بهذا المنصب. أما مشاركة الحزب في الحكومة «فهي ليست بأيدي قيادات (النهضة)، بل تخضع لمفاوضات ومشاورات مع رئيس الحكومة المكلف»، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، قال المحلل السياسي التونسي خليل الحناشي، إن لعبة المصالح السياسية بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة «قد تفرز مفهوم الشريك السياسي غير الممثل في الحكومة»، وهو ما يتطلب دعم حزب سياسي للحكومة، والمساهمة في بلورة برنامجها والتصويت لفائدتها لنيل ثقة البرلمان، دون أن تكون له بالضرورة حقائب برلمانية، وهذا الأمر قد ينطبق على حزب «قلب تونس» الذي يترأسه نبيل القروي، وربما يمتد إلى حزب «ائتلاف الكرامة»، الذي يتزعمه سيف الدين مخلوف.
وعلى صعيد متصل، اعتبر الإعلامي التونسي صلاح الدين الجورشي بعد استقباله من قبل الحبيب الجملي، أن «اللاءات» التي رفعتها الأحزاب ضد بعضها بعضاً قبل تشكيل الحكومة «تمثل إحدى العقبات الأساسية التي تواجه رئيس الحكومة المكلف، وقد تجعل من عملية تشكيل الحكومة عملية شبه مستحيلة»، على حد تعبيره.
وبخصوص مباحثات «لجنة التشاور» مع الأحزاب السياسية حول صياغة البرنامج الاقتصادي للحكومة، قال محمد الحامدي، قيادي حزب التيار الديمقراطي (يساري حصل على 22 مقعداً برلمانياً)، إن المحادثات «تركزت حول برنامج عمل الحكومة، وهيكلة رئاسة الحكومة، والإجراءات العاجلة الواجب اتخاذها للخروج من الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب». موضحاً أن حزب «التيار» اشترط على رئيس لجنة صياغة البرنامج الحكومي، أن تكون وثيقة الحكم التي تقدمت بها حركة النهضة «مجرد سند للنقاش بين مختلف الأطراف السياسية المهتمة بالمسار الحكومي، دون منحها السند السياسي النهائي» على حد تعبيره.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.