مجزرة ضد مخيم للنازحين في إدلب نفذها النظام

سوريون فروا من المعارك ليكونوا على موعد مع الموت قرب الحدود التركية

سوريون يعاينون أمس الدمار الناجم عن قصف شنته قوات النظام على مخيم قاح في محافظة إدلب الليلة قبل الماضية (د.ب.أ) - امرأة تحمل طفلة أصيبت في القصف (أ.ف.ب)
سوريون يعاينون أمس الدمار الناجم عن قصف شنته قوات النظام على مخيم قاح في محافظة إدلب الليلة قبل الماضية (د.ب.أ) - امرأة تحمل طفلة أصيبت في القصف (أ.ف.ب)
TT

مجزرة ضد مخيم للنازحين في إدلب نفذها النظام

سوريون يعاينون أمس الدمار الناجم عن قصف شنته قوات النظام على مخيم قاح في محافظة إدلب الليلة قبل الماضية (د.ب.أ) - امرأة تحمل طفلة أصيبت في القصف (أ.ف.ب)
سوريون يعاينون أمس الدمار الناجم عن قصف شنته قوات النظام على مخيم قاح في محافظة إدلب الليلة قبل الماضية (د.ب.أ) - امرأة تحمل طفلة أصيبت في القصف (أ.ف.ب)

لم يتخيل نازحون لجأوا منذ سنوات إلى مخيم قرب الحدود التركية أن صاروخاً سيلاحقهم إلى عقر خيمهم التي ظنوا أنها تحميهم من نيران المعارك على الأرض في شمال غربي سوريا.
فقد حصدت ضربة صاروخية نفذتها قوات النظام الليلة قبل الماضية، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، حياة 16 مدنياً، بينهم 8 أطفال، و6 نساء، من عائلات تقيم في مخيم للنازحين في قرية قاح في محافظة إدلب. وغداة القصف، بدا حجم الأضرار في المخيم الذي يؤوي 3800 شخص، موزعين على عشرات الخيم المغطاة بشوادر بلاستيكية زرقاء أو بيضاء اللون، كبيراً. خيمة ذات جدران مبنية من حجارة الخفان، مؤلفة من غرف عدة سوّيت بالأرض، وتبعثر ما تبقى من محتوياتها، بينما لا يزال هيكلها الحديدي مثبتاً. وحدها سجادة خضراء وأسطوانة غاز حمراء اللون بقيتا في مكانهما، بينما احترق كل شيء حولهما. في غرفة أخرى، ثياب ملونة وعبوات بلاستيكية مبعثرة وباب خشبي أبيض.
وروى أبو محمود، الذي نزح مع عائلته وأشقائه من محافظة حماة المجاورة قبل 7 سنوات، لوكالة الصحافة الفرنسية: «بعد صلاة العشاء، سمعنا دوي انفجار قوياً (...) جئت لتفقد منزل أخي لأجد النار مشتعلة في الخيمة». وأضاف، بحزن وتأثر بالغين: «زوجة أخي وابنته استشهدتا، بينما أصيب هو بشظيتين وحروق في أنحاء جسمه». بدت والدته المسنة تحمل طفلة أخيه عائشة التي نجت من القصف، لكن آثاره كانت على وجهها؛ جرح تحت عينها اليمنى تجمدت دماؤه، بينما نقاط دماء يبست على خصلات شعرها الناعم. ويقول أبو محمود: «منذ 7 سنوات ونحن هنا، لم نتوقع حدوث ضربة. كنا نشعر بنوع من الأمان، لكن أن نصبح مهددين في هذه المناطق الآمنة هنا، فالوضع صعب جداً».
وغالباً ما يتوجّه النازحون هرباً من المعارك والقصف إلى المناطق الحدودية مع تركيا، باعتبارها أكثر أمناً من سواها. ومنذ نهاية أبريل (نيسان) الماضي، قتل أكثر من 1100 مدني، وفرّ أكثر من 400 ألف شخص من مناطق في محافظة إدلب، على وقع هجوم شنّته قوات النظام السوري بدعم روسي، مكّنها من السيطرة على مناطق عدة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي المجاور. وأعلنت أنقرة أنها تريد من هذا الهجوم، إرساء «منطقة آمنة» تعيد إليها جزءاً من اللاجئين السوريين على أرضها.
ورغم التوصل في نهاية أغسطس (آب) الماضي إلى وقف لإطلاق النار برعاية روسية تركية، لا تزال المنطقة تتعرض بين الحين والآخر لغارات سورية وأخرى روسية تكثفت وتيرتها مؤخراً وأوقعت عشرات الضحايا. وتسببت ضربات روسية، أول من أمس، بمقتل 6 مدنيين، بينهم 4 أطفال في مدينة معرة النعمان في جنوب إدلب، وفق المرصد. وشاهد مصوّر متعاون مع وكالة الصحافة الفرنسية مسعفاً يُخرج جثة طفلة غطّاها الغبار من تحت الأنقاض ويضعها في سيارة إسعاف.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من محافظة إدلب حيث تنشط فصائل أخرى معارضة وإسلامية أقل نفوذاً. وتؤوي إدلب مع أجزاء من محافظات مجاورة نحو 3 ملايين نسمة، نصفهم نازحون من مناطق أخرى.
وداخل مخيم قاح، الذي تحيط به أشجار زيتون خضراء، ألحقت الضربات الصاروخية أضراراً بخيم عدة.
في إحداها، شوهدت كتب تبعثرت على الأرض. وفي أخرى، أرجوحة لطفل صغير مصنوعة من غطاء ملون من الصوف وحبال معلقة بالسقف لا تزال مكانها.
في بلدة قاح، يروي مدني، سقط بقايا صاروخ ضخم لونه أخضر قرب منزله، قائلاً: «كنا نسهر في المنزل، وفجأة شعرنا بانفجار وتطايرت الشظايا. وسقط جرحى وقتلى». وقال؛ بينما كان يشير إلى هيكل صاروخ خلفه: «عندما خرجت من منزلي لم أرَ إلا هذا الصاروخ قرب الحائط، وقد أدى إلى تضرر جراري الزراعي». وتابع بانفعال: «هذا ليس بصاروخ، إنه مصيبة كبيرة».
ويؤكد أبو محمد، وهو أحد سكان المخيم، من جهته أنها المرة الأولى منذ أكثر من 8 سنوات التي تُستهدف فيها المنطقة. ويقول: «منطقة آمنة هذه! أين المنطقة الآمنة هنا؟ هذا الأمر لا يجوز، كل دول العالم ضد هذا الشعب. نريد شيئاً نثبت عليه، ليتركونا وشأننا».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».