«الخصم والصديق» يروي تفاصيل السنوات الأخيرة من حياة الحسن الثاني

الجزء السادس من «أيام زمان» للإعلامي المغربي الصديق معنينو

محمد الصديق معنينو
محمد الصديق معنينو
TT

«الخصم والصديق» يروي تفاصيل السنوات الأخيرة من حياة الحسن الثاني

محمد الصديق معنينو
محمد الصديق معنينو

صدر أخيرا الجزء السادس والأخير من سلسلة «أيام زمان» للصحافي والإعلامي المغربي محمد الصديق معنينو، تحت عنوان «الخصم والصديق»، الذي يتضمن تفاصيل عن السنوات الخمس الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني.
وجاء في تقديم هذا الكتاب، الذي يقع في 326 صفحة من الحجم المتوسط، والصادر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، أن «معنينو تناول السنوات الخمس الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني، وما استطاع أن يحققه من أجل سلاسة مرور الحكم حفاظا على رأسمال وطني تجتمع حوله الآراء والأحلام والمتطلبات... وأنه خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي، عمت موجة من التفاؤل والترقب في انتظار مصالحة وطنية تجمع ما كان متناثرا وتوحد ما كان متباعدا وتجعل البلاد مهيأة لضمان الهدوء والاستمرار».
وذكر التقديم بأن «جنازة الملك الراحل، وما رافقها من انتظام شعبي غير مسبوق وحضور عالمي مثير للافتخار والارتياح، والتحام حول الملك محمد السادس، ملكا وأميرا للمؤمنين، كل هذه العوامل جعلت ذكرى الحسن الثاني حاضرة بقوة في الشعور الوطني والذاكرة الجماعية، مما يؤشر على نجاحه حيا وميتا في ضمان الاستقرار، وهي نعمة لا يشعر بها إلا أولئك الذين افتقدوها وسط عنف ومواجهات أقلقت الكثير من الدول والشعوب».
وذكر معنينو، الذي شغل منصبي مدير التلفزيون ووكيل وزارة الإعلام، أن سلسلة «أيام زمان» هي محاولة للمساهمة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، ذلك المخزون المشترك الذي يتآكل مع مرور السنوات والعقود «فيحول شعوبا بكاملها إلى مرضى زهايمر لا تتذكر ما عاشته ولا هي قادرة على رؤية ما هي قادمة عليه»، وأنه «كيفما كان الحكم على المذكرات، وما أقلها في بلادنا، فإنها تكون مصدرا غنيا للباحث والمهتم بفترة زمنية معينة (...) وهي جزء من تراكم معرفي لا بد من استغلاله من أجل فهم أعمق لظاهرة الذاكرة واستخلاص العوامل السردية والذاتية والسياسية والاجتماعية فيها».
وأشار معنينو إلى أن «أيام زمان هي جزء من هذا التراكم المعرفي، لا تدعي الإحاطة بكل جوانب الحياة الوطنية خلال الأربعين سنة الماضية ولا تدعي الانفراد بحقيقة التطورات التي عرفتها، ولكنها في نهاية المطاف جدول هادئ يتماهى بين الجبال لينضم إلى الجداول الأخرى لتصب في الوادي الكبير».
وتضمن الكتاب مجموعة من المواضيع التي جاءت ضمن ثمانية عناوين كبرى تحت اسمى «تمر الأيام»، و«سنوات الأمل»، و«من الثورة إلى الثروة»، و«المخاض»، و«في قبة العرش»، و«نهاية المطاف»، و«الباقيات من البصريات».
كما تضمن الكتاب فضلا عن تمهيد قصير، مقالا للصحافي عبد العزيز كوكاس تحت عنوان «مذكرات أيام زمان لمعنينو... من ذاكرة السلطة إلى سلطة الذاكرة»، تحدث فيه عن هذه المذكرات، سواء على مستوى ما تضمنته من معلومات أو عن الأهمية التي تكتسيها حفاظا على الذاكرة.
وإلى جانب ذلك، تضمن الكاتب «وجهة نظر» للدكتور مصطفى القباج، هي عبارة عن رسالة بعثها إلى معنينو بعد اطلاعه على الجزء الرابع من «أيام زمان».



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.