«أطباء بلا حدود» في خط الدفاع الأول ضد «إيبولا»

كانت السباقة لإقامة المراكز العلاجية.. وإشادات عالمية بدورها الميداني في غرب أفريقيا

مدخل مركز صحي أقامته منظمة «أطباء بلا حدود» لعلاج المصابين بفيروس إيبولا في مونروفيا (أ.ف.ب)
مدخل مركز صحي أقامته منظمة «أطباء بلا حدود» لعلاج المصابين بفيروس إيبولا في مونروفيا (أ.ف.ب)
TT

«أطباء بلا حدود» في خط الدفاع الأول ضد «إيبولا»

مدخل مركز صحي أقامته منظمة «أطباء بلا حدود» لعلاج المصابين بفيروس إيبولا في مونروفيا (أ.ف.ب)
مدخل مركز صحي أقامته منظمة «أطباء بلا حدود» لعلاج المصابين بفيروس إيبولا في مونروفيا (أ.ف.ب)

عندما بدأ فيروس إيبولا بالانتشار في سيراليون قبل عدة أشهر، تقدم المسؤولون الحكوميون في هذا البلد بشكل عاجل إلى منظمة «أطباء بلا حدود»، وهي الهيئة الطبية الخيرية التي بدا موقفها مهما لتفادي الفوضى. وقال والتر لورينزي، المنسق السابق للمنظمة لدى سيراليون «طلبوا منا أن نكون في كل الأماكن. لم يكونوا يعرفون ما ينبغي القيام به».
بعد فترة ليست بالطويلة افتتحت المنظمة مركزا للعلاج في كايلاهون بشرق سيراليون، وهو مركز أنشئ في الأدغال خلال اثني عشر يوما فقط. وقبل افتتاح مركز آخر خلال ثلاثة أسابيع أخرى في جنوب مدينة بو، أدارت المنظمة ثلاث مناوبات من العاملين، على مدار 24 ساعة في اليوم، عندما أعاقت الأمطار اليومية وأعطال المعدات بناء المركز.
تعد «أطباء بلا حدود» أول منظمة تحركت لمواجهة أزمة إيبولا في غرب أفريقيا، ولا تزال هي الهيئة الدولية الأولى في المساعدات الطبية التي تكافح ذلك الوباء هناك. وفي الوقت الذي انهارت فيه كل النظم الصحية المحلية ولم تف غالبية المؤسسات الخارجية، بما فيها الجيش الأميركي، بتعهداتها للمساعدة بعد، أقامت منظمة «أطباء بلا حدود» ستة مراكز للعلاج في غرب أفريقيا، مع خطط لبناء المزيد.
بذل عمال المنظمة جهودهم في علاج غالبية المرضى، تماما كما فعلوا في التفشي السابق لذات الوباء، إيبولا، وغيره من الأوبئة الأخرى في الدول النامية. غير أن المنظمة، على الرغم من ذلك، استغرقها حجم هذه الكارثة. وتوترت الأمور كثيرا في سيراليون إثر عدد الحالات الكبير، على الرغم من قلقها حيال قرار اتخذه مسؤولو الصحة والحكومة، أول من أمس، بعلاج معظم المرضى في منازلهم بسبب نقص عدد الأسرة في العيادات.
وفي غينيا، ذكرت المنظمة في اليوم السابق أن اثنين من مراكز العلاج قد استهلكا إلى أقصى حد ممكن. وفي ليبيريا، تحاول المنظمة تحسين جودة الرعاية الطبية المقدمة في منشأة مونروفيا التابعة لها.
وفي الوقت التي تدير فيه مراكزها المتقدمة في مناطق الحروب وغيرها من المناطق الخطرة، اجتهدت المنظمة خلال الأسابيع الأخيرة لفعل المزيد حيال وباء إيبولا، حيث تعمل على تدريب الموظفين على أرض الواقع، وتفتتح مركزا للتدريب في بروكسل لغير المنتمين إليها، وذلك لأول مرة، وتوفر الإرشادات إلى الآخرين الراغبين في الانضمام إلى المعركة.
تقول الدكتورة جوان ليو، الرئيسة الدولية للمنظمة، التي تعرف أيضا باسم (MSF) «قررنا تصعيد جهودنا، وتنفيذ الأشياء التي لم تكن تنفذ من قبل». يذكر أن المنظمة قررت منذ فترة طويلة أنه لا يمكنها الاعتماد على الحكومات وغيرها من الهيئات، ومن ثم شيدت بنية تحتية عالمية تعمل على استدامة سلسلة قوية من الإمدادات إلى ميادين العمل، مثلما يجري في الجيوش العاملة في المناطق النائية. وتنتقد منظمات الإغاثة الأخرى حالة الغرور والتكبر لدى العمال في منظمة «أطباء بلا حدود»، وبروتوكولات السلامة الصارمة إلى حد المبالغة والإفراط والتركيز على المساعدات الفورية التي لا تقدم إلا القليل من حيث دعم النظم الصحية المحلية على المدى البعيد.
لكن المنظمة، التي نالت جائزة نوبل للسلام عام 1999، عادة ما تقوم بعملها. وحتى قادة المنظمات الذين تلقوا النقد من منظمة «أطباء بلا حدود» إزاء الاستجابة البطيئة لوباء إيبولا، امتدحوا المنظمة لأدائها في المناطق الساخنة خلال الشهور الأخيرة. ويقول الدكتور بروس إيلوارد، المدير العام المساعد لمنظمة الصحة العالمية «يساوي الكثير من الناس بين الشجاعة وبين منظمة أطباء بلا حدود، إنه قدر كبير ومتساو من الشجاعة عندما تقارن كيفية استجابت بقية المنظمات».
وتطلق منظمة «أطباء بلا حدود» على نفسها مسمى الحركة، وأن الإحساس يولد التفاعل. وأنشأت المنظمة مركزا سمته «الارتطام»، وهو مخصص للنقد الذاتي لعمل المنظمة. وتعد ثقافة المنظمة شديدة الصرامة - حيث يتجنب عمال الإغاثة الفنادق الفخمة التي يقيم فيها الموظفون الحكوميون أو موظفو الأمم المتحدة - ويتلقى الأطباء المتطوعون وكبار المديرين بالمنظمة رواتب أقل بكثير من أقرانهم في بعض منظمات الإغاثة الأخرى.
جون بلتينكس (47 عاما)، مدخن شره يرتدي سترة سوداء بالية على رداء رمادي اللون وهو من قدامى عمال الإغاثة الذين عملوا في الشيشان والكونغو وإندونيسيا، وهو يرأس فريق الخدمات اللوجيستية في بروكسل. يلقي بنظرة باهتة على المستشارين، ويرفض التبرعات التي يعتبرها أكثر في مشاكلها مما تستحق، ويقول «إنها بالنسبة لي مزحة»، واصفا العمل الذي يوفر عشرة آلاف قناع واق للوجه للحماية من إيبولا في حين أنهم يحتاجون إلى مائتي ألف قناع في كل شهر. ويضيف «ينبغي استخدام كل سنت من الأموال بقدر ما تستطيع لتحقيق النتائج المرجوة على المستوى الميداني».
اليوم، تعد منظمة «أطباء بلا حدود» الأكبر بين عدد قليل من المنظمات المكرسة لتوفير الرعاية الفورية في الأزمات الطبية الناجمة عن الصراعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية، وتوفر العديد من المنظمات الأخرى جهود الإغاثة كذلك، لكنها تركز على بناء نظم الرعاية الصحية. وجاءت تبرعات العام الماضي المقدرة بمبلغ مليار وثلاثمائة مليون دولار من تبرعات الأفراد على مستوى العالم، وفقا للتقارير المالية، وجاءت نسبة 9 في المائة من التبرعات فقط من الوكالات الحكومية. وأرسلت المنظمة نحو ستة آلاف خبير في الرعاية الصحية والإمدادات وغير ذلك إلى 67 دولة حول العالم خلال العام الماضي، ووظفت نحو ثلاثين ألف موظف محلي. وتتصاعد تلك الأرقام خلال هذا العام.
وكانت منظمة «أطباء بلا حدود» موجودة أصلا في غرب أفريقيا عندما ظهر وباء إيبولا في دولة غينيا في مارس (آذار) الماضي. وقد كانت إحدى الفرق التابعة للمنظمة هناك تكافح مرض الملاريا، القاتل المزمن، في دولة سيراليون المجاورة، حيث كان الموظفون يوفرون الرعاية للأمهات وللأطفال.
يذكر أن المنظمة الإنسانية، التي اكتسبت الخبرة من خلال علاج الأوبئة مثل الحصبة، والتهاب السحايا، والكوليرا في معسكرات اللاجئين، وتفش محدود لإيبولا في وسط أفريقيا في فترة الثمانينات، تكثف جهودها لوقف انتشار الفيروس، حيث انتقلت مجموعة من الموظفين إلى مونروفيا، في أبريل (نيسان)، لإقامة وحدة لعلاج مرض إيبولا. ومع تضاعف حالات الإصابة في المنطقة وحتى حلول موسم الصيف، أرسلت المنظمة المزيد من المتطوعين والعمال المحليين لمواكبة التطورات.
وأرسل فريق الإمدادات اللوجيستية المزيد من الموردين وابتكر أو وفّق الحلول مقابل المشكلات. وتشهد طلبات الميدان على العمل المرهق: أساور معاصم المرضى ذات الرموز الكودية التي يمكنها أن تتحمل الجرعات المتكررة من الكلورين، وهو منظف صناعي قوي يستخدم في امتصاص السوائل الملوثة، وعربة مصممة لنقل الجثث المتوفاة داخل المنطقة الوعرة.
وبدأ الفريق بإرسال أجهزة الكومبيوتر ذات أنظمة الاتصالات التي تعمل في الأدغال حتى يتسنى للمرضى تقاسم الكلمات الأخيرة مع أسرهم. ويوفر الفريق 70 ألف طقم من المطهرات إلى أسر المرضى وإلى غيرهم، بما في ذلك كل سائق للأجرة في مونروفيا. ويقول بلتينكس، مدير الدعم اللوجيستي «إن إيبولا يشبه الزلزال الأرضي الذي لا يتوقف. إنه حالة طارئة لا تنتهي بالنسبة لسلاسل التوريد».

* شارك جيمس كانتر في إعداد التقرير من بروكسل
* خدمة «نيويورك تايمز»



الإرهاب العابر للحدود يثير قلق موريتانيا والسنغال

قادة المناطق العسكرية الحدودية للدول الثلاث خلال اجتماع لنقاش مخاطر الإرهاب (الوكالة الموريتانية للأنباء)
قادة المناطق العسكرية الحدودية للدول الثلاث خلال اجتماع لنقاش مخاطر الإرهاب (الوكالة الموريتانية للأنباء)
TT

الإرهاب العابر للحدود يثير قلق موريتانيا والسنغال

قادة المناطق العسكرية الحدودية للدول الثلاث خلال اجتماع لنقاش مخاطر الإرهاب (الوكالة الموريتانية للأنباء)
قادة المناطق العسكرية الحدودية للدول الثلاث خلال اجتماع لنقاش مخاطر الإرهاب (الوكالة الموريتانية للأنباء)

قرر كل من موريتانيا ومالي والسنغال تعزيز التعاون الأمني على الحدود المشتركة بين الدول الثلاث، في ظل تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل الأفريقي، ومخاوف كبيرة من انتقال العنف الدائر في مالي إلى موريتانيا والسنغال المجاورتين.

جاء ذلك خلال لقاء أمني عقدته المناطق العسكرية الحدودية في الدول الثلاث، في مدينة سيلبابي الموريتانية اختتم (الأربعاء)، ناقش فيه القادة العسكريون وضع آلية «لتعزيز الأمن والاستقرار، وضمان السكينة للمواطنين، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود»، حسب برقية نشرتها الوكالة الموريتانية للأنباء.

الوزير الأول الموريتاني معنظيره السنغالي في نواكشوط لنقاش التحديات المشتركة (الوزارة الأولى الموريتانية)

* محاربة الإرهاب

خلال اللقاء الثلاثي، قال والي «كيدي ماغه» الموريتانية أحمد ولد محمد محمود، إن اللقاء يترجم ما سماه «إرادة قادة البلدان الثلاثة للمضي قدماً نحو كل ما من شأنه أن يعزز الأمن والاستقرار، ويضمن السكينة للمواطنين، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود».

وأكد المسؤول الموريتاني أن اللقاء «سيسفر عن توصيات مهمة، ستؤخذ في الاعتبار التعامل مع منطقة الحدود المشتركة»، مشيراً إلى أن هذه التوصيات «سيكون لها الأثر البالغ في الوصول إلى الأهداف المتوخاة منها»، دون أن يكشف عن طبيعة هذه التوصيات المرتقبة.

أما العقيد الشيخ سيدي بوي ولد السالك، قائد المنطقة العسكرية الرابعة الموريتانية المحاذية لدولتي مالي والسنغال، فقد شدّد على أن اللقاء «فرصة لتعزيز التعاون والتنسيق بين السلطات الأمنية والإدارية في المناطق الحدودية؛ لمكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والتهريب».

من جانبه، قال العقيد سيمون سار، قائد القطاع العسكري الرابع التابع للجيش السنغالي، إن بلاده «تعلق آمالاً كبيرة على التوصيات التي سيتوصل إليها المشاركون في اللقاء؛ نظراً لما لذلك من أهمية لضمان أمن الحدود وحماية مواطني وحدود البلدان الثلاثة، ونشر السكينة».

وأكد العقيد السنغالي أن الدول الثلاث «تطمح إلى خلق ظروف مواتية لسكان المناطق الحدودية، ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود».

ويأتي اللقاء الثلاثي في ظل تصاعد وتيرة الحرب على الإرهاب في دولة مالي، وتوسعها نحو دول الساحل الأفريقي، فيما يكثف «تنظيم القاعدة» من هجماته في وسط مالي، ووصوله إلى مناطق قريبة جداً من الحدود المشتركة مع موريتانيا والسنغال.

* قلق موريتاني - سنغالي

المخاوف الموريتانية والسنغالية ظهرت جلية في البيان الختامي لزيارة عمل قام بها الوزير الأول السنغالي عثمان سونكو إلى موريتانيا هذا الأسبوع، حيث أكد البلدان «التزامهما بالعمل معاً لتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية في منطقة الساحل»، خاصة فيما يتعلق بملفات «تحديات السلام، ومكافحة الإرهاب».

وعقد الوزير الأول السنغالي مباحثات في نواكشوط مع نظيره الموريتاني المختار ولد أجاي، حيث تم الاتفاق فيها على «تعزيز وتفعيل اللقاءات الدورية بين السلطات الإدارية وأجهزة الدفاع والأمن الحدودية في البلدين، وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة التي تؤثر في البلدين».

ولمواجهة التحديات الأمنية اتفقت موريتانيا والسنغال على إنشاء «إطار عملياتي»، تسند إليه مهمة تأمين الحدود من خطر الإرهاب والتطرف العنيف، وقال البلدان في البيان المشترك إن المنطقة تواجه «تحديات أمنية عابرة للحدود، بما في ذلك تهريب المخدرات والمواد المشابهة، وانتشار الأسلحة، والشبكات الإجرامية العابرة للحدود، وغسل الأموال وغير ذلك».

وأكد البلدان أنهما سيعملان على «توحيد جهودهما لإنشاء إطار استراتيجي شامل ومتكامل يوجه وينظم أمنهما المشترك»، وشددا على أهمية مكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تعد الشواطئ الموريتانية والسنغالية منطلقاً لمئات القوارب التي تنطلق نحو الشواطئ الإسبانية، وتتسبب في مقتل كثير من المهاجرين.

وكان الاتحاد الأوروبي وإسبانيا قد توجها نحو موريتانيا والسنغال لتوقيع اتفاقيات العام الماضي، لدعمها في مجال محاربة الهجرة، بينما يتوقع أن تقترح موريتانيا مشروع اتفاقية لمحاربة الهجرة على السنغاليين للتوقيع عليها «في أقرب الآجال»، حسب نص البيان المشترك.