العلاقة الملتبسة بين الثورة والإبداع

الكتابة والفن لا يخضعان للإملاءات والقرارات المسبقة

العلاقة الملتبسة بين الثورة والإبداع
TT

العلاقة الملتبسة بين الثورة والإبداع

العلاقة الملتبسة بين الثورة والإبداع

لم يحدث مرة أن قامت ثورة أو انتفاضة شعبية أو حركة احتجاج واسعة ضد السلطة القائمة، إلا ووجد الكتاب والفنانون أنفسهم في مأزق حقيقي. وهذا المأزق ليس ناجماً، في عمقه الأخير، عن انحيازهم السياسي المبدئي، باستثناء قلة من الكتبة والمنتفعين، إلى الصف الذي تقف فيه شعوبهم الثائرة على المهانة والتهميش والفقر، بل عن الطبيعة «الهلامية» للأدوات التي يمتلكونها، والتي تبدو عاجزة وبلا حيلة إزاء تحولات الواقع وأحداثه المتسارعة. صحيح أن الكاتب بوصفه مواطناً عادياً لن يجد صعوبة في التعبير عن مواقفه النضالية عبر التظاهر والاحتجاج وإصدار البيانات السياسية وغيرها، ولكن الأمر يختلف تماماً فيما يخصه كمبدع.
فهو من جهة يشعر بالحاجة إلى التعبير عن بهاء اللحظة التاريخية التي يصنعها شعبه بالعرق والدموع والدم؛ حيث يأخذ العمل الإبداعي طابع «الواجب الأخلاقي»، فيما هو يدرك من جهة ثانية أن الكتابة والفن لا يخضعان للإملاءات والقرارات المسبقة، بل يخرجان بشكل تلقائي من المناطق الأشد حلكة للنفس الإنسانية، ويتحولان إلى مفاجأة حقيقية للمبدع قبل سواه.
ولعل المشكلة على الأرجح لا تكمن في مبدأ العلاقة بين الثورة والإبداع، اللذين يعمل كلّ منهما على تغيير الواقع وبناء عالم أفضل، بل في الوتيرة الزمنية التي تأخذ مع الأولى طابع الفوران السريع والتغيرات المتلاحقة، فيما تحتاج مع الثاني إلى الكثير من النضج والمكابدة الداخلية والتخمر البطيء. ولا ينبغي أن يغيب عن بال أحد أن الثورات الجذرية التي غيرت وجه التاريخ لم يكن لها أن تنجز ما أنجزته، دون أن يسبقها حراك فكري وثقافي يعصمها من الضحالة والفوضى والعنف الأعمى، وينير لها الطريق إلى المستقبل.
لكن مأزق الإبداع لا يتمثل في مرحلة التأسيس للثورات ولا في المرحلة التي تعقبها، بل في لحظات اندلاعها بالذات، ليس فقط بسبب تفاوت الزمنين الواقعي والمجازي، ولا بسبب الضغوط الداخلية والخارجية التي تُمارَس على الكتّاب والفنانين فحسب، بل لأن الواقع هنا يكتسب صفات المجاز ووظيفته، ولا يترك له بالتالي ما يفعله. فالفن الذي ينوب عن الحياة في غيابها ينكفئ إلى الخلف في حضور الفاعل الأصلي الذي يلبس في هذه الحالة لبوس الثورة التي تصنع التغيير وتحول الأحلام إلى وقائع ملموسة. ولم يكن نجيب محفوظ مجافياً للحقيقة حين سُئل عن سبب توقفه عن الكتابة لسنوات خمس في مطالع خمسينيات القرن المنصرم، وأجاب بقوله إن الأمر عائد إلى شعور منه بأن الثورة المصرية قد تولت نيابة عنه كتابة التاريخ المصري الجديد. وحين بدا ذلك الشعور مجافياً للوقائع اللاحقة، بعد أن تحولت الثورة إلى سلطة قامعة، استردت لغته ما تحتاجه من الحوافز.
على أن ما تقدم لا يفضي إلى الاستنتاج القطعي بأن الحروب والثورات والانتفاضات الشعبية لا يمكن أن تنتج لحظة اندلاعها أي قصيدة أو لوحة أو أثر فني حقيقي وقابل للبقاء. ولأن الفن ليس لغة اليقينيات والقواعد النهائية والصارمة، فإن احتمالات تقديم أعمال رائدة وعالية المستوى من قبل بعض المبدعين إبان الثورات، ليست معدومة تماماً، خصوصاً لدى أولئك الذين يمتلكون، إلى مواهبهم الاستثنائية، نوعاً من البعد الرؤيوي الاستشرافي الذي يعطي للحدث العابر أبعاده ودلالاته الواسعة، وينقله من دائرة الانفعالات والعواطف الصاخبة إلى دائرة الأسئلة المتعلقة بقضايا الحرية والعدالة وكرامة الإنسان ومآلات التاريخ. إلا أن النسبة الأعلى من الأعمال المصاحبة للانتفاضات والحركات الثورية، تقع لسوء الحظ في الخانة المعاكسة؛ حيث معظم النصوص التي صاحبت حروب العرب وثوراتهم ومقاومتهم للاحتلال، لم تتجاوز حدود الإنشاء التعبيري، أو الرثاء الفجائعي، أو الشعارات السياسية الطنانة. ومن بين ركام القصائد والمطولات التي كتبتْ حول ثورة الجزائر والعدوان الثلاثي على مصر وهزيمة حزيران وانتفاضة الحجارة في فلسطين وغيرها من الحروب، لم يصمد أمام الزمن سوى الأقل القليل من النصوص التي نجت من الوعظ الآيديولوجي والحماس العاطفي والبلاغة الجوفاء.
والأمر نفسه يصح على الثورات الأخيرة التي اصطلح على تسميتها بثورات «الربيع العربي»، التي لم تفض إلى تحولات دراماتيكية على مستوى النصوص، والأعمال التي تمخضت عنها فتحت شعارات التعبئة الثورية والالتزام بقضايا الشعوب المقهورة، تقدم إلى الواجهة عدد غير قليل من النَّظامين وقوّالي «الميادين»، ممن أفرغوا الشعر من مضامينه الدلالية والجمالية العميقة، وحولوه إلى منصة للشهرة الشخصية وجباية الأموال. وهو ما عرفنا نموذجه الفاقع مع الشاعر المصري هشام الجخ، الذي ما ينفك يجول بمنظوماته الموزونة في أربع رياح الأرض، ويتغنى بالثورة والعروبة عبر وصلات طربية وعروض فولكلورية ساذجة: «سأبحر عندما أكبرْ\ أمر بشاطئ البحرين في ليبيا\ وأجني التمر من بغداد في سوريا\ وأعبر من موريتانيا إلى السودانْ\ أسافر عبر مقديشو إلى لبنانْ..\ أنا العربي لا أخجل\ ولدت بتونس الخضراء من أصل عُماني وعمري زاد عن ألفٍ\ وأمي لم تزل تحبل».
ثمة من يرى بالمقابل أن دور الكتاب في الأزمات الكبرى لا يتمثل في الجلوس على قمة التل، بانتظار المآل الذي يتمخض عنه الصراع القاسي بين الشعوب وجلاديها. وأن من العسف بمكان أن نلزم المبدع بالامتناع عن الكتابة أو سواها من أشكال التعبير، إذا كانت تسكنه رغبة ملحة للقيام بذلك، أو إذا كانت لديه قناعة راسخة بأنه يستطيع أن «يوظف» الموهبة التي يملكها في تأجيج المشاعر والحث على المواجهة، ودفْع الأمل قليلاً إلى الأمام. ولا بأس في هذه الحالة أن تتحول اللوحة إلى ملصق، والأغنية إلى هتاف، والقصيدة إلى نشيد. فحيث الصراع من أجل الحرية في ذروة احتدامه، وحيث أصوات الضحايا والمدافعين عن المستقبل تصم الآذان، لا تملك الأصوات الخافتة ما تفعله، ويجد الشاعر نفسه أمام خيارين اثنين؛ الصمت المطبق أو الصراخ العاتي. ويستشهد هؤلاء ببابلو نيرودا الذي هاله أن يرى بلاده التشيلي تترنح تحت الضربات القاصمة للانقلاب الدموي، المدعوم من الولايات المتحدة، فكتب عدداً من القصائد والمقطوعات التي بدت أقرب إلى الأهاجي والبيانات السياسية منها إلى الشعر الحقيقي، والتي نشرت لاحقاً في مجموعة مستقلة بعنوان «التحريض على إبادة نيكسون والثناء على الثورة التشيلية». ولم يتردد أراغون وإيلوار في فعل الشيء نفسه إبان الاحتلال النازي لفرنسا في بدايات الحرب العالمية الثانية، بحيث تحولت بعض نصوصهما السياسية إلى أناشيد وهتافات وكتابات على الجدران.
والحقيقة أن أحداً لا يستطيع أن يملي على الشاعر أو المبدع ما ينبغي أن يفعله، سواء في زمن الثورات والمفاصل التاريخية الكبرى، أو في الأزمنة العادية. على أن على الكاتب أن يضع في حسبانه أنه لا يمثل اللحظة العابرة، منقطعة عن سياقها الزمني، بل اللحظة مقذوفة في الأبدية. وإذا كان لا بد للمبدع من أن يتفاعل مع مناسبة أو حدث داهم، فلا بد له في الوقت ذاته من وضع هذا الحدث في إطار الصيرورة والتحول، وربطه بالتالي بما يتجاوزه من تحديات المستقبل وأسئلة الوجود الكبرى. ولا يضير المبدعين بالطبع، خصوصاً في أزمنة الثورات ومقاومة الاحتلال، أن يستجيبوا لتحديات الواقع الاستثنائي عبر كتابة الأغنية والهتاف والنشيد وقصائد التحريض، كما فعل نيرودا وأراغون وناظم حكمت ومحمود درويش وآخرون، لكن الجميع يدرك أن مثل هذه الأعمال هي أقرب إلى صرخة الاحتجاج والتعبئة العاطفية والتحريض السياسي. وإذا كان لها أن تثبت أمام الزمن فليس لما تختزنه من طاقة إبداعية محضة، بل بوصفها وثيقة إضافية يستعين بها، بغية دعم بحوثهم بالشواهد الملائمة، المؤرخون ودارسو الأدب وعلماء الاجتماع السياسي.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.