من أساطير طروادة إلى براد بيت وملكات سوريا... معرض متشابك الخيوط

معرض «طروادة... بين الأسطورة والحقيقة» في المتحف البريطاني يروَّج له على أنه الأول والأكبر من ناحية موضوعه وحجمه في المؤسسة العريقة، فهو يقدم 300 قطعة من مقتنيات متاحف بريطانية وغربية، ويستكشف الأسطورة اللصيقة بـ«طروادة» وحروبها بدءاً من قصائد الشعر والملاحم التي خطها الشاعران الشهيران هومر وفيرجيل في «الإلياذة» و«الأوديسة»، ورددها وأعاد كتابتها المئات بعدهما. نتوقع ونرى بالفعل الكثير عن «طروادة»، المدينة الشهيرة بحكايات الحصان الخشبي الشهير الذي حمل جنوداً مسلحين نجحوا في إخضاع المدينة بعد حصار طويل لم يُخضعها. طروادة أيضاً مسرح وخلفية لقصة جميلة الجميلات هيلين ملكة إسبرطة التي اختطفها المحارب الطروادي باريس لتندلع بسببها حرب طاحنة استمرت لعشرة أعوام.
ومن القصص إلى الواقع يقتفي العرض آثار علماء الآثار والمغامرين الذين قاموا بالبحث في تاريخ طروادة الحقيقي وأشهرهم هنريك شليمان، عالم الآثار الألماني الذي قام بكشوف أثرية في تركيا في حقبة السبعينات من القرن التاسع عشر غيّرت نظرة العالم إلى أساطير طروادة ووضعت لها أسساً على الأرض.
المعرض الضخم خصص جانباً كبيراً للقطع الأثرية التي عثر عليها العالم شليمان في تركيا وتُعرض للمرة الأولى منذ أن أحضرها للندن في 1870، وقد تحول شليمان بفضل عمله في المنطقة الأثرية لمدة عشرة أعوام إلى شخصية شهيرة حول العالم، فكشوفه الأثرية أخرجت طروادة من مكانها على رفوف التاريخ والأساطير لتؤكد للعالم أن هناك جوانب حقيقية لتلك المدينة وسكانها. من القطع التي تعرض هنا آنية فخارية وأخرى من الفضة وأسلحة من البرونز ومنحوتات حجرية مستعارة من متاحف برلين.
يمنح المعرض الفرصة لشخصيات ارتبطت بملحمة طروادة لتعود أمام الجمهور مرة أخرى، فيلقي الضوء على شخصية أخيل، أعظم المحاربين اليونان، و«كعب أخيل» والمرتبط بحكايا إغريقية تحولت من أسطورة لتصبح مثلاً على نقطة الضعف القاتلة لدى الإنسان، بل ودخلت كتب الطب والتشريح لتعزف على الوتر الذي يعتقد أن أخيل أُصيب بسهم فيه مؤدياً إلى مصرعه. يحاول المتحف من خلال المعرض الإمساك بعدد كبير من الخيوط ليرسم صورة مختلفة عن طروادة في التاريخ وفي الفن وفي الثقافة العامة. غير أن تعدد الخيوط أدى إلى تشابكها في كثير من الأحيان وبدا أن معدي المعرض قرروا أن الخليط سيجذب جمهوراً جديداً قد لا يقدّر طرق العرض التقليدية فلجأوا إلى التقنية الحديثة وتغيير طريقة العرض وإضافة عدد من الأعمال المعاصرة لتحقيق ذلك. عموماً يبدأ العرض بتقديم بعض القطع الأثرية التي عُثر عليها في الحفريات الأثرية والتي تعود لطروادة، وإلى جانبها وُضعت لوحة ضخمة للفنان الأميركي سي بي تومبلي تناولت قصة البطل أخيل بأسلوب تجريدي، وإلى الجانب نُظم بعض القطع من عمل الفنان أنثوني كارو بعنوان «حرب طروادة» استُخدمت فيها 40 قطعة لتمثيل ساحة الحرب في طروادة، غير أن الفنان أراد أن يتجاوز الرمز التاريخي ليتعامل مع الواقع فيعلق على عمله قائلاً: «حرب طروادة بالنسبة إليّ تتعلق أكثر بالوحشية التي رأيناها في البوسنة أكثر مما تتعلق باليونان وبأبطال طروادة الذين نعجب بهم، عملي ليس عن الحرب وإنما هو عن الإنسانية».
بهذا ينطلق العرض من منظور معاصر للتاريخ وللأساطير التي كوّنت صورة طروادة، العرض يترك هذا الاتجاه ليتناول الجانب التاريخي البحت في القاعات التالية، وبأسلوب عرض وتنسيق مبتكر يحاول استنطاق بعض القطع الأثرية من المكتشفات التي وُجدت في عمليات التنقيب في مكان طروادة. ولكن أسلوب التنسيق لا يغيّر الكثير من الإحساس بأن القطع الأثرية واللوحات الإغريقية تعود بنا لأسلوب قديم في المعارض التاريخية وهي لها جمهورها المتخصص، خصوصاً أن المعرض حرص على تفاصيل الميثولوجيا الإغريقية بآلهتها وأبطالها وقصصها المتشابكة.
ومن القاعة المتخمة بالتاريخ القديم ندلف إلى قاعة أخرى لا تعرف ماذا تريد، فهي من جانب تريد أن تتناول دور الأدباء والشعراء في رواية حكاية طروادة مثل هوميروس وفيرجيل، وقصص أخيل وهيلين وباريس وأجاممنون، وغيرهم من أبطال القصة التاريخية، وهنا يقدم المعرض لمحات من أعمال أدبية مثل مسرحية «تريلوس وكريسيدا» لشكسبير، وعدداً من الكتب والملصقات التي تتعامل مع تطور قصة طروادة التي أصبحت ركناً مهماً من التراث العالمي، فهي في قصص «المانغا» اليابانية وهي أيضاً في المسرح والسينما وهناك عدد ضخم من أفلام هوليوود التي دارت حول تلك القصص، ولعل آخرها هو الفيلم الذي حمل اسم «طروادة» (2004) وقام ببطولته براد بيت ودايان كروغر.
في وسط هذا كله نرى العرض المرئي «ملكات سوريا» والذي تشارك فيه 13 لاجئة سورية يقمن فيه بقراءة أشعار يوريبديس في مسرحيته «نساء طروادة». ومن هذا الجانب المعاصر يعود العرض للوراء مرة أخرى لعرض مجموعة من الأعمال الفنية واللوحات التي تناولت شخصيات طروادة ويختتم بتصور معاصر لترس البطل أخيل. في نهاية العرض لا يمكننا إلا أن نتساءل إن كان معدو العرض قد قرروا أن الطريقة المثلى لتناول موضوع مثل حكاية طروادة هو خلط الأوراق ومحاولة إرضاء كل الأذواق، لنخرج برؤية مشوشة للعرض لا يبقى منها الكثير.

ملكات سوريا في طروادة
قبل افتتاح المعرض ثارت ضجة في الأوساط الفنية وجمعيات المحافظة على البيئة، والضجة هنا لا علاقة لها بموضوع المعرض أو القطع المعروضة فيه بل هو حول شركة «بريتيش بتروليوم» الداعمة للعرض والتي يرى ناشطو البيئة أنها من الشركات المسؤولة بشكل كبير عن التلوث المناخي. وأمس، انتقدت فنانة سورية هي ريم الصياح، التي يقدم المعرض فيلماً قصيراً من بطولتها بعنوان «ملكات سوريا» والمأخوذ من مسرحية إغريقية بعنوان «نساء طروادة»، الشركة، قائلة إنها عبر رعايتها المادية لمثل هذا المعرض إنما تحاول غسل أخطائها عن طريق الفن. وقد أرسلت الصياح خطاباً مفتوحاً لمدير المتحف البريطاني هارتويغ فيشر، بالاشتراك مع مخرجة الفيلم زوي لافيرتي، لمطالبة كل المؤسسات الفنية البريطانية بمقاطعة شركة البترول، وأضافتا أن دعم شركة «بريتيش بتروليوم» للمعرض إنما يعد «تحدياً فاضحاً» حسب زعمهما وذلك لأن الشركة قد ربحت مالياً بشكل مباشر من الدمار الشامل وتهجير الشعب السوري ومن ضمنهم السيدة الـ13 اللواتي ظهرن في الفيلم القصير.
وأضاف الخطاب موجهاً الحديث إلى مدير المتحف: «ورغم ذلك فقد اتخذت القرار بوضع شعار الشركة على ملصق المعرض الذي يدور حول الحرب والتدمير والتهجير وهي ذات الكوارث التي تساعد الشركة في حدوثها».
ورأت الصياح ولافيرتي أنه من المؤلم أن يرتبط عملهما باسم الشركة، ما يمثل معضلة حقيقية أمام فريق الفيلم، وأضاف الخطاب: «يجب أن نقرر أيهما أسوأ: أن نسارع برفع العمل من المعرض وبهذه الطريقة نتخلى عن الفرصة لتسليط الضوء على الحقائق القاسية التي يعيش تحتها أعضاء فريقنا، أم أن نسمح بأن يكون العمل واجهة فنية لحجب تأثير ممارسات الشركة التي ألحقت دماراً كبيراً بالكوكب والناس؟».