الهيئة السعودية للمقاولين تستهدف رفع تنظيم وكفاءة قطاع الإنشاءات

العفالق: عقود الصيانة والتشغيل ورقتنا الرابحة لتوطين الوظائف

يعاني قطاع المقاولات من غياب قرار يلزم المقاولين بالحصول على رخصة تؤكد أهليتهم لممارسة المهنة (تصوير: سعد العنزي)
يعاني قطاع المقاولات من غياب قرار يلزم المقاولين بالحصول على رخصة تؤكد أهليتهم لممارسة المهنة (تصوير: سعد العنزي)
TT

الهيئة السعودية للمقاولين تستهدف رفع تنظيم وكفاءة قطاع الإنشاءات

يعاني قطاع المقاولات من غياب قرار يلزم المقاولين بالحصول على رخصة تؤكد أهليتهم لممارسة المهنة (تصوير: سعد العنزي)
يعاني قطاع المقاولات من غياب قرار يلزم المقاولين بالحصول على رخصة تؤكد أهليتهم لممارسة المهنة (تصوير: سعد العنزي)

كشف المهندس أسامة العفالق رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمقاولين، أن نسبة المقاولين المنتسبين للهيئة لا يتجاوز الـ3 في المائة من إجمالي المنشآت العاملة في القطاع، مبرراً ذلك بغياب اشتراط حصول المنتسبين للقطاع على رخصة مؤهلة للعمل، وأكد العفالق أنهم يمتلكون رؤية واضحة وبرامج متكاملة لتطوير القطاع ورفع مستوى العاملين به، وسعيهم للتوافق مع الجهات ذات العلاقة لتنفيذها.
وقال العفالق في حوار مع «الشرق الأوسط» إن العشوائية تسيطر على القطاع في ظل غياب تصريح المهنة، ملوحاً بالعقد الموحد كطوق نجاة، يعيد به تنظيم هذا القطاع الاقتصادي الملياري على أيدي مديري المشاريع الذين قال إنهم نواة الهيئة في إعادة تهذيب مشاريع القطاع الخاص... كما تطرق للكثير من القضايا في الحوار التالي:

> ما دور الهيئة بالتحديد لكل الأطراف المتعاملة في القطاع من مقاولين أو مستفيدين؟
- يتلخص دور الهيئة في تنظيم قطاع المقاولات السعودي ورفع كفاءة العاملين فيه، ويقصد بتنظيم القطاع حوكمته وحفظ حقوق الأطراف والخروج بأفضل النتائج أيا كان المستفيد من المشروع، حيث يضمن للجميع الحصول على منتج متميز في نهاية المطاف، كما نهتم بشكل رئيسي بتأهيل العاملين فيه، ورفع مستوى كفاءة المقاول وأي من له صلة بالقطاع، ودور الهيئة يشمل أبعادا متعددة تختص بالإنشاءات وتحويلها كمنتج واحد متكامل، وستعمل الهيئة أيضاً على إيجاد الحلول الملائمة للمشاكل والأزمات التي تواجه المقاولين بشكل عام، وستشجع الابتكار وتعزز عملية التواصل بين جميع الأطراف ذات العلاقة في القطاع.
> هل هناك تعارض في الصلاحيات أو المهام بينكم وبين وزارة الإسكان؟ وما هي أوجه التعامل بينكم؟
- تعتبر وزارة الإسكان واحدة من أكثر الجهات الحكومية المستفيدة مما تقدمه الهيئة كونها من أكبر الفاعلين في القطاع نظراً لحجم المشاريع، ونجاحنا ينصب عليها انعكاساً لرغبتها في توفير جودة وكفاءة عالية لمشاريعها التي يعتبر المقاول المؤهل أهم أركانها، وهو ما يتقاطع مع رؤية الهيئة ومخرجاتها في تأهيل المقاولين المحترفين، كما نتقاسم معاً دور تطوير تكنولوجيا البناء والاستفادة منها، لذا نرى أن أدوارنا تكاملية في المقام الأول.
> ما دوركم في حفظ حقوق المتعاملين في قطاع المقاولات في وجود نماذج غير مرضية بالنسبة لأعمال وجودة المقاولين؟
- هناك متطلبات متعددة للحصول على منتج متميز يحقق أهدافه، تبدأ بشكل تصاعدي منذ الرغبة في البناء كفكرة وحتى تسليم المشروع للمستفيد، ومثال ذلك عند بناء منزل خاص، يجب أولاً تحديد الاحتياجات والميزانية المتاحة وبناء عليها يتم التصميم، يلي ذلك إيجاد المقاول الملائم للمخطط المحدد، وجميعها خطوات مترابطة لإنجاز البناء بالشكل المطلوب، وهذا حقيقة ما نرغب فيه ونعمل عليه عبر تنظيم القطاع وحوكمته، وبدأنا في سبيل ذلك العمل على ابتكار مبادرات وبرامج خاصة لتطبيقها على أرض الواقع، وبدأنا أولاً باختلاق وظائف مختصة بإدارة المشاريع سنتكفل بتأهيل العاملين ومن ثم تصريحهم، والعمل على تقديم المشورة والمساعدة للراغبين في عمل أي مشروع إنشائي لتحديد الاحتياجات وتقدير الميزانية المتوقعة لهذا التصميم وطريقة تنفيذها، واقتراح المكاتب الهندسية المناسبة للمخطط، وستقضي في حال تنفيذها على جزء كبير من مشاكل توقف المشاعر أو الهدر أو حتى التلاعب بتفعيل الوعي، وستشتمل هذه المبادرة أيضاً على كيفية اختيار المقاول المناسب وتعميد العقود الموحدة وتحويل المشاريع إلى منتج واحد متكامل، وقطعنا شوطا في استكمال المتطلبات وتجاوز العقبات لإطلاقها رسميا، ورغم ضخامتها وتشعب متطلباتها وتعدد الجهات الحكومية التي نحتاج تعاونها لإنجاح المبادرة، فإننا قادرون على تنفيذها ونمتلك رؤية واضحة لذلك.
> ما صحة ما يتم تداوله عن نقص في الأيدي العاملة أو عدم أهليتها؟
- يؤسفنا عدم قدرتنا حصر العاملين في قطاع المقاولات لغياب قرار يلزم المقاولين الحصول على رخصة تؤكد أهليته لممارسة المهنة، هناك أرقام متداولة لعددهم تصل إلى 3 ملايين موظف تم استقاء الرقم استناداً لسجلات وزارة العمل، لكنها تفتقد إلى الدقة عند فرز الممارسين فعلياً للنشاط، لذا نحرص أولاً من أجل تحقيق أهداف إنشاء الهيئة اعتماد ترخيص الهيئة لكل منشأة تزاول أي نشاط من أنشطة المقاولات، وذلك لترتيب الفوضى وتوفير أرض خصبة لفرض الحوكمة، ونتيجة ذلك نرى تعثرات المشاريع والشكاوى المتعلقة بأهلية المقاولين أو التلاعب بالعقود، ورغم ضخامة الأرقام المتداولة لعدد العاملين تطفو المشكلات والتعثرات لغياب الآلية الواضحة والتنظيم الدقيق وتصنيف العاملين وأهليتهم، مما ينعكس سلباً على تزايد الهدر وتحديد احتياجات السوق الفعلية للعمالة، التي يجب اعتمادها بناء على مهارتها وقدرتها وليس بعددها، معتمدين بذلك على تكنولوجيا البناء الحديثة التي ستدفع بتوطين الوظائف وتصريح المؤهلين فقط، وفرض نظام موحد لإدارة وبناء المشاريع، وتوجه الدولة لفرض الترخيص الفني سيساعدنا في فرز عمالة ماهرة تعمل بحسب حاجة المشروع وإمكانية القيام به بناء على التخصص، مما سيقضي على مشاكل التكدس والأعباء والتعثرات المالية للمقاولين.
> فيما يخص توطين وظائف العاملين بالقطاع وتأهيلهم بالنسبة إلى المقاولين والأيدي العاملة أين وصلتم في ذلك؟
- نعمل مع وزارة العمل على هذا المحور وتحديداً تأهيلهم للوظائف المصنعية، التي تخدم رؤيتنا في البناء من تحويل موقع البناء من ورشة عمل يتم فيها معظم أجزاء بناء المشروع، إلى تنفيذ معظمها في مصانع مؤهلة مرخصة ذات كفاءة، ويتعلق توطين الوظائف بحسب السوق لقسمين، الأول يختص بالإنشاءات ويعيب عليه فقدانه الاستمرارية، والثاني يتعلق بالتشغيل والصيانة ويمتاز بالاستدامة بسبب احتياج المنشآت لخدماتهم، وهنا كانت نقطة انطلاق الدولة لتوطين القطاع عبر إلزام شركات التشغيل والصيانة بنسب توطين إلزامية ستصل إلى 36 في المائة خلال 3 سنوات، حيث تم رفع نسب التوطين السابقة من 11 في المائة إلى ما تم ذكره، وفرض توظيف سعوديين في مناصب وظيفية محددة في عقد التشغيل والصيانة لتلافي التوطين الوهمي والتلاعب فيه، ونحن بدورنا نعمل على ربط عقود الإنشاءات مع عقود التشغيل والصيانة ضمن عقد موحد لضمان التوطين.
> ما هو معدل استحواذ المقاولين في السعودية على النسبة الإجمالية من المقاولين العاملين بالقطاع، ودوركم في تطويرهم وتأهيلهم؟
- ذكرت سابقاً غياب الإحصاءات الدقيقة للأرقام بسبب غياب إلزامية تصاريح ممارسة العمل، بعكس بعض القطاعات الأخرى الذي يوضع فيها شرط حصول العاملين على رخصة الهيئة للتمكن من ممارسة العمل، لذا نعتمد على التقديرات بوجود 166 ألف مقاول يعملون في القطاع، يمثل السعوديون نحو 13 في المائة، ولكن السؤال الأهم حقيقة هو من يعمل فعلياً في القطاع وأهليته، ونقطة ارتكازنا في الهيئة هو حصر الأعمال ومراقبتها وتقييمها وتطويرها وما يعيق ذلك غياب وضعهم ضمن صلاحيتنا المباشرة باشتراط الرخصة.
> قطاع المقاولات متشعب لا قاع له، لماذا يغيب شرط حصول المقاولين على رخصة مهنية معتمدة لممارسة المقاولة؟
- نعتبر غياب ذلك أول عائق في تحقيق رؤيتنا وأهدافنا ونسعى جاهدين لاعتمادنا ولا نزال نطالب بذلك، لدينا منشآت مسجلة، ولكن نسبتهم معدومة لا تتجاوز الـ3 في المائة من إجمالي 166 ألفا يعملون في القطاع نسبة مخجلة، وهذه النسبة المنتسبة ممن اشترط عليهم الحصول على العضوية والرخصة كشرط للمشاركة في وقت سابق للمنافسة على المناقصات الحكومية، لكن الجانب الإيجابي في ذلك، هو حصولنا على ثقة شريحة المشتركين إلزامياً في وقت سابق، عبر تجديدهم العضوية برغبة منهم بعد أن لمسوا الاستفادة الكبيرة من الهيئة، وما يحفز هو انخفاض قيمة العضوية السنوية حيث تبدأ بـ750 ريالا (200 دولار) في العام، مقابل الحصول على خصومات كبيرة ومجانية على عدد من الخدمات والدورات التأهيلية، ومن المبشرات أيضاً تزايد عدد الراغبين بالالتحاق في الدورات والبرامج التي نقدمها، مما شجعنا على تكثيفها وتنوعها.
> بمناسبة ما ذكرته فيما يخص دخل الهيئة وعائداتها على ماذا ترتكزون في هذا الصدد؟
- جاء قرار تأسيس الهيئة الصادر من مجلس الوزراء بالنص على أن يكون دخل الهيئة من تسجيل العضويات أو الهبات الممنوحة، وواقعياً نسب التسجيل محدودة كما ذكرت لك والهبات لم نحصل عليها حتى الآن، وبدأنا التحرك لإيجاد مصادر أخرى لتعويض ذلك، ونجحنا في استقطاب الرعايات ورسوم الدورات التأهيلية، ورغم كونها مداخيل محدودة تعيق تنفيذ رؤيتنا وطموحنا، لتحويل قطاع الإنشاءات من قطاع عشوائي إلى قطاع محترف يعمل وفق عقود ويكون منتجا واحدا.
> بالحديث عن مجهوداتكم، تعملون الآن على تنظيم مؤتمر المشاريع المستقبلية الثاني بداية 2020 حدثني عنه؟
- نظمنا في فبراير (شباط) المنصرم أول مؤتمر من نوعه متخصص للمشاريع المستقبلية في السعودية، وعمدنا في ذلك أن نكون نقطة التقاء يجمع صاحب المشروع بالمقاول وفق بيئة استثمارية محفزة، وسجل المؤتمر نجاحاً كبيراً بعد هندسته لعرض عدة مشاريع ضخمة تتجاوز قيمتها الـ450 مليار ريال (120 مليار دولار) بوجود 1000 مقاول، وهو ما شجعنا على اعتماده سنويا، سنعيد التجربة في الدورة المقبلة بتوسع وطموح أكبر باستيعاب 2000 مقاول ومهتم يتوقع تسجيلهم، متحفزين بتحقيق جزء من رؤيتنا في إيجاد أرضية استثمارية موائمة تجمع الراغبين في إنشاء المشاريع بالمقاولين المؤهلين ضمن إطار احترافي وفق شروط وعقود انضباطية، وفي المنتدى السابق تمت دعوة 23 جهة حكومية وشركة قيادية لعرض مشاريعها المتوقع تنفيذها في السنوات الثلاث القادمة مما أفرز هذا الرقم الضخم، وسيشهد المؤتمر الثاني توسعاً إقليمياً بدعوات لعدد من الجهات الدولية للمشاركة، ورفع عدد المشاركات الداخلية إلى 35 بقيمة مشاريع يعتقد بأنها ستلامس 600 مليار ريال (160 مليار دولار)، ورفعنا هذه المرة سقف توقعاتنا نحو التوسع في مشاريع الدول الإقليمية أو استقطابها محلياً لتكون الرياض عاصمة الفرص المستقبلية، مستبشرين بنجاحه بعد أن تم حجز أكثر من 30 في المائة من المقاعد عند الإعلان عن التسجيل، وما زال التسجيل مستمرا لخلق سوق مفتوحة تتمتع باستثمارات واعدة تنعكس إيجاباً على زيادة الفرص وكفاءتها.


مقالات ذات صلة

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

الاقتصاد ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمس (الثلاثاء)، ميزانية عام 2025 بإيرادات متوقعة عند 1.184 تريليون ريال.

مساعد الزياني (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس) play-circle 00:51

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

جاء إعلان السعودية عن ميزانية العام المالي 2025 التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي ليظهر مدى توسع الاقتصاد السعودي.

مساعد الزياني (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد يوقِّع على الميزانية العامة للعام المالي 2025 (واس) play-circle 00:51

محمد بن سلمان: ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد السعودية

قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

تتجه السعودية إلى زيادة الوصول للمواد الأساسية، وتوفير التصنيع المحلي، وتعزيز الاستدامة، والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الأمير سعود ووزير الصناعة خلال حفل الهيئة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

خاص وزير الصناعة السعودي: هيئة المساحة ستلعب دوراً محورياً في السنوات الـ25 المقبلة في التعدين

تلعب هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية دوراً حيوياً في الكشف عن مخزونات الأرض من الفلزات، التي تشمل الذهب والزنك والنحاس.

سعيد الأبيض (جدة)

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة
TT

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

يَعدّ المصريون الاستثمار العقاري من بين أكثر أنواع الاستثمار أمناً وعائداً، مع الأسعار المتزايدة يوماً بعد يوم للوحدات السكنية والتجارية في مختلف الأحياء المصرية، بناءً على تغيّرات السوق، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ورغم أن هذه المتغيرات تحدد سعر المتر السكني والتجاري، فإن بعض الوحدات السكنية قد تشذّ عن القاعدة، ويخرج سعرها عن المألوف لوقوعها في حي راقٍ شهير وسط القاهرة وتطل على النيل، أو حتى في عمارة سكنية شهيرة.
وبتصفح إعلانات بيع الوحدات السكنية على المواقع الإلكترونية والتطبيقات المخصصة لذلك قد يصطدم المشاهد برقم غريب يتجاوز الأسعار المتعارف عليها في الحي بشكلٍ كبير جداً، لتقفز من وحدات سكنية سعرها 3 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)، إلى أخرى مجاورة لها بأربعين مليوناً، هذه الإعلانات التي يصفها متابعون بأنها «غريبة جداً» على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط أسئلة منطقية عن السبب الرئيسي وراء هذه الأسعار، التي تؤكد تفوق أسعار بيع بعض الشقق السكنية على أسعار فيلات بالمدن الجديدة.
على كورنيش النيل، تطل واحدة من أشهر العمارات السكنية بحي الزمالك وسط القاهرة، تحديداً في عمارة «ليبون» التي سكنها عدد من فناني مصر المشهورين في الماضي، تُعرض شقة مساحتها 300 متر للبيع بمبلغ 40 مليون جنيه، أي نحو 2.5 مليون دولار، رغم أن متوسط سعر المتر السكني في الحي يبلغ 23 ألف جنيه، وفقاً لموقع «عقار ماب» المتخصص في بيع وشراء الوحدات السكنية في مصر.
ولا يشتري الناس بهذه الأسعار مجرد شقة، بل يشترون ثقافة حي وجيراناً وتأميناً وخدمات، حسب حسين شعبان، مدير إحدى شركات التسويق العقاري بحي الزمالك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمارة ليبون واحدة من أعرق العمارات في مصر، وأعلاها سعراً، والشقة المعروضة للبيع كانت تسكنها الفنانة الراحلة سامية جمال»، مؤكداً أن «هذه الإعلانات تستهدف المشتري العربي أو الأجنبي الذي يبحث عن عقار مؤمّن، وجيراناً متميزين، وثقافة حي تسمح له بالحياة كأنه في أوروبا، فسعر الشقة ربما يكون مماثلاً لسعر فيلا في أفضل التجمعات السكنية وأرقاها في مصر، لكنه يبحث عن شقة بمواصفات خاصة».
وفي عام 2017 أثار إعلان عن شقة بجوار فندق «أم كلثوم» بالزمالك، الجدل، بعد عرضها للبيع بمبلغ 3 ملايين دولار، وتبين فيما بعد أن الشقة ملك للسياسي المصري أيمن نور، لكن شعبان بدوره يؤكد أن «الناس لا تهتم بمن هو مالك الشقة في السابق، بل تهتم بالخدمات والجيران، وهذا هو ما يحدد سعر الشقة».
ويعد حي الزمالك بوسط القاهرة واحداً من أشهر الأحياء السكنية وأعلاها سعرها، حيث توجد به مقرات لعدد كبير من السفارات، مما يجعله مكاناً لسكن الأجانب، وينقسم الحي إلى قسمين (بحري وقبلي) يفصلهما محور (26 يوليو)، ويعد الجانب القلبي هو «الأكثر تميزاً والأعلى سعراً، لأنه مقر معظم السفارات»، وفقاً لإيهاب المصري، مدير مبيعات عقارية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع الأسعار في الزمالك مرتبط بنقص المعروض في ظل ازدياد الطلب، مع وجود أجانب يدفعون بالعملات الأجنبية، وهم هنا لا يشترون مجرد إطلالة على النيل، بل يشترون خدمات وتأميناً عالي المستوى».
وعلى موقع «أوليكس» المخصص لبيع وتأجير العقارات والأدوات المنزلية، تجد شقة دوبليكس بمساحة 240 متراً في الزمالك مكونة من 4 غرف، معروضة للبيع بمبلغ 42 مليون جنيه، وشقة أخرى للبيع أمام نادي الجزيرة مساحة 400 متر بمبلغ 40 مليون جنيه.
ورغم ذلك فإن أسعار بعض الوحدات المعروضة للبيع قد تبدو مبالغاً فيها، حسب المصري، الذي يقول إن «السعر المعلن عنه غير حقيقي، فلا توجد شقة تباع في عمارة (ليبون) بمبلغ 40 مليون جنيه، وعند تنفيذ البيع قد لا يتجاوز السعر الثلاثين مليوناً، وهو سعر الوحدة السكنية في عمارة (العبد) المطلة على نادي الجزيرة والتي تعد أغلى عقارات الزمالك».
والشريحة المستهدفة بهذه الأسعار هي شريحة مختلفة تماماً عن الشريحة التي يستهدفها الإسكان الاجتماعي، فهي شريحة تبحث عن أسلوب حياة وإمكانيات معينة، كما يقول الخبير العقاري تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «التعامل مع مثل هذه الوحدات لا بد أن يكون كالتعامل مع السلع الخاصة، التي تقدم ميزات قد لا تكون موجودة في سلع أخرى، من بينها الخدمات والتأمين».
وتتفاوت أسعار الوحدات السكنية في حي الزمالك بشكل كبير، ويقدر موقع «بروبرتي فايندر»، المتخصص في بيع وتأجير العقارات، متوسط سعر الشقة في منطقة أبو الفدا المطلة على نيل الزمالك بمبلغ 7 ملايين جنيه مصري، بينما يبلغ متوسط سعر الشقة في شارع «حسن صبري» نحو 10 ملايين جنيه، ويتباين السعر في شارع الجبلاية بالجانب القبلي من الحي، ليبدأ من 4.5 مليون جنيه ويصل إلى 36 مليون جنيه.
منطقة جاردن سيتي تتمتع أيضاً بارتفاع أسعار وحداتها، وإن لم يصل السعر إلى مثيله في الزمالك، حيث توجد شقق مساحتها لا تتجاوز 135 متراً معروضة للبيع بمبلغ 23 مليون جنيه، ويبلغ متوسط سعر المتر في جاردن سيتي نحو 15 ألف جنيه، وفقاً لـ«عقار ماب».
وتحتل الشقق السكنية الفندقية بـ«فورسيزونز» على كورنيش النيل بالجيزة، المرتبة الأولى في الأسعار، حيث يبلغ سعر الشقة نحو 4.5 مليون دولار، حسب تأكيدات شعبان والمصري، وكانت إحدى شقق «فورسيزونز» قد أثارت الجدل عندما عُرضت للبيع عام 2018 بمبلغ 40 مليون دولار، وبُرر ارتفاع السعر وقتها بأن مساحتها 1600 متر، وتطل على النيل وعلى حديقة الحيوانات، وبها حمام سباحة خاص، إضافة إلى الشخصيات العربية المرموقة التي تسكن «فورسيزونز».
وتحدد أسعار هذا النوع من العقارات بمقدار الخدمات والخصوصية التي يوفّرها، وفقاً لممتاز، الذي يؤكد أن «العقار في مصر يعد مخزناً للقيمة، ولذلك تكون مجالاً للاستثمار، فالمشتري يبحث عن عقار سيرتفع سعره أو يتضاعف في المستقبل، ومن المؤكد أنه كلما زادت الخدمات، فإن احتمالات زيادة الأسعار ستكون أكبر، خصوصاً في ظل وجود نوع من المستهلكين يبحثون عن مميزات خاصة، لا تتوافر إلا في عدد محدود من الوحدات السكنية».