يأمل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أن يسهم تخفيض أسعار الفائدة الأخير في إبقاء الاقتصاد الأميركي على ارتفاع آمن. لكن لا تتوقعوا أنه يوفر الكثير من الزخم لصالح سوق الإسكان.
يعد الإسكان أحد المسارات التي يستعين بها الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق النتائج. وعندما يقرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة، فهو بذلك يشجع الناس على شراء المنازل (حيث تكون الرهونات العقارية أرخص سعراً)، وترفع شركات التشييد من وتيرة البناء (مع قوة الطلب وسهولة الاقتراض). ثم تنتشر هذه القرارات في شتى ربوع الاقتصاد، مع شراء الناس الأثاث، وتستأجر شركات التشييد المزيد من العمالة، ويحصل الوسطاء العقاريون عن قيمة شيكات عملاتهم نقداً.
بيد أن الإسكان لم يعد ذلك المحرك الاقتصادي الدافع كما كانت عليه الأمور من قبل. إذ يشكل قطاع الإسكان جزءاً صغيراً من الاقتصاد عن المقارنة بالأزمة المالية، وهناك نسبة صغيرة من المواطنين الأميركيين ممن يمتلكون المنازل. ومع انخفاض أسعار الفائدة حالياً بالفعل، فمن غير الواضح أن المزيد من التخفيض من جانب الاحتياطي الفيدرالي سوف يشكل أهمية كبيرة بالنسبة إلى قطاع الإسكان - حتى وإن انخفضت معدلات الرهونات العقارية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.
ومع ذلك، لا تزال أسعار الفائدة مهمة بالنسبة لقطاع الإسكان. حيث ساعد تخفيض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة مرتين متتاليتين خلال العام الحالي في استقرار سوق الإسكان، والتي كانت على طريقها صوب الانزلاق الكبير. ومؤخراً، صرحت وزارة التجارة الأميركية بأن أعمال التشييد والبناء حققت إضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام الحالي بعد ستة أرباع من الانكماش المستمر.
ومن شأن تخفيض أسعار الفائدة أن يسفر عن دفعة جديدة في طفرة إعادة التمويل التي كانت قد ضخت بلايين الدولارات في الاقتصاد الأميركي خلال الشهور الأخيرة. لكن القليل من خبراء الاقتصاد يتوقعون ارتفاع سوق الإسكان في استجابة لخفض أسعار الفائدة في الأسبوع الحالي؛ ذلك لأن أسعار الفائدة لم تكن العائق الذي يعرقل سوق الإسكان في المقام الأول. بدلاً من ذلك، إنهم يشيرون إلى عوامل أخرى ذات صلة.
- صعوبة الحصول على القروض
لا معنى لأسعار الفائدة، في ارتفاعها أو انخفاضها، إن لم يتمكن الناس من الحصول على القروض في المقام الأول. والكثير من المشترين المحتملين يحتلون هذه الخانة راهناً. وبعد انفجار فقاعة الإسكان منذ أكثر من عشر سنوات، صارت المصارف والمؤسسات المالية الأخرى أكثر حذراً عن ذي قبل في توفير القروض، ويرجع ذلك في جزء منه إلى القواعد الفيدرالية الجديدة الرامية إلى تثبيط الحصول على القروض المحفوفة بالمخاطر.
ولا يرغب من أحد في عودة فقاعة الإسكان والقروض الكاذبة المصاحبة لها، والتي سُمح وقتها للمقترضين بتحديد دخولهم من دون التحقق منها. لكن البعض يقولون بأن البندول يواصل التأرجح بعيداً عن هذا المسار في الآونة الأخيرة.
يحصل المشتري العادي اليوم على درجة «فيكو» الائتمانية من مستوى 741، مقارنة بدرجة 700 قبل أزمة الإسكان الماضية، وفقاً للبيانات الصادرة عن المعهد الحضري. وقلما نجد مشترياً يحصل على درجات أقل من 650. وتعكس المقاييس الأخرى للمقدرة على تحمل التكاليف تسهيل معايير الإقراض بنسبة طفيفة خلال السنوات الأخيرة، بيد أنها لا تزال أكثر تشدداً مما كانت عليه الأوضاع في العقد الأول من القرن الماضي، قبل انتشار طفرة الإقراض على نطاق واسع.
تقول ميليسا ستيغمان، المحامية لدى مركز الإقراض المسؤول: «هناك الكثير من الأشخاص يحصلون على دخل يمكنهم من تحمل المدفوعات العقارية، وربما يكونون من أصحاب المنازل المسؤولين، لكن قد تكون درجة فيكون الائتمانية لديهم ضعيفة، وقد يتمكنون من سداد دفعات مقدمة صغيرة، وهذا ما يعيق حصولهم على القروض في نهاية المطاف».
تحصل جويل هاندي على دخل ثابت من عملها معلمةً، وبعض المال المخصص لدفعة مقدمة، مع تاريخ جيد من ملكية المنازل. لكن عندما قررت شراء منزل لنفسها ولوالدتها في هيوستن خلال الصيف الحالي، اكتشفت أنه لا يمكنها الحصول على القرض العقاري التقليدي. وكان السبب أن الدرجة الائتمانية الخاصة بها في لا تتجاوز 650 نظراً لمسألة قديمة تتعلق بقرض تعليمي سابق.
وتمكنت السيدة هاندي في نهاية المطاف من الحصول على موافقة لقرض أكثر تكلفة من خلال إدارة الإسكان الفيدرالي. لكن قبل أسبوع من انتهاء عملية البيع المقررة، كانت لا تزال تواصل ملء وتقديم الطلبات والمستندات من جهة الإقراض الخاصة بها، وهي غير متأكدة حتى الآن إذا كان الأمر سوف يستمر أم سوف يتوقف تماماً.
تقول السيدة هاندي: «ليسوا واثقين تماماً من موقفي المالي، لكنني لا أفهم السبب الحقيقي وراء ذلك».
تؤثر معايير الإقراض المتشددة على غير فئة من المواطنين الأميركيين بصورة غير متناسبة، ولا سيما بين الأميركيين الأفارقة مثل السيدة هاندي. حيث تحصل العمالة الملونة في الولايات المتحدة على أجور أقل من أقرانهم من البيض في المتوسط، وهم أقل احتمالاً في أن يكون لديهم أفراد موسرون في العائلة ممن يمكنهم المساعدة في سداد الدفعة المقدمة.
وسجل معدل ملكية المنازل بين الأميركيين الأفارقة هبوطاً ملحوظاً خلال أزمة انهيار سوق الإسكان، وشهد المعدل تعافياً طفيفاً بالكاد في الفترة الأخيرة، حتى مع التقدم الذي حققه الأميركيون البيض وغيرهم من الجماعات العرقية الأميركية الأخرى.
وقال غلين كيلمان، المدير التنفيذي لشركة «ريدفين» للوساطة المالية عبر الإنترنت، إن الجمع بين أسعار الفائدة المنخفضة مع معايير الإقراض المشددة أسفر عن تفاقم الفجوات الاقتصادية الراهنة بشكل واضح، وأردف يقول: «في الوقت الحالي، أصبحت الأموال رخيصة حقاً، لكن لا بد من وجود درجة ائتمانية جيدة للغاية حتى تتمكن من الحصول على القرض. لقد شكل الأمر نعمة كبيرة على مجموعة معينة من الناس، أولئك الذين يتمكنون دائماً من الحصول على الائتمان المطلوب».
- صعوبة العثور على منزل مقبول السعر
ارتفعت أسعار الإسكان بوتيرة سريعة أسرع من الأجور في أغلب أرجاء البلاد خلال السنوات الأخيرة. وفي الكثير من المدن، ولا سيما المطل منها على السواحل، هناك أزمة شاملة تتعلق بتحمل تكاليف شراء المنازل. وفي مدن كبيرة مثل سان فرانسيسكو، أو سياتل، أو بوسطن، يبلغ متوسط سعر المنزل المعروض للبيع أكثر من نصف مليون دولار دفعة واحدة، وفقاً لموقع «زيللو» العقاري، وحتى المنازل المبتدئة يمكن لسعرها أن يتجاوز 300 ألف دولار – هذا إن كان هناك أي منها معروض بالفعل للبيع.
وقالت سوزان واتشر، أستاذة العقارات لدى جامعة بنسلفانيا: «وفق هذه الأسعار، فإن التخفيض الفيدرالي الطفيف في أسعار الفائدة لن يحقق فرقاً كبيراً. إذ إن الانخفاض الأخير في أسعار الفائدة لن يسهم في حل المشكلة، ولن يؤدي إلى تحويل أولئك الملاك المحتملين إلى مشترين حقيقيين للمنازل».
- خدمة «نيويورك تايمز»