تراجع قطاع الإسكان في الهند

انخفض في 9 مدن كبرى بنسبة 10 %

أسعار الوحدات السكنية في الهند كانت أكبر من متناول ذوي الدخل المتوسط بسبب معدلات الفائدة (الشرق الأوسط)
أسعار الوحدات السكنية في الهند كانت أكبر من متناول ذوي الدخل المتوسط بسبب معدلات الفائدة (الشرق الأوسط)
TT

تراجع قطاع الإسكان في الهند

أسعار الوحدات السكنية في الهند كانت أكبر من متناول ذوي الدخل المتوسط بسبب معدلات الفائدة (الشرق الأوسط)
أسعار الوحدات السكنية في الهند كانت أكبر من متناول ذوي الدخل المتوسط بسبب معدلات الفائدة (الشرق الأوسط)

يواجه قطاع العقارات الهندية، خصوصاً السكنية منها، أزمة كبيرة. وأشار تقرير جديد أصدرته مؤسسة «بروب إكويتي» المعنية بالأبحاث والتحليلات والبيانات المرتبطة بالقطاع العقاري، إلى أن مبيعات الوحدات السكنية تراجعت بنسبة 10 في المائة عبر المدن التسع الكبرى على مستوى البلاد خلال الربع الثالث من عام 2019 مقارنة بربع العام منذ عام مضى، وهذه المدن التسع هي: غورغاون ونويدا ومومباي وكولكاتا وبونه وحيدر آباد وبنغالور وثين وتشيناي.
ويعدّ هذا الانخفاض الأكبر من عام لآخر في سوق العقارات داخل مدينة تشيناي، حيث انخفض الاستيعاب بنسبة هائلة بلغت 25 في المائة، أعقبتها مومباي بنسبة 22 في المائة، وحيدر آباد بنسبة 16 في المائة. أما نويدا، فجاء التراجع بها بنسبة 11 في المائة. وتشير الأرقام إلى أن الهند بها نحو 12.09 مليون وحدة سكنية خالية بالمناطق الحضرية، وتسهم 10 ولايات وإقليم اتحاد بـ78 في المائة (9 ملايين وحدة) من إجمالي الوحدات الخالية بسبب نقص التمويل أو نزاعات قضائية، حسبما أفاد تقرير «بروب إكويتي».

- أسباب التباطؤ المستمر في القطاع العقاري
يعود هذا التباطؤ بصورة أساسية إلى تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي بوجه عام، بجانب وجود أزمة سيولة في السوق. ويرجع تباطؤ مبيعات العقارات السكنية بدرجة كبيرة إلى انخفاض أعداد الوحدات المطروحة حديثاً. وتشير الأرقام إلى أن معدل طرح وحدات عقارية حديثة انكمش بنسبة 45 في المائة عبر الحواضر التسع الكبرى خلال الفترة ما بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) 2019، مقارنة بأعداد الوحدات المطروحة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. الأسوأ من ذلك أزمة الوحدات غير المبيعة داخل المشروعات السكنية المكتملة. ولا يبدو أن الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة المركزية لتوفير إسكان بأسعار في المتناول تلقى نجاحاً كبيراً في ظل غياب ثقة المشترين في المشروعات السكنية الأقدم التي يجري العمل بها، بجانب الإفراط في الاعتماد على شركات التمويل غير المصرفية وتأثير عملية سحب العملة من التداول على السوق. يذكر أن تباطؤ الطلب تفاقم جراء إجراءات سحب العملة من التداول عام 2016.
في هذا الصدد، أعرب أنوج بوري، رئيس شركة «أناروك»، عن اعتقاده بأن «إصلاحات مثل إقرار هيئة التنظيم العقاري وإقرار ضريبة السلع والخدمات وتمرير (قانون بنامي للعقارات)، رغم الحاجة الماسة لها، سببت حالة كبرى من الفوضى في قطاع العقارات الهندي». وأوضح أن قطاع العقارات عانى من أزمة شديدة في النقد خلال السنوات الكثيرة الماضية بعدما قلصت البنوك من كشفها أمام العقارات السكنية، الأمر الذي أجبر شركات البناء على الاعتماد على مؤسسات مالية غير مصرفية. وشكلت إجراءات سحب العملة من التداول عام 2016 صفعة أخرى للقطاع الذي اعتمد بشدة على الصفقات النقدية.
وفي تعليقه على البيانات، قال المؤسس والمدير الإداري لـ«بروب إكويتي»، سمير جاسوجا: «تأثر الطلب بالتأكيد خلال الربع السنوي الأخير مع إرجاء المشترين قراراتهم. وكان من شأن اندماج كثير من مؤسسات التطوير العقاري انخفاض أعداد المشروعات السكنية الجديدة. وسيستمر المطورون العقاريون في مواجهة ضغوط على صعيد السيولة بسبب البيئة المالية الصعبة وضعف الطلب. ومن المتوقع أن تتمكن مجموعة ضئيلة من مؤسسات التطوير العقاري التي تتميز بموازنات قوية وسجل جيد ودعم كبير من تعزيز موقفها وحصتها بالسوق خلال الفترات العصيبة».
الملاحظ أن نمو قطاع التمويل السكني داخل سوق الأسهم الوطنية الهندية تباطأ خلال العام الماضي بسبب الأزمة الشديدة في السيولة.
من جانبها، خفضت شركات التمويل السكني نفقاتها. ومنذ أسبوعين، خفض المجلس الوطني للتنمية العقارية توقعاته لباقي العام إلى «متشائم»، في إشارة إلى عدم حدوث تحسن على النشاطات الجارية على الأرض على مستوى القطاع العقاري. في هذا الصدد، قال سوريندرا هيرانانداني، الرئيس والمدير الإداري لشركة «هاوس أوف هيرانانداني»: «الحاجة الملحة الآن تتمثل في تقليل معدلات الفائدة بدرجة كبيرة، مما سيسهم في تسوية أزمة السيولة القائمة ويقنع المشترين في نهاية الأمر باتخاذ قرار نهائي بشراء منازل». وأعرب شينتان باتيل، أحد مؤسسي شركة «كي بي إم جي إنديا» عن اتفاقه مع وجهة النظر السابقة، مضيفاً أن «تكلفة الديون مرتفعة».
يذكر أن وزيرة المالية نيرمالا سيتهارامان أعلنت بالفعل عن ضخ 2.500 مليار روبية لبناء «صندوق استثماري بديل» من أجل المشروعات الإسكانية المتعطلة. ومن المحتمل أن تدفع الحكومة من ناحيتها بـ100 مليار روبية. يذكر أن الوزيرة عقدت بالفعل جولات عدة من الاجتماعات مع العناصر الفاعلة بمجال السوق العقارية.
من جهته، قال جاياشري كوروب، كبير مستشاري مؤسسة «ماجيك بريكس» العقارية: «تكمن جذور التوتر الحالي في الإجراءات المتطرفة التي اتخذتها الصناعة خلال فترات الازدهار. في وقت سابق، كانت السوق العقارية أشبه بمنطقة برية لا تخضع لقانون وتسودها نشاطات غير نزيهة وغير خاضعة لسلطة القانون. وجاءت أسعار الوحدات السكنية، خصوصاً داخل الحواضر، أكبر من متناول الإنسان العادي. وبسبب معدلات الفائدة والاستثمار المفرطة، ارتفعت الأسعار على نحو جنوني».
ومع أن أسعار العقارات المتضخمة بدأت في التراجع، فإن ثمة عوامل أخرى أسهمت في الإسراع من وتيرة هذا التوجه. يذكر أنه في الوقت الذي بدأت فيه البنوك تشعر بعبء الأصول المتعطلة، وبينما واجهت الشركات المالية غير المصرفية أزمة في التمويل، اضطرت شركات التطوير العقاري إلى وقف العمل بكثير من المشروعات. في هذا الصدد، قال شيشير بايجال، الرئيس والمدير الإداري لمؤسسة «نايت فرانك إنديا»: «مع تحركنا نحو بيئة عمل أكثر مرونة عالمياً، ثمة حاجة لأن يبدأ القطاع العقاري الهندي في النظر إلى نفسه بوصفه يقدم خدمة، وليس منتجاً. ولن يكون من الممكن إضافة أكثر من 223 مليون نسمة جديدة إلى سكان المناطق الحضرية بحلول عام 2031 حال عدم تطوير سوق العقارات الإيجارية. ومع هذا، فإن إحياء وإضفاء طابع مؤسسي حقيقي على سوق العقارات الإيجارية يتطلب مزيداً من التفكير والنقاش من أجل تطوير قانون النموذج الإيجاري وتحويله إلى تشريع شامل وكامل ويحمل معنى حقيقياً».

- تنامي أعداد الوحدات ذات الأسعار المعقولة
رغم أن الواقع داخل قطاع الإسكان اليوم يبدو مخيفاً، فإن أسعار الوحدات السكنية داخل المدن الهندية أصبحت اليوم في المتناول بدرجة أكبر بكثير مقارنة بعام 2010، خصوصاً في مومباي وبونه وبنغالور، مما يجعل الوقت مناسباً لمشاركة العناصر المترددة.
وفي الوقت الذي اضطر فيه المشترون في مومباي إلى ادخار ما يزيد 11 ضعفاً على دخلهم السنوي كي يتمكنوا من شراء منزل داخل المدينة خلال عام 2010، تراجع هذا الرقم اليوم إلى 7.2 ضعف فقط لدخلهم السنوي، مما يجعل المنازل في متناول سكان المدينة بدرجة أكبر عما كانت عليه الحال منذ 8 أو 9 أعوام ماضية، تبعاً لما يكشفه مؤشر «نايت فرنك ريسرتش» لأسعار الوحدات. ويقف وراء هذه الزيادة في مستوى ملاءمة الأسعار، عاملان: انكماش الطلب بسبب الارتفاع الصاروخي في الأسعار، والذي أدى إلى فترة من الركود وتباطؤ وتيرة مبيعات الوحدات السكنية حتى عام 2017، واضطرار شركات التطوير العقاري إلى خفض الأسعار في أعقاب تنامي المخزون غير المبيع من الوحدات السكنية.
في هذا السياق، أوضح غلام ضيا، المدير التنفيذي لشؤون التقييم وبيع التجزئة لدى «نايت فرنك إنديا» في تصريحات لإصدار «بيزنس توداي»: «صحح المطورون العقاريون الأسعار بسبب تباطؤ المبيعات على امتداد الفترة ما بين عامين و3 أعوام الماضية. وسنشهد مزيداً من الضغوط على المطورين العقاريين في بعض القطاعات، وربما يضطر بعضهم إلى خفض الأسعار بدرجة أكبر. وربما يأتي ذلك في صورة مواسم للتنزيلات أو نتيجة مفاوضات مع المشترين المحتملين».
ويتمثل العامل الثاني في انكماش حجم الشقق. وتكشف الأرقام عن أن متوسط حجم الشقق انكمش بنسبة 26 في المائة بين عامي 2014 و2018، تبعاً لما أفادت به مؤسسة «نايت فرنك». وأوضح ضيا أن «هذا التراجع في الحجم جعل أسعار المنازل في المتناول بدرجة أكبر». علاوة على ذلك، انخفضت معدلات إقراض الرهن العقاري وأعلنت الحكومة عن محفزات للمشترين، بينها تخفيضات ضريبية وإعانات للحصول على منازل بأسعار في المتناول.


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»