لماذا يقاطع مثقفون أميركيون احتفالات اكتشاف أميركا؟

كريستوفر كولومبوس
كريستوفر كولومبوس
TT

لماذا يقاطع مثقفون أميركيون احتفالات اكتشاف أميركا؟

كريستوفر كولومبوس
كريستوفر كولومبوس

اليوم، سيحتقل الأميركيون بذكرى اكتشاف أميركا (الدنيا الجديدة)، ويسمون اليوم (يوم عطلة رسمية) بـ«يوم كولمبس»، الذي اكتشف الدنيا الجديدة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1492، لكن، قرر مثقفون (كتاب، وفنانون، وممثلون) في نيويورك مقاطعة الاحتفالات، حتى يتغير اسم اليوم. من أشهر مظاهر اليوم، موكب عملاق يجوب شوارع نيويورك، وهو موكب عمره أكثر من 100 عام، وينظمه الأميركيون من أصل إيطالي (خلال السنوات القليلة الماضية، اشتبكوا مع آخرين، منهم منظمات المثليين جنسيا، الذين كان منظمو الاحتفالات، وأغلبيتهم إيطاليون كاثوليك، رفضوا إشراكهم في الاحتفالات)، لكن، هذه مشكلة مختلفة.
بداية، لماذا احتضن الأميركيون الإيطاليون الاحتفالات؟
لأن أصل كولمبس إيطالي، ولد في جنوا، بإيطاليا، ثم هاجر إلى إسبانيا التي كانت (بعد سقوط الدويلات الإسلامية في الأندلس) إمبراطورية تسود البحار.
ومن هنا، بدأت مشاكل «يوم كولمبس»: هل هو إيطالي أم إسباني؟ لأكثر من 100 عام، هيمن على احتفالات اليوم الأميركيون الإيطاليون، لكن، خلال الـ30 عاما الأخيرة، زاد كثيرا عدد المهاجرين إلى أميركا من دول أميركا الوسطي وأميركا الجنوبية، وأعلنوا أنهم أولى باحتفال «يوم كولمبس» من الإيطاليين، وقدموا أسبابا، منها:
أولا: اكتشف كولمبس، أيضا، دولهم. في الحقيقة، اكتشف دولهم قبل أن يكتشف «الولايات المتحدة الأميركية»، بل إن هذا الاسم لا يعود إلى كولمبس، ولكن إلى مكتشف آخر هو: أميركو فوسبتشي.
ثانيا: يتكلم الأميركيون اللاتينيون اللغة الإسبانية، لغة كولمبس، بل إن كولمبس نفسه، بعد أن هاجر من إيطاليا إلى إسبانيا، هجر اللغة الإيطالية.
ثالثا: يشكل اللاتينيون نسبة 30 في المائة من سكان نيويورك، ويشكل الإيطاليون نسبة 10 في المائة، بل إن كل البيض يشكلون نسبة النصف (بعد أن كانوا 90 في المائة قبل 40 عاما). لم تزد فقط نسبة المهاجرين اللاتينيين في نيويورك، ولكن، بعد مرور 30 عاما على بداية موجة هجرتهم، ظهر الجيل الجديد وسطهم، هذا هو الجيل الذي ولد، أو تربي، في نيويورك، وهذا هو الجيل الذي فيه مثقفون ينتقدون سيطرة الإيطاليين على «يوم كولمبس». في الجانب الآخر، يتهم مثقفون إيطاليون المهاجرين اللاتينيين بأنهم لا يهتمون بالقيم والأفكار الحضارية التي تأسست عليها الولايات المتحدة، بل يقولون: إنهم يحتقرونها. كتب شارلز سبيروني (أميركي إيطالي) أنه بداية من عام 1866، يحتفل الإيطاليون في نيويورك باليوم، تخليدا لتراثهم الإيطالي، وقال إن «ولاية كولورادو (لا نيويورك) كانت أول من أعلن اليوم عطلة رسمية، عام 1907. وذلك بسبب جهود إنجيليو نوسي (أميركي إيطالي). وفي عام 1934 أعلن الرئيس فرانكلين روزفلت «يوم كولمبس» عطلة اتحادية، بعد أن كسب «اللوبي الإيطالي» في واشنطن أعضاء الكونغرس، وأقنعهم بذلك.
في الجانب الآخر، كتبت سينثيا دي ريغويز (أميركية مكسيكية) في مجلة «لاتينا» (مجلة نسائية للأميركيات اللاتينيات)، بأن «كولمبس داي» (يوم كولمبس)، يجب أن يغير إلى «ديا دي لا هسبانيداد» (يوم الإسبان)، وكتب هوزي إميزستون (أميركي كاريبي)، في صحيفة «لا برنسا» الإسبانية، أن «يوم كولمبس» يجب أن يغير إلى «ديا دي لا رازا» (يوم العرق، يوم العرق الإسباني)، وقال إن «كل دول أميركا اللاتينية تسميه هكذا»، وأضاف: «بالنسبة لهم، هذا يوم مقاومة الاستعمار الأوروبي، هذا يوم ذكرى السكان الأصليين الذين آبادهم الأوروبيون، قتلا، أو مرضا، أو احتقارا».
وهكذا، يقود مثقفون في نيويورك حملة مقاطعة «يوم كولمبس»، اليوم، وكل احتفال بهذا اليوم في كل عام، حتى يتغير الاسم.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».