هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟

مراجعات إقليمية ودولية لمنهجها بعد تصنيفها جماعة «إرهابية» في مصر وبعض دول الخليج

هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟
TT

هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟

هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟

في إحدى ليالي أواخر شهر يوليو (تموز) لعام 2012 كان كثير من المشاهدين أمام الشاشات يتحفزون لإعلان نتيجة السباق الانتخابي بين د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، فيما كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالتسريبات المرجحة لكفة أحد المتنافسين. كان السؤال الأكبر، هل حقا سيخرج «الإخوان المسلمون» إلى الضوء؟ كانت «البؤر» الإخوانية على امتداد العالم العربي تتحين لحظة الانتصار للجماعة الأم، لتتفجر بدورها في دول الفروع. وكان لهم ذلك. علا صوت «إخوان» الفروع في كل مكان، في الكويت انخرطوا في مظاهرات بتحالفات تشبه إلى حد كبير تحالفات الجماعة الأم في القاهرة. في الإمارات أعلن عن القبض على خلية إخوانية تخطط لقلب نظام الحكم، في السعودية القيادات «الإعلامية» للجماعة أصدرت البيانات تلو الأخرى، بلغت بها الوقوف حتى مع معتقلي تنظيم «القاعدة» الذين يطالب بهم إبراهيم الربيش، الإرهابي القيادي في «قاعدة» اليمن. في الأردن حلت مطالب أعلى سقفا وبوادر تحركات على الأرض، في تونس كانت الانتخابات تعلن فوز حزب «النهضة» الإخواني، وشرقها ليبيا كان الإخوان وميليشياتهم المسلحة يعقدون الصفقات السياسية.

كانت تجربة لافتة في صعود «القوى الأصولية» استمرت لمدة عام انتهت بمظاهرات عارمة في القاهرة تطالب بخلع حكم «الإخوان». والقبض على قيادات الجماعة بعد صراعات كر وفر مسلحة بين الجماعة والجيش المصري. ما دفع النظام المصري وبعض دول الخليج تصنيفهم كجماعة إرهابية.. وبقية القصة مشهورة.
وضع قيادات الجماعة الأم في مصر في السجون كان أشبه ما يكون بخنق «العقل السياسي» للفروع. وجدت هذه البؤر نفسها متروكة لمواهبها الخاصة، التي أظهرت اتجاهات الواقع السياسي أنها محدودة.. باستثناء تونس. يقول هاني نسيرة، مدير مركز العربية للدراسات في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «العمل أو النشاطية السرية في مصر صارت مشكلة عويصة بالنسبة لهم، لأنهم لم يخسروا القوى المدنية فقط ولكن خسروا قطاعات كبيرة من المدنيين، من الأزهر الذي اقتحموا مشيخته ومن الإفتاء الذي حاولوا اختطافه وخسر مرشحهم مفتي الجماعة في انتخاباته أوائل 2013. كما خسروا السلفيين مبكرا، قبل 30 يونيو (حزيران) وبعدها، وخسروا كذلك القطاع العريض من الجماعة الإسلامية الذي يقوده كل من ناجح إبراهيم وعبود الزمر، وقد أصدر الأخير مؤخرا عددا من المواقف ترفض مواقف الجماعة ورؤاها، ويرفض جمودها عند المطالبة بعودة مصر، ومدحا الجيش المصري الذي استطاع مواجهة الإرهاب المرتبط بها والمدافع عن أطروحاتها وحمى الدولة المصرية من التصدع والسقوط كما نشاهد في اليمن أو ليبيا! أو قوات المالكي المنحى في العراق».
ويزيد نسيرة «الجماعة الأم كانت كما وصفها قائد قبل تجربتها في الحكم، وقبل الثورات، إسفنجة جففت الماء عن فروعها، وظني أنها الأكثر تأزما الآن، لأنه تم تجريبها بعد 8 عقود من الوعد واليوتوبيا، فكانت جحيما تمرد عليها المصريون وأسقطوها، ولم يعد ممكنا لدى الفاعلين المصريين من مختلف القوى، حتى من اقتربوا من الإخوان قبل وبعد 30 يونيو القبول بإعادة معزولهم وجماعتهم للحكم».
«وفي حال لجأوا للتستر تحت غطاء جماعات أخرى، فهناك جماعة التبليغ والدعوة السلمية وغير المؤدلجة، التي تستر وانخرط فيها قادة جهاديون في السابق، لأنها ليست تنظيما، ولكن ظني أن هذه الجماعة صارت أكثر وعيا بإمكانيات اختراقها من الآخرين وكذلك الجمعيات الدينية كالشرعية وأنصار السنة، والأقرب برأيي للإخوان الآن هم الجهاديون والسلفية الجهادية في سيناء»، بحسب رأيه.
خارج الجغرافيا المصرية، بدا «إخوان الأردن» (أحد أهم الفروع) يعانون صعوبات بالغة. وصفها الصحافي والمحلل اللبناني حازم الأمين بأن «الإخوان المسلمون أصابهم الوهن من دون شك في أعقاب (الصفعة المصرية) التي ترددت أصداؤها في وجدانات جميع فروع الجماعة في العالم».
كانت العبارة السابقة من مقالة للأمين نشرت في صحيفة «الحياة» الدولية تحت عنوان «يا (إخوان الأردن)... لا تُخرجونا من حزبكم فتصيبنا المعصية»، تشرح بوادر تصدع داخلي في التنظيم داخل المملكة الأردنية.
والحال، يبدو أن الضربة الثانية لإخوان الأردن كانت عقب تصعيدها ضد الدولة الأردنية منذ بواكير الحرب الإسرائيلية على غزة. الجميع تحدث عن مظاهر تشكيلات مقاتلة قدمتها الأذرع الشبابية للإخوان في مهرجان «طبربور» لدعم حماس في غزة في حينه.
ما أفضى إلى تسريبات إعلامية رفيعة عن دراسة الحكومة الأردنية إلى اعتبار جماعة الإخوان المسلمين حزبا سياسيا غير مرخص والانتماء له محظور. في ذات الوقت الذي كانت حماس لا تجد بدا من الاقتراب من الدولة المصرية الجديدة والرضوخ لواقع القوى الإقليمية، وأن القاهرة.. عاصمة لا يمكن تجاوزها في حل معادلة السلام.

* إخوان الخليج

* تعرضت دول الخليج لهزات متفاوتة القوى جراء موجة «الربيع العربي»، كانت الكويت والمنامة الأكثر تأثرا كل منهما بمعطيات بيئته السياسية والاجتماعية والطائفية وتوازنها التعدادي، فيما كانت الرياض وأبوظبي العاصمتين الأكثر ثباتا، ومبادرة للتهدئة في دول الجوار والحد من تأثير صعود موجات «إسلام سياسي» يؤدي إلى التطرف والإرهاب. أما الدوحة فقد كانت مشغولة بتدوير عجلة صعود «الإخوان المسلمين» في مختلف دول الربيع، وأخيرا مسقط التي لاحت فيها بوادر أزمة داخلية لم تلبث أن توارت عن الأضواء.
يقول فهد الشافي، الباحث في الحركات الإسلامية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تموضع فروع حركة الإخوان المسلمين في الخليج ليست على درجة واحدة من التجذر. فالكويت شهدت ولادة أقدم هذه الفروع الخليجية تنظيما من خلال عبد العزيز المطوع، الذي تعرف في منتصف الأربعينات من القرن الماضي على حسن البنا، وعاد للكويت وفي عنقه بيعة، تخوله إنشاء التنظيم. وتبعه عبد الرحمن الجودر في البحرين الذي بايع أيضا التنظيم الأم في القاهرة. في هاتين العاصمتين يبدو الإخوان أكثر مأسسة وتغولا في الحياة السياسية منها في بقية عواصم الخليج العربي».
ويضيف «في حالة الدول التي لا تسمح بالأحزاب السياسية، كان أفراد الجماعة عادة ما يلجأون للعمل والنشاط السري. وليس من الصعب تتبع التنظيرات السياسية لبعض نجوم الشباك في المشهد السعودي المحلي والخليجي من تيار (الإسلام السياسي) للتنبه إلى أن أدبياتهم تتبنى الرؤية الإخوانية».
وينبه الشافي في ختام مداخلته «هناك مأزق جديد يواجه (الإخوان الجدد) أو الجيل الشاب منهم، أن صيغة تكوينهم السياسي تختلف عن جيل الكبار الأوائل الذين كانوا أكثر مهاودة مع الأنظمة الحاكمة في حقب سابقة لثورات الربيع العربي. انخراط الجيل الشاب من الإخوان في الموقف الثوري، ومحاولتهم اكتساب موقف سياسي منه، سيجعل من الصعب عليهم التراجع لمربع التصالح مع النظام والدولة. تجربة الإخوان المسلمين في مصر خذلت حتى أكثر المتحمسين من تيارات الإسلام السياسي الأخرى، وقناعتي أن عودتهم للحياة السياسية ستكون صعبة جدا وهم مصنفون كجماعة إرهابية، دون أن ننسى تأثير المتغير المصري على المشهد بالعموم».

* إخوان المغرب العربي

* إذا كانت الحالة الليبية الأوضح لتغول ميليشيات «الإسلام السياسي» بما فيها التابعة لـ«الإخوان المسلمين» والتي تشير دوائر استخباراتية ورسمية إلى تلقيها أموالا خارجية لإنعاشها وتقويتها، فإن جارتها الصغيرة، تونس، تبدو حالة مثيرة للانتباه على مستوى الأداء السياسي لحزب «النهضة» هناك، الذراع الإخوانية.
«البراغماتية» السياسية التي أظهرها حزب النهضة، بقيادة راشد الغنوشي فرضها مأزق سقوط حكم الجماعة الأم في القاهرة.
احتفالية الانتهاء من كتابة الدستور وتمريره بالموافقة قبل نحو العام، جاءت لحزب النهضة الذي يقوده راشد الغنوشي كطوق نجاة، أو سجادة يمكن تخبئة المشكلات السياسية تحتها حتى موعد الانتخابات المقبلة على الأقل، المقررة في نهاية الشهر الجاري. فبينما كان الجميع يراقب تداعيات موجة سقوط حكم الإخوان العارمة في مصر على توازن القارب التونسي بقيادة حزب النهضة الإخواني. كان الغنوشي يبدي مرونة لم تكن لتظهر لولا التداعيات الشعبية في التجربة المصرية ومزاجها «الثوري» الذي كادت عدواه أن تنتقل لتحرك الشارع التونسي.
قال في حينه، الباجي السبسي رئيس حزب «نداء تونس» الأكثر قربا في أدبياته لأحزاب اليمين الليبرالي في حديثه لمجلة «لو بوان» الفرنسية بعد إقرار الدستور بأن هدف حزبه كان يتمثل في رحيل الحكومة السابقة، عادا أن تحقق ذلك مثّل يوما عظيما لتونس.
وأضاف السبسي، أحد رجالات الدولة البورقيبية، الذي تشير بعض المؤشرات واستطلاعات الرأي هنا وهناك عن تقارب نسب التأييد لحزبه منافسا للنهضة «منذ 2011 كنت أقنع حركة النهضة بالمشاركة في الحوار، وأخبرت راشد الغنوشي أنه في صورة عدم التعاون فإن النهضة ستزاح من الحكم بالقوة (...) ما نأخذه على حزب النهضة، ليس أنه حركة إسلامية بل تسببه في تأخر تونس كما لم يحدث من قبل ودفع البلاد نحو الإفلاس».
قبل أكثر من أسبوع كان الأب الروحي لـ«الإخوان المسلمين» يوسف القرضاوي ينشر على موقعه الخاص في «تويتر» تصريحا ينص على أنه لا يرضى أن تقاتل الولايات المتحدة الأميركية تنظيم داعش في العراق والشام.
على ذات النسق تبعه بأيام، راشد الغنوشي، في حواره مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية المقربة من حزب الله ونظام بشار الأسد. حول موقفه من التحالف الدولي الذي يشن أحد حروبه على الإرهاب المتمثل في تنظيم «داعش» بقوله «في هذا الإطار كان موقفنا واضحا ومشرفا بعد رفض المشاركة في تدخل التحالف الدولي في العراق وسوريا تحت غطاء محاربة ما يسمى (داعش) أو الإرهاب».
في سياق متصل، كان المؤلف والباحث مصطفى القلعي كتب مقالا في «الخلفية الإخوانية لحزب النهضة التونسي»، قائلا: «الإخوان يعرفون أنّ لهم دعما كبيرا تمثّله التيّارات السلفيّة بمختلف تشكّلاتها. ولهذا انعقدت بينهم العلاقات السريّة والعلنيّة. ولا يمكن للتيّار الإخواني أن يرفض المساعدة ممّن يتطوّع لإسناده في إزالة الخصوم من قبل الجماعات العنفيّة وعلى ترويض المجتمع عن طريق الدعاة والجمعيّات وأئمّة المساجد. ولعلّ هذا التقارب والتعاضد بين التيّار الإخواني والتيّارات السلفيّة الجهاديّة يتجلّى في أوضح صوره في سوريا اليوم».
«الإخوان المسلمون» كحالة سياسية متفاوتة الارتفاع والانخفاض على امتداد العالم العربي، وذهاب الكثير من الباحثين إلى أن الجانب «العنفي» لدى الجماعات المسلحة من تيارات الإسلام السياسي، مرده للأدبيات الإخوانية القائمة على مفاهيم الخلافة والجهاد المسلح. يضع الجماعة في مأزق سياسي فلسفي وجماهيري.
يشرحه نسيرة الذي أنهى أطروحته للدكتوراه حول العلاقة بين فكر شيخ الإسلام ابن تيمية والجماعات الجهادية المعاصرة في مصر والعالم العربي بقوله «الإخوان على المستوى الفكري والمطلبي الإسلامي الآن أقرب للتيارات الجهادية والسلفية الجهادية في موقفهم من دولة ما بعد 30 يونيو والدول الداعمة له، ولا شك أنه من المرجح عقدهم اتصالات قوية مع هذه التيارات والتنسيق فيما بينها، يتضح في التزامن بين المظاهرات والعمليات التفجيرية في كثير من الأحيان! والاستعداد العالي لدى قواعد الإخوان للعنف بعد سقوط حلمهم الذي كان كابوسا في الرئيس المعزول».
ويزيد «لكن نرجح أيضا أنه مع انشقاق جبهة 30 يونيو وعدم رأب الصدع مع حركات شبابية ثورية وحزبية وآيديولوجية، يسارية واحتجاجية ونقابية، قد يسعى الإخوان للانضمام تحت لوائها والانضمام إليها بنفس مطلبياتها الناقدة والمعارضة للدولة، أو المعارضة لقانون التظاهر، أو لبعض أحكام القضاء، وبعض ممارسات الأمن، والتي يزيد الإعلام الغوغائي في مصر من انتشارها لأن خطابه انقسامي وغير علمي وغير موضوعي في كثير من الأحيان.. قد ينضوي الإخوان تحت رايات هؤلاء بوصفهم نشطاء سريين لخدمة القضية الإخوانية ككل وتعميق فكرة النزوع الثوري المعارض من جهة أخرى على النظام القائم».
حالة «الانسداد السياسي» التي تعيشها الجماعة كآخر التجارب الأممية، بعد أفول نجم «الشيوعية» بدوره بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والفشل اللاحق للتجربة «القومية»، تدفع باتجاه ارتياب قلق من جماعات «الإسلام السياسي» و«الإخوان» تحديدا الذين بات مناصروها وقواعدها الشعبية تخوض ما يشبه حرب الشوارع في مصر. وحيث جميع الإشارات تشير إلى أنه لا مصالحة مع «الإرهاب» على حساب استقرار الأوطان وأمنها الإقليمي، على الأقل من قبل دول الخليج باستثناء قطر.. حتى الآن فإن الذاكرة الخليجية ما زالت تسترجع بمرارة، تجربة أوائل التسعينات من القرن الماضي، حين شكل موقف الجماعة (الأم) في مصر صدمة لأتباعها في الخليج، وفي الكويت تحديدا بعد تأييدها صدام حسين في غزوه الكويت. هذه الصدمة منبعها أنه إبان تلك الفترة كانت دول الخليج والكويت تحديدا أهم مصدر لاقتصاديات الإخوان.
تلك التجربة التي أظهرت ملمحا سياسيا جديدا قائما على التضحية بالهويات الفرعية للجماعة في سبيل تحقيق المشروع الأممي حتى لو كان بالتضامن مع صدام حسين في غزوه دولة عربية مجاورة، وحتى لو كان على حساب الخليج الذي غذى شرايين الجماعة ماديا لعقود، قبل أن تصنف الجماعة على أنها إرهابية في بعض دول الخليج، ما يعني أن الأسئلة القادمة الأكثر قلقا للفروع، ماذا سيحدث مع ما تواجهه الجماعة من تجفيف للمنابع الاقتصادية وحصار سياسي يزداد يوما بعد آخر؟



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.