وثائق استخباراتية تكشف: هكذا رسخت إيران نفوذها في العراق

قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني خلال اجتماع مع المرشد الإيراني علي خامنئي (أرشيف - أ.ب)
قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني خلال اجتماع مع المرشد الإيراني علي خامنئي (أرشيف - أ.ب)
TT

وثائق استخباراتية تكشف: هكذا رسخت إيران نفوذها في العراق

قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني خلال اجتماع مع المرشد الإيراني علي خامنئي (أرشيف - أ.ب)
قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني خلال اجتماع مع المرشد الإيراني علي خامنئي (أرشيف - أ.ب)

كشفت وثائق سرية تم تسريبها من داخل الاستخبارات الإيرانية، عن خطط إيران لفرض سيطرتها ونفوذها في العراق، والجهود التي قام بها الجواسيس الإيرانيون منذ سنوات لاختيار قادة البلاد.
والوثائق التي حصل عليها موقع «ذا إنترسيبت» وقام بمشاركتها مع صحيفة «نيويورك تايمز»، تتكون من مئات التقارير التي كتبها ضباط في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية في عامي 2014 و2015.
وتكشف التسريبات نفوذ طهران الهائل في العراق، وقد أكدت أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على وجه الخصوص كانت له علاقة خاصة مع إيران، منذ أن كان وزيراً للنفط في عام 2014.
وفي عام 2018، عندما أصبح المهدي رئيساً للوزراء، كان ينظر إليه كمرشح توافقي مقبول لدى كل من إيران والولايات المتحدة. وقد أكدت الوثائق أنه لا يمكن لأي سياسي عراقي أن يصبح رئيساً للوزراء دون مباركة إيران.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت الوثائق إلى أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، الذي ظل لأكثر من عقدين في المنفى في سوريا وإيران، كان الشخصية المفضلة لطهران، بينما كان ينظر لحيدر العبادي الذي تولى رئاسة الوزراء بعده على أنه أكثر ودية للغرب وأقل طائفية، إلا أن ذلك لم يدعُ إيران للقلق؛ حيث إن كثيراً من الأعضاء الرئيسيين في حكومة العبادي كانت لهم علاقات وثيقة معها.
وعلى سبيل المثال، فإن إبراهيم الجعفري، الذي كان قد شغل منصب وزير الخارجية في حكومة العبادي، كانت لديه علاقات وثيقة مع إيران، وفقاً للتسريبات. ولم ينكر الجعفري ذلك؛ لكنه قال إنه كان يتعامل دائماً مع دول أجنبية؛ لأن مصلحة العراق كانت تتطلب منه ذلك.
وأشارت الوثائق أيضاً إلى أن بيان جبر، الذي شغل منصب وزير الداخلية في 2005، واتُّهِم بإنشاء سجون سرية تعرض فيها مئات السجناء للتعذيب حتى الموت، صعقاً بالكهرباء، أو تم إطلاق النار عليهم، كان قريباً جداً من إيران.
وقالت الوثائق إن وزراء البلديات والاتصالات وحقوق الإنسان السابقين كانوا «في وئام تام وواحد مع إيران وشعبها»، وإن جميعهم أعضاء في منظمة «بدر»، وهي مجموعة سياسية وعسكرية أسستها إيران في الثمانينات لمعارضة صدام حسين.
وأنكر وزير البلديات السابق وجود علاقة وثيقة مع إيران، بينما اعترف وزير حقوق الإنسان السابق بقربه منها.
ومن جهته، قال وزير الاتصالات السابق إنه خدم العراق، وليس إيران، وأنه حافظ على علاقات مع دبلوماسيين من كثير من البلدان.
وفي خريف عام 2014، استقبل بيان جبر، الذي كان يشغل منصب وزير النقل والمواصلات حينها، قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني في مكتبه؛ حيث طلب منه سليماني السماح لإيران بالوصول إلى المجال الجوي العراقي لنقل طائرات محملة بالأسلحة وغيرها من الإمدادات لدعم نظام بشار الأسد، الأمر الذي قبله جبر.
ولم ينكر جبر ذلك؛ لكنه قال إن الرحلات الجوية من إيران إلى سوريا كانت تحمل الإمدادات الإنسانية والحجاج الدينيين المسافرين إلى سوريا لزيارة الأماكن المقدسة، وليس الأسلحة والإمدادات العسكرية.
جاء ذلك في الوقت الذي حاول فيه مسؤولو إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إقناع الحكومة العراقية بإيقاف الرحلات الجوية الإيرانية عبر مجالهم الجوي.
وقد أشارت الوثائق إلى أن أوباما اعتبر أن سياسات رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي "القمعية ضد السنة"، أدت إلى ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي.
وأشارت الوثائق إلى أنه في كل من العراق ولبنان وسوريا، يحدد «الحرس الثوري»، وخصوصاً قوات «فيلق القدس»، سياسات إيران. ويتم تعيين سفراء هذه الدول من الرتب العليا لـ«الحرس الثوري»، وليس من وزارة الخارجية.
وبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في عام 2011، نقلت إيران بعضاً من أفضل ضباطها من كل من وزارة الاستخبارات ومن جهاز الاستخبارات التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني إلى العراق، كما أسرعت بالبحث عن جاسوس من داخل وزارة الخارجية الأميركية، وفقاً للوثائق.
ولم يتم ذكر اسم مسؤول وزارة الخارجية الذي استعانت به إيران، إلا أنه تم وصفه على أنه شخص لديه قدره كبيرة على تقديم «رؤى استخباراتية حول خطط الحكومة الأميركية في العراق، سواء المتعلقة بـ(داعش) أو بأي عمليات سرية أخرى».
ووفقاً لتقرير «نيويورك تايمز» فقد أقر المسؤولون الإيرانيون بأن إيران تعتبر مراقبة النشاط الأميركي في العراق بعد الغزو الأميركي، ضرورة لبقائها وأمنها القومي.
من جهته، رفض حسن دانييفار سفير إيران لدى العراق من 2010 إلى 2017 ونائب قائد القوات البحرية لـ«الحرس الثوري» سابقاً، الإقرار بصحة هذه الوثائق؛ لكنه أشار إلى أن إيران لديها اليد العليا في جمع المعلومات في العراق. وأوضح قائلاً: «نعم، لدينا كثير من المعلومات من العراق حول قضايا متعددة؛ خصوصاً حول ما كانت تفعله أميركا هناك».
وكشفت التسريبات أيضاً أن مجزرة السنة في جرف الصخر عام 2014، مثال حي على أنواع الفظائع الطائفية التي ارتكبتها الجماعات المسلحة الموالية لـ«فيلق القدس» الإيراني.
فعندما طردت الميليشيات المدعومة من إيران المسلحين التابعين لـ«داعش» من جرف الصخر في أواخر عام 2014، أصبحت مدينة أشباح؛ حيث تم تشريد عشرات الآلاف من السنة، وتم العثور على سياسي محلي، هو العضو السني الوحيد في المجلس الإقليمي، مقتولاً برصاصة في رأسه.
وتظهر الوثائق أيضاً تلقي إيران عقوداً لمياه المجاري وتنقية المياه، بعد دفعها رشوة قيمتها 16 مليون دولار لأحد أعضاء البرلمان.
يذكر أن سليماني كان قد زار العراق في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لإقناع حليف له في البرلمان العراقي بمساعدة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على البقاء في منصبه، مع تصاعد الاضطرابات المطالبة بالإطاحة به.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).