الخرطوم تعلن التوصل لاتفاق بشأن سنوات ملء «سد النهضة»... والقاهرة تترقب

البرلمان العربي يدعو إثيوبيا لعدم المساس بـ«الأمن المائي» لمصر والسودان

صورة أرشيفية لسد النهضة (رويترز)
صورة أرشيفية لسد النهضة (رويترز)
TT

الخرطوم تعلن التوصل لاتفاق بشأن سنوات ملء «سد النهضة»... والقاهرة تترقب

صورة أرشيفية لسد النهضة (رويترز)
صورة أرشيفية لسد النهضة (رويترز)

قال وزير الري والمورد المائية السوداني ياسر عباس، في تصريحات صحافية، نشرت أمس، إن مداولات الاجتماع بين السودان ومصر وإثيوبيا، التي جرت في أديس أبابا، يومي الجمعة والسبت الماضيين، وحضرها ممثلون عن الولايات المتحدة والبنك الدولي، أحرزت تقدماً في القضايا الخلافية التي يجري التفاوض حولها بشأن سد النهضة الإثيوبي.
وأوضح المسؤول السوداني أن الدول الثلاث توافقت على الملء الأول لبحيرة السد، في فترة زمنية تصل 7 سنوات، وفقاً لـ«هيدرولوكية» نهر النيل الأزرق.
وحسب الوزير عباس، فإن التفاوض شمل موضوعات التشغيل الدائم لسد النهضة، وتأثيراته على منظومة السدود في كل من السودان ومصر، وأرجأ بحث القضايا الخلافية غير المتوافق عليها لشهري ديسمبر (كانون الأول) 2019، ويناير (كانون الثاني) 2020 المقبلين.
ورفض محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الري المصرية، تأكيد أو نفي ما صرح به المسؤول السوداني، لكنه أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن ما جرى مناقشة هو أن «يكون ملء خزان السد على مراحل وفق هيدرولوكية نهر النيل الأزرق، بما يجنب التأثيرات السلبية على دول المصب بقدر الإمكان».
وأضاف السباعي: «الأهم ليس هو عدد سنوات الملء فقط، بقدر وضع قواعد ونسب وفق ظروف التدفقات المائية، بالتنسيق المتبادل بين الدول الثلاث، وهو ما سيتم حسمه في الاجتماعات المقبلة». ونوه السباعي إلى «مطالبة مصر بإدارة مشتركة للسد، ولكل السدود على المجرى المائي، وفق القواعد المعمول بها عالمياً».
وتعد فترة ملء الخزان أكبر النقاط الخلافية بين إثيوبيا ومصر، وخلال المفاوضات السابقة كانت تصر إثيوبيا على أن تكون ثلاث سنوات، بينما تريد القاهرة زيادتها إلى سبع سنوات.
ومن المقرر أن يجري الاجتماع الثاني في القاهرة، مطلع ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ويعد اجتماع أديس أبابا، الذي جرى الأسبوع الماضي، بين وزراء الري والموارد المائية بالدول الثلاث الأول، أحد 4 اجتماعات جرى الاتفاق على عقدها خلال لقاء وزراء خارجية الدول الثلاث في العاصمة الأميركية واشنطن في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، برعاية وزير الخزانة الأميركي وبحضور رئيس البنك الدولي. واتفق وزراء الخارجية في اجتماع واشنطن، على اللجوء إلى البند العاشر من «اتفاق إعلان المبادئ»، الموقّع في الخرطوم 2015، الذي نص على إحالة الأمر للوساطة أو رؤساء الدول، حال فشل التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية بحلول منتصف يناير 2020.
وفشلت آخر جولتين بين الخبراء الفنيين في الاتفاق على سنوات ملء بحيرة السد، وإدارته وتشغيله، أثناء سنوات الفيضان والجفاف، بعد أن كان فريق الخبراء الفنيين للدول الثلاث اقترح في 2018 ملء بحيرة السد على ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى تخزين 5 مليارات متر مكعب لتشغيل «توربينات توليد الكهرباء»، وهي فقرة لا خلاف عليها، واقترح الإثيوبيون في المرحلة الثانية تخزين 13.5 مليار متر مكعب من إجمالي إيرادات النهر البالغة 48 مليار متر مكعب، وهو ما اعترضت عليه دولتا السودان ومصر، لتأثيرها على حصتهما من المياه، لا سيما في سنوات الجفاف.
وتتخوف مصر من أن يؤدي ملء خزان سد النهضة، بسعته التخزينية البالغة 74 مليار متر مكعب من المياه، إلى تقليص حصتها التاريخية من المياه المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب.
وفي هذا السياق وجه مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي، رسائل مكتوبة إلى كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب في إثيوبيا، لإبلاغهما بقرار البرلمان العربي، بشأن «التضامن الكامل مع مصر والسودان لحماية أمنهما المائي»، في مواجهة تأثيرات سلبية متوقعة لـ«سد النهضة»، الذي تبنيه أديس أبابا على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، على دولتي المصب.
وأكد السلمي، عبر رسائله، التي أورد مضمونها في بيان أمس، أهمية التوصل لـ«اتفاق عادل بشأن ملء وتشغيل السد»، في المفاوضات الدائرة حالياً بين الدول الثلاث، بما «يُحقق مصالح جميع الأطراف، ولا يُلحق أي ضرر بكل من مصر والسودان».
وأشار السلمي إلى قرار البرلمان العربي الذي تم التصويت عليه بالموافقة خلال الجلسة التي عقدت بالقاهرة نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بشأن التضامن الكامل مع مصر والسودان لحماية أمنهما المائي.
ونوه في رسائله إلى أن القرار أكد تضامن البرلمان العربي ووقوفه التام مع مصر والسودان، ودعمهما في حماية أمنهما المائي، ورفض المساس بحقوقهما القانونية والتاريخية، وحصتهما الثابتة في مياه نهر النيل، وضرورة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين مصر والسودان وإثيوبيا المتعلقة بمشروع «سد النهضة».



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.