أزمات المنطقة تنذر السوريين بشتاء قاسٍ جديد

فشلت أم جابر (80 عاماً) في تصريف مبلغ 50 يورو عن طريق جيرانها، وأم جابر التي تعيش وحيدة في حي ركن الدين بدمشق، تعاني من «ديسك» في الظهر وآلام بالمفاصل تقعدها عن الحركة، عبرت عن استغرابها لعدم تمكن جارها الذي تثق به أكثر من أبنائها من تصريف نصف المبلغ الذي يصلها شهرياً من حفيدتها اللاجئة في ألمانيا، وتقول: «جاري دائماً يصرّف لي ما يصلني من حفيدتي، إلا هذه المرة غاب يومين ثم عاد ليقول إنه دار على كل معارفه ممن تلزمهم عملات أجنبية، لكن أحداً لم يقبل شراءها منه، لأن أسعار الصرف مرتفعة، وأنا لم يبق معي فرنك سوري، وبحاجة ماسة للدواء».
تتوقف حركة تصريف العملات الأجنبية عادةً في حال الارتفاع المتسارع للأسعار، خشية هبوط مفاجئ؛ حيث لا تزال الليرة السورية تواصل انحدارها الحاد أمام الدولار، الذي وصل إلى أعلى مستوى له منذ 70 عاماً، متجاوزاً عتبة الـ720 ليرة سورية، ليكون هذا أدنى سعر للصرف تشهده الليرة السورية عبر تاريخها.
تاجر كهربائيات في دمشق أكد أنه يبيع بخسارة، فهو لا يستطيع تثبيت سعر بضاعته، يقول: «ننام على سعر لنستيقظ على سعر جديد، المدفأة التي أبيعها اليوم بـ10 آلاف، أبيعها غداً بـ12 ألفاً، بسبب ارتفاع سعر الدولار». ويتابع متأففاً: «الجميع يتحدثون عن جشع التجار، وأنهم يستفيدون من ارتفاع سعر الصرف، علماً بأننا أول المتأثرين، لأن عدم استقرار سعر الصرف يذيب الربح، ويأكل من رأس المال».
وأدى تسارع هبوط الليرة إلى تفاقم مجموعة من الأزمات المعيشية التي يعاني منها السوريون، وبينما بدأت أزمة الوقود في حلب ومحافظات الساحل، وعادت إلى الشوارع طوابير الغاز والمازوت والبنزين، اجتاحت أسواق دمشق موجة جديدة من ارتفاع الأسعار لغالبية اللوازم المعيشية، بنسبة وصلت إلى 20 في المائة. وذلك رغم تكثيف مديرية التموين دورياتها لضبط الأسعار، وسط الخوف من تكرار أزمة الوقود الحادة التي عاشتها البلاد العام الماضي، مع حلول فصل الشتاء وعودة تقنين الكهرباء لساعات طويلة.
ناجي سائق تاكسي بدمشق يعبر عن قلقه من فصل شتاء قاسٍ، في حال زاد تقنين الكهرباء مع شح المازوت والغاز، ويقول: «الوضع عموماً غير مطمئن، المنطقة كلها مضطربة، وكلما اعتدنا على أزمة ولدت لدينا أزمات جديدة».
هذا وقالت مصادر اقتصادية لـ«الشرق الأوسط»، إنه «من المنتظر أن يعلن (المصرف المركزي) عن إجراءات جديدة لتخفيف الطلب على الدولار في السوق السوداء، بعد فشل صندوق مبادرة القطاع الخاص الذي أنشئ قبل شهر لدعم الليرة وكبح الهبوط الحاد لليرة».
يُشار إلى أن الصندوق أنشئ لتعويض عجز «المصرف المركزي» عن تمويل المستوردين؛ حيث تبنى القطاع الخاص ذلك بسعر صرف أقل من السوق الموازية، شرط إيداع المستورد قيمة 10 في المائة من الإجازة في الصندوق. وكان الهدف تثبيت سعر صرف الدولار عند مستوى الـ500 ليرة سورية.
وأشارت المصادر الاقتصادية إلى أن توتر الأوضاع في لبنان، واضطراب القطاع المصرفي، وسوق الصرف، انعكس على سوق الصرافة في سوريا، ليكون سبباً إضافياً في انهيار قيمة الليرة، إلى جانب جملة من الأسباب الرئيسية، كالخلل الكبير بالميزان التجاري، فمع اشتعال الاضطرابات في لبنان تراجعت بشكل كبير الحوالات الخارجية والبنكنوت.
كما شهدت سوق الصرف في سوريا، مؤخراً، زيادة في الطلب على الدولار، لعدم توفره في لبنان. وتقدر إيداعات السوريين في المصارف اللبنانية بأكثر من 30 مليار دولار في لبنان. وأضافت المصادر، أن الوضع في العراق كان له انعكاس سلبي فاقم الأزمة في سوريا على نحو أقل من تأثير الوضع في لبنان، إلا أن المصادر توقعت آثاراً سلبية لاضطراب الوضع الداخلي الإيراني على الاقتصاد السوري، في حال استمرارها على خلفية قرار الحكومة الإيرانية رفع أسعار البنزين بهدف ترشيد الدعم. الأمر الذي رأت فيه المصادر «إحدى نتائج العقوبات الأميركية على إيران، لا سيما في قطاع النفط».
يُشار إلى أن إيران دعمت النظام السوري منذ بداية الاحتجاجات ضده عام 2011، وفي عام 2013 عززت دعمها السياسي بآخر اقتصادي، إذ فتحت ثلاثة خطوط ائتمان؛ أولها بقيمة مليار دولار خصصت لاستيراد السلع الغذائية، ودعم الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي والليرة السورية، تبعه خط ائتمان ثاني بقيمة 3.6 مليارات دولار، خصص لاستيراد المشتقات النفطية ودعم الليرة السورية. وفي عام 2015، فتح خط ائتماني ثالث قدره مليار دولار.
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، متوسط إجمالي إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنوياً، منذ 2011 ولغاية 2017، الأمر الذي كان محط جدل في الشارع الإيراني؛ حيث يرفض الإيرانيون تدخل نظامهم في سوريا، ودعم اقتصاد النظام السوري، في الوقت الذي يعاني فيها الإيرانيون من أزمات اقتصادية ناجمة عن الفساد والعقوبات الدولية الاقتصادية.