اختبار طائرة جديدة تعمل بالطاقة الكهربائية

تصمم بمحرّكين كهربائيين أسفل الجناحين مع مراوح دوّارة

اختبار طائرة جديدة تعمل بالطاقة الكهربائية
TT

اختبار طائرة جديدة تعمل بالطاقة الكهربائية

اختبار طائرة جديدة تعمل بالطاقة الكهربائية

حصلت وكالة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» أخيراً على طائرة «إكس - 57 ماكسويل» الكهربائية بالكامل، وهي تتهيأ لاختبارها في الأشهر المقبلة، إذ من المتوقّع أن تقلع في طيرانها الأوّل في عام 2020، وتعتبر هذه الطائرة خطوة صغيرة نحو تحويل الطيران الخالي من الانبعاثات الضارة بالبيئة إلى حقيقة، ما يجعل توقيت ظهورها الآن مثالياً.
تصاميم كهربائية
تشكّل حصّة الطيران من انبعاثات الغازات الدفيئة 2.4 في المائة، ويشهد الطّلب على السفر الجوّي نموّاً سريعاً سيتضاعف بحسب التوقعات ثلاث مرّات حتّى نهاية هذا القرن. وفي الوقت الحالي، يقول العلماء إنّ تثبيت التسخين الحراري للأرض على 1.5 درجة مئوية خلال القرن الجاري يتطلّب من العالم تخفيض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030.
الخيارات المتوفّرة لتخفيف الانبعاثات الناتجة عن السفر الجوي قليلة، ما أدّى إلى بروز حالة من الخجل بين المسافرين الذين يواجهون صعوبة في التوفيق بين عادات السفر ومخاوفهم تجاه تردي المناخ. وكانت المراهقة الشهيرة والناشطة البيئية غريتا ثانبرغ قد عبرت المحيط الأطلسي في مركب شراعي هذا الصيف لتجنّب الانبعاثات الناتجة عن الطيران.
يحاول المهندسون المختصون التوصّل إلى وسائل تتيح لهم تنقية السفر الجوي من نواتج الكربون، ويرون في عمليات الكهرباء مضماراً واعدا لتحقيق هذا الهدف. وقال أندرياس شافر، أستاذ الطاقة والنقل في جامعة «يونيفرسيتي كوليدج لندن» إنّ «هذا الموضوع هو من أهمّ المسائل التي تشغل عالم هندسة الطيران اليوم».
ينطوي نظام الطاقة الكهربائية للطيران على فعالية أكبر من المحرّكات التقليدية، ويمكن أن يفتح الباب لتصاميم جديدة للطائرات، فضلاً عن أنّ التحوّل إلى الطاقة النظيفة في هذا القطاع سيقضي على انبعاثات الغازات الدفيئة. من جهة أخرى، يعتبر الدفع الكهربائي وسيلة أقلّ تعقيداً على الصعيد الميكانيكي، ومن شأنه نظرياً، أن يخفّض تكاليف التشغيل، وهذا هو السبب الذي يدفع ببعض شركات الطيران إلى طلب الطائرات الكهربائية.
طائرة بيئية
تمثّل طائرة «ناسا» الجديدة، والتي تتألّف من محرّك تكنام P2006T مزدوج معدّل من صناعة «إمبريكال سيستمز آيروسبيس»، خطوة متواضعة في هذا الاتجاه. تحتوي السوق اليوم على نماذج قليلة من الطائرات الكهربائية، كـ«ألفا إلكترو» التدريبية من تطوير شركة «بيبيستريل»، ولكنّ مشروع «إكس 57» مميّز عن غيره لأنّه لا يقتصر على اختبار نظام الدفع الكهربائي فحسب، بل يدرس أيضاً كيف يمكن للمحركات الكهربائية أن تغيّر الديناميكا الهوائية للطائرات وتؤدّي إلى إنتاج تصاميم جديدة كليّاً.
خلال فترة الاختبار الأولى، ستعتمد الطائرة على محرّكين كهربائيين مثبّتين أسفل الجناحين مع مراوح دوّارة، كما في محرّكات المكابس التقليدية. بعدها، سيتطوّر الاختبار ويعتمد على تصميم مختلف كليّاً، مزوّد بأجنحة أرقّ بكثير، ومحرّكين أساسيين مثبّتين على طرفي الجناحين، إلى جانب 12 محرّكا صغيرا مثبّتة على طول الحافة الأمامية للجناح.
يهدف استخدام المحرّكات الصغيرة إلى توليد دفعة إضافية للإقلاع والهبوط، والسماح للطائرة بطي المراوح خلال الطيران لتحفيف طاقة الجذب. تهدف استعانة المهندسين بالجناح القليل العرض إلى زيادة فاعلية طيران مركبة «إكس - 57» بنسبة 500 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا التصميم لا يمكن تطبيقه مع المحرّكات التقليدية.
ولكن متى سيصبح بإمكانكم حجز تذكرة للسفر على متن طائرة كهربائية؟ والجواب أنه يصعّب تحديد موعد والالتزام به لتصميم لا يزال تجريبيا.
وبالإضافة إلى مسألة الاختبار، يتوجب على الجهات القانونية المسؤولة عن تجنّب مخاطر الطيران وضع بروتوكولات جديدة للسلامة لتنظيم عمل المكوّنات الجديدة كالبطاريات العملاقة التي ستحتاجها الطائرات الكهربائية. وهنا، لا بّد من الإشارة إلى أنّه على الرغم من التطوّر الذي تشهده تقنية البطاريات، لا تزال بعيدة كلّ البعد عن تشغيل الطائرات لجهة كثافة الطاقة، أي أنّ الطائرات الكهربائية ستبقى محصورة بالمسافات القصيرة في المستقبل القريب.



«تأثيرات مُدّمرة» لاستخدام مياه الصرف الصحي في الري

استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)
استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)
TT

«تأثيرات مُدّمرة» لاستخدام مياه الصرف الصحي في الري

استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)
استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)

مع ازدياد عدد سكان العالم وارتفاع الكثافة السكانية في التجمعات الحضرية والمدن الكبرى، وزيادة الضغط على الموارد المائية الإقليمية، تلجأ بعض الدول إلى إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لري الأراضي الزراعية.

تاريخياً، يُعد ري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي من أقدم التقنيات التي استخدمها البشر، وقد تطوّرت هذه الممارسات مع تطور المدن عبر العصور. وعلى الرغم من أن اللجوء إلى هذا الحل قد يوفّر مصدراً مستداماً للمياه ويخفّف الضغط على مصادر المياه العذبة، فإنه يحمل مخاطر صحية وبيئية مُدمّرة، إذا لم تُعالج المياه بشكل مناسب، وفقاً لدراسة دولية قادها باحثون من ألمانيا.

وأوضح الباحثون بجامعة «الرور» الألمانية، أن نحو 30 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في العالم تُروى بمياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً، وهذه المساحة أكبر بكثير مقارنة بمساحة الأراضي التي تُروى باستخدام مياه الصرف المعالجة، التي لا تتجاوز مليون هكتار، ونُشرت النتائج، بعدد 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، من دورية «npj Clean Water».

وتُروى الكثير من المناطق في مختلف أنحاء العالم بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، خصوصاً في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا وأستراليا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا.

مخاطر كبيرة

تأتي إعادة استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الري مع بعض المخاطر الصحية والبيئية، أبرزها انتقال مسببات الأمراض؛ مثل: البكتيريا والفيروسات والطفيليات، بالإضافة إلى تراكم المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الأخرى في التربة والمحاصيل، مما يشكّل تهديداً على صحة الإنسان، وفق الدراسة.

وحول المخاطر البيئية، كشفت الدراسة عن أن المياه غير المعالجة يمكن أن تؤدي إلى تقليل خصوبة التربة وإنتاجية المحاصيل، ممّا يعزّز التدهور البيئي ويزيد من التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي في المناطق التي تعتمد عليها في ري المحاصيل.

ورصدت أبحاث عدة مجموعة من المخاطر، أبرزها أن المياه غير المُعالجة تحمل مجموعة واسعة من مسببات الأمراض الأكثر شيوعاً، مثل العدوى بالطفيليات مثل الديدان المعوية، التي قد يُصاب بها المزارعون وأسرهم، بالإضافة إلى الفيروسات والبكتيريا المعوية التي تسبّب أمراضاً مثل الإسهال، وتنتقل الملوثات عبر المحاصيل أو عبر المياه الجوفية، ما يشكّل خطراً على الأفراد، خصوصاً في البلدان النامية.

كما يمكن أن يؤدّي التعرّض لمياه الصرف الصحي إلى التهابات تنفسية وأمراض جلدية، خصوصاً بين العمال الزراعيين الذين يتعاملون مباشرة مع المياه الملوثة. بالإضافة إلى انتقال ملوثات مثل المعادن الثقيلة، مثل الرصاص والكادميوم وبقايا الأدوية، إلى السلسلة الغذائية. وتشكّل هذه الملوثات مخاطر صحية طويلة الأمد، مثل السرطان، ومشكلات النمو لدى الأطفال، ومقاومة المضادات الحيوية.

أما فيما يتعلق بالمخاطر البيئية، فقد كشفت الأبحاث عن أن أبرزها يتمثّل في تملُّح التربة وتراكم الملوثات العضوية، ممّا يؤدي إلى آثار سامة على المحاصيل. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور جودة التربة وتراجع إنتاج المحاصيل، كما قد يؤدي تراكم المعادن الثقيلة مع الري المتكرر إلى تلوث طويل الأمد للتربة.

يقول رئيس وحدة الري والصرف بمركز بحوث الصحراء في مصر، الدكتور محمد الحجري: «على الرغم من أن مياه الصرف الصحي تُعد مصدراً مهماً يمكن الاستفادة منه في بعض الحالات، مثل توفير المياه للري، فإنه لا يمكن التغاضي مُطلقاً عن الأضرار الجسيمة التي قد تنتج عن استخدامها دون معالجة، مثل انتشار الأمراض والعدوى، ناهيك بالأضرار الاقتصادية الناتجة عن تكلفة علاج الأمراض المرتبطة بها».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن مياه الصرف غير المعالَجة «تلوث البيئة بشكل كبير؛ فعند تسربها إلى التربة، يحدث رشح عميق للملوثات إلى الخزانات الجوفية؛ مما يؤدّي إلى تلوث المياه الجوفية والمجاري المائية مثل الترع، ويؤثر ذلك سلباً في التوازن البيئي بشكل عام». كما «تحتوي مياه الصرف على مركبات صيدلانية ومنظفات معقّدة يصعب التخلص منها؛ ما يجعلها تبقى في التربة لفترات طويلة وقد تتسبّب في أمراض صعبة العلاج».

تقنيات المعالجة

تزداد الجهود العالمية لتحسين تقنيات معالجة المياه في الكثير من الدول، بهدف تقليل المخاطر الصحية والبيئية، حيث تُسهم طرق المعالجة الأولية والبيولوجية، في تقليل ملوثات مياه الصرف بشكل كبير، وهذا يعزّز سلامتها للاستخدام في الري.

ورغم فاعلية هذه الطرق، تشير الدراسات إلى أنها لا تزيل المعادن الثقيلة مثل الرصاص والملوثات بنسبة 100 في المائة. كما تظل محطات المعالجة بؤراً لانتشار مقاومة الميكروبات بسبب بقاء جينات المقاومة والبكتيريا المقاومة في المياه المعالجة.

وأشار الدكتور الحجري إلى أن تكلفة معالجة مياه الصرف مرتفعة للغاية، حيث تصل إلى نحو دولار واحد لكل متر مكعب، وهذه التكلفة لا تعكس العائد المرجو إذا استُخدمت في الزراعة. لذلك، يجب البحث عن بدائل لترشيد استهلاك المياه في الزراعة باستخدام تقنيات الري الحديثة، بالإضافة إلى إدارة موارد المياه بطرق فعّالة.

ولتقليل تكلفة مُعالجة مياه الصرف، نصح الحجري بفصلها إلى نوعَيْن، الأول هو مخرجات الإنسان، والآخر يتضمّن بقية صرف المياه الخاص بالمساكن، ويطلق عليه «المياه الرمادية» التي تتطلّب معالجة أقل تكلفة مقارنة بالنوع الأول.

ونوه إلى أنه يمكن توجيه تلك المياه المعالجة لري الغابات الشجرية التي تنتج الأخشاب؛ مثل: السيسبان، والبردي، والبامبو، أو حتى إلى ملاعب الغولف والمسطحات الخضراء، بدلاً من استخدامها في ري المحاصيل الغذائية. كما نصح بضرورة تنفيذ حملات تفتيش منتظمة لمراقبة مصارف الري والتأكد من عدم احتوائها على ملوثات الصرف الصحي، لضمان الحفاظ على صحة البيئة وموارد المياه.