تباين الاستراتيجيات الإعلامية للفنانين... و«السوشيال ميديا» أهمها

بعضهم تخلى عن المقابلات الصحافية كلياً

أحمد حلمي
أحمد حلمي
TT

تباين الاستراتيجيات الإعلامية للفنانين... و«السوشيال ميديا» أهمها

أحمد حلمي
أحمد حلمي

يحرص نجوم الفن على تغيير استراتيجياتهم في التعامل مع الإعلام كلما ظهرت وسائط جديدة تتيح لهم فرصة الوصول إلى قطاعات أكبر من الجمهور. ومع ظهور «السوشيال ميديا» اتجه بعض الفنانين خصوصاً من جيل الشباب إلى الاعتماد بشكل كلي على هذه المنصات الجديدة، التي تتيح لكل منهم التحكم في علاقته بمتابعيه مباشرة من دون وسيط، وفي المقابل لا يزال هناك من يعتمد على الإعلام التقليدي، ويحرص على الوجود بصفحات الجرائد والمجلات مع كل عمل جديد يقدمه، عادّاً هذه الطريق الأكثر احترافية، ومنهم من بات يسند تعامله مع وسائل الإعلام إلى مكاتب علاقات عامة تنظم حواراته ولقاءاته مع الإعلاميين.
رغم إغراءات مواقع «التواصل الاجتماعي» الكبيرة، وما تحققه من انتشار واسع، والمقابل المادي الذي يتحقق من الظهور في البرامج التلفزيونية، فإن بعض الفنانين لا يزالون يقفون على مسافة من هذه الوسائط، بالامتناع التام، أو الترشيد... ومن هؤلاء الفنان أحمد حلمي الذي اختار منذ سنوات عدم إجراء أي مقابلات صحافية، مكتفياً بالتواصل مع متابعيه عند الضرورة عبر حسابه بموقع «تويتر». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «استراتيجية الصمت التي اختارها أثبتت على مدار سنوات أنها الأفضل، ولا يرغب في تغييرها، دون توضيح أسباب».
حلمي ليس الوحيد الذي توقف عن إجراء مقابلات صحافية، فهناك عدد كبير من النجوم لا يتواصلون بشكل مباشر مع الصحافة؛ ومنهم منى زكي، وعمرو دياب، وشريهان، وعبلة كامل، وحسن حسني، حيث يكتفي هؤلاء بأن تتحدث أعمالهم الفنية عنهم ولا يتحدثون هم عنها.
هناك نموذج آخر من الفنانين الذين لا يزالون يدركون أهمية الإعلام التقليدي، ولا يفرطون في استخدام «السوشيال ميديا»، من بينهم الفنانة بسمة، التي قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «السوشيال ميديا عالم خيالي بالنسبة لي، ولا أزال أسعى لفهم أبعاده، وكيف يمكنني الاستفادة منه»، مؤكدة حرصها على أن تدرس كل شيء قبل أن يخرج للجمهور، «وهذا ربما لا يناسب عالم السوشيال ميديا الذي يحتاج إلى الوجود بكثافة».
وأوضحت بسمة أنها «تطبق المنهج نفسه في تعاملها مع وسائل الإعلام التقليدية من صحافة مطبوعة أو مرئية، فهي لا تفضل الإدلاء بأي تصريحات؛ إلا عندما يكون لديها ما تقوله أو توضحه».
وعن لجوئها أخيراً لتدشين حساب على موقع تبادل الصور «إنستغرام»، وإذا ما كانت بداية للاعتماد على هذا الوسيط، أم لا، قالت بسمة إن «(إنستغرام) لا يغني عن الإعلام التقليدي، فهو موقع للصور ويكون مفيداً في نشر الأشياء المرئية، لكن عندما أرغب في التحدث والدخول في نقاش عن عمل فني أقدمه، لا بديل عن الإعلام التقليدي من صحافة وبرامج تلفزيونية».
وينشط عدد كبير من نجوم الفن خصوصاً من السيدات على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً «إنستغرام» الذي يتيح لهم نشر أكبر عدد من صورهم بمواقع مختلفة، وغالباً ما تثير تلك الصور ردود فعل وجدلاً واسعاً في مصر والبلدان العربية المختلفة، عند الظهور بملابس تتسم بالجرأة.
محمد عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع «في الفن»، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن الصحافة كانت في الماضي الوسيط بين الفنان والجمهور، لكن بعد ظهور «السوشيال ميديا»، أصبح الفنان في مواجهة الجمهور مباشرة، وتحولت الصحافة إلى موقع المتفرج لعلاقة الفنان بجمهوره، ورغم أن لذلك إيجابيات يشعر بها الفنان، فإن السلبيات التي تعود عليه أكبر، بدليل أن غالبية الأزمات التي يتعرض لها الفنانون مؤخراً تحدث بسبب عدم قدرتهم على مخاطبة الجمهور بشكل مباشر، لدرجة تورط بعضهم في دخول سجالات مع متابعيهم تصل إلى حد السباب، ما يدفعهم بعد ذلك للاعتذار والتبرير، مشيراً إلى أن الفنان الذي يرغب في الاستغناء عن الإعلام التقليدي، ويريد أن يكتب أخباره مباشرة على حساباته بمواقع التواصل، لا بد أن يستعين بفريق محترف يساعده في ذلك، وهناك أكثر من نموذج للتعامل مع مواقع التواصل، فالفنان أحمد حلمي على سبيل المثال نموذج للنجوم الذين يديرون صفحاتهم بذكاء شديد، وهو بالمناسبة أعلن قبل أيام أنه «أدمن» حسابه على موقع «تويتر». هذا الفنان يملك من الحكمة ما يساعده على الاستفادة من «السوشيال ميديا»، كما حدث مؤخراً عندما هاجمه أحد متابعيه قائلاً: «فيلمك وحش»، فاستوعبه «حلمي» قائلاً: «كنت أتمنى الفيلم يعجبك يا درش»، وهو ما أكسبه احترام الجميع.
ما يفعله حلمي، يقوم بعكسه تماماً الفنان أحمد فهمي، الذي اعتادت الصحافة أن ترصد اشتباكاته المتتالية مع متابعيه بالألفاظ والشتائم، وهو ما يعرضه لخسائر هو في غنى عنها.
هناك نموذج آخر يستخدم السوشيال ميديا بشكل إيجابي؛ هو الفنان محمد هنيدي، الذي يستخدم فريقاً في التواصل مع الجمهور، واستطاع من خلال حساباته المختلفة على مواقع التواصل أن يحقق حالة من الوجود الإيجابي حتى في الأوقات التي لا يشارك في أعمال فنية.
يوضح عبد الرحمن، أن العلاقة كانت مختلفة تماماً قبل ظهور عصر «السوشيال ميديا»، فالفنان كان متابعاً جيداً للصحافة، وكان لديه أشخاص وظيفتهم صناعة أرشيف له عن طريق جمع كل ما يكتب عنه في الصحف، وكان التواصل مباشراً مع الصحافيين، أما الآن فالفنان يرى أنه قادر على الاستغناء عن الصحافة ما دام أن له عدد متابعين بالملايين على السوشيال ميديا، وهذه مفاهيم خاطئة انتشرت مؤخراً ولا بد من تصحيحها للفنانين حتى تعود العلاقة طبيعية بين الإعلام والفنان.
ونتيجة زخم «السوشيال ميديا» وكثرة برامج المنوعات في الفضائيات، أصبح هناك إفراط في ظهور الفنانين إعلامياً، دون دراسة لتأثير ذلك عليهم، لدرجة أن كثيراً من الفنانين يعدّون ظهورهم في البرامج مثل مأمورية تصوير، يذهبون ليحصلوا على المال وليس لأن هناك ما يريدون قوله لجمهورهم، فالغالبية تنجرف لفكرة الظهور بغض النظر عن كونه مفيداً أو مضراً، بعض الفنانين يقبل التكريم من جهات مجهولة، أو يحضر مهرجانات كثيرة للحديث إلى الكاميرات، وأصبح الفنان منفتحاً جداً على الجمهور من خلال وسائل الإعلام الحديثة، بالإضافة إلى حملات التوعية وما يسمى سفراء النوايا الحسنة، وكل ذلك يحتاج إلى ترشيد.
وبالتوازي مع الفنانين الذين يديرون علاقتهم مع وسائل الإعلام المختلفة بأنفسهم، منهم يسرا وأحمد عز وعادل إمام وأشرف عبد الباقي، ظهرت شركات العلاقات العامة أو الاستشارات الإعلامية التي تنظم علاقة الفنان بوسائل الإعلام المختلفة، فلا يستطيع الصحافي إجراء مقابلة مع الفنان الذي يتعاقد مع هذه الشركة أو تلك إلا عبرها.
رباب إبراهيم، مؤسسة إحدى شركات العلاقات العامة، تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها عندما بدأت العمل في هذا المجال قبل ظهور السوشيال ميديا تعرضت لهجوم شديد، ووجهت لها اتهامات بأنها تفسد علاقة الصحافة بالفنانين، رغم أن هذا النظام كان معمولاً به في دول مثل الإمارات ولبنان، ومهمته تسويق الفنان إعلامياً وإدارة ظهوره بالشكل الذي يخدمه ولا يضره، موضحة أن الفنان في بداية مشواره لا يكون على دراية كافية بالصحف المهمة التي يجب أن يتعامل معها، ولا يعرف الشكل الأمثل للظهور الذي يزيد من شعبيته ولا يضره، الحال نفسها تنطبق على الفنان غير المصري.
وأكدت إبراهيم أن بعض الفنانين أصبحوا يفضلون التعامل مع الصحافة من خلال وسيط، بسبب الزيادة غير الطبيعية في عدد المواقع الفنية، فهم يتلقون كماً هائلاً من الاتصالات وطلبات لإجراء حوارات صحافية وتلفزيونية، ولأن وقتهم لا يسمح بالتواصل مع الجميع، يلجأون إلى شركات العلاقات العامة لترشح لهم وسائل الإعلام المهمة لإجراء المقابلات.
وعن جلسات الحوار الجماعية، التي يجلس فيها أكثر من صحافي مع الفنان في وقت واحد، ويتهمها الكثيرون بإفساد الصحافة لأنها توفر مادة متشابهة تنشر في التوقيت نفسه في كل المطبوعات، قالت رباب إبراهيم إن هناك عدداً كبيراً من الصحف والمواقع وقنوات «يوتيوب» ومصورين وفضائيات، وكل ذلك يرغب في التواصل مع الفنان وقت طرح فيلمه، وبالتالي كان الحل الأمثل لإرضاء الجميع أن يجلس الجميع جلسة واحدة للحصول على الإجابات الرئيسية التي يكرر السؤال عنها الجميع، وإذا كانت لأحدهم أسئلة خاصة به، فيخصص له 15 دقيقة على أقصى تقدير لتكون لديه المادة التي ينفرد بها عن غيره، لكن الفنان لم يعد يستطيع أن يجلس مع كل صحافي على حدة، ليجيب عن السؤال نفسه.
وأوضحت إبراهيم أن الوسائط الإعلامية على اختلافها مكملة بعضها لبعض، فمن يشاهد التلفزيون مساء يختلف عن الذي يستمع للراديو بسيارته في فترة الظهيرة، وبالتأكيد يختلف عن الذي يتابع السوشيال ميديا، وبطبيعة الحال عن الذي يقرأ الصحف الورقية، وبالتالي يحتاج الفنان الوصول إلى الجمهور عبر كل هذه المنصات، لكن هذا لا ينفي أن هناك عدداً من الفنانين أصيبوا بحالة من الجنون بسبب البحث المستمر عن «تريند السوشيال ميديا»، وفي سبيل ذلك يفعلون أي شيء بما في ذلك التعري وارتداء ملابس غريبة أو مثيرة للفت الانتباه، وبعض النجوم يقومون بتسريب صور خاصة ليحققوا انتشاراً ووجوداً، لكن الإفراط في التعري أصبح لا يحقق شيئاً، لأن ذلك أصبح العادي بالنسبة لمتابعي «السوشيال ميديا».



ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».


اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
TT

اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)

أثار اتجاه المفوضية الأوروبية لتخفيف «القيود الرقمية»، تساؤلات بشأن تأثير ذلك على حماية بيانات المستخدمين. وبينما عدّ خبراء هذا الاتجاه «محاولة لزيادة تنافسية السوق»، أكدوا أنه «تحوّل خطير قد يهدد الخصوصية».

وفي ظل ضغوط من شركات التكنولوجيا الكبرى، أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»، الذي من شأنه تبسيط بعض لوائح الاتحاد الأوروبي الرقمية. وجاء الإعلان بعد دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة «السيادة الرقمية الأوروبية» الأسبوع الماضي، إلى «تخفيف صرامة اللوائح الرقمية الأوروبية».

وفي رأي مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، فإن «تبسيط القواعد وخفض الأعباء الإدارية وتقديم قواعد أكثر مرونةً وتناسباً، سيمنح الشركات الأوروبية مساحة أكبر للابتكار والنمو، ويسد فجوة الابتكار».

وعدّت الباحثة الجزائرية في علوم الإعلام والاتصال، ليلى دومة، ما أعلنته المفوضية الأوروبية «نقطة تحوّل مهمة في الاستراتيجية الرقمية للاتحاد الأوروبي». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تخفيف بعض الالتزامات المفروضة على شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يرسل رسالة واضحة مفادها إعطاء الأولوية لتعزيز التنافسية والابتكار على حساب التشدد في حماية البيانات الذي يميز النموذج الأوروبي منذ سنوات».

وبشأن تأثير ذلك على «الخصوصية»، أشارت ليلى دومة إلى أن «التأثير لن يكون فورياً، لكنه مقلق على المدى المتوسط والبعيد». وقالت إن «الإعفاءات المؤقتة وتأجيل الالتزام الكامل بالقواعد الصارمة يعني ببساطة وجود مناطق أقل رقابة ومفتوحة، حيث يمكن للشركات جمع أو معالجة بيانات شخصية بطريقة أقل تقييداً، مما قد يؤدي تدريجياً إلى إضعاف أحد أهم إنجازات أوروبا خلال العقد الماضي، وهو تمكين المواطن من السيطرة على بياناته».

وأضافت أن «أي تفكيك تدريجي لقواعد (اللائحة العامة لحماية البيانات)، سيقلل من قوتها وتأثيرها، ويخلق ثغرات قد تستغلها الشركات الكبرى بسهولة»، مشيرةً إلى أن «أوروبا تحاول تحقيق توازن صعب بين تسريع الابتكار وحماية الحقوق الرقمية».

وتُلزم «اللائحة العامة لحماية البيانات» مشغلي المتاجر الإلكترونية، أو المنصات الرقمية، بالحصول على موافقة المستخدمين قبل معالجة بياناتهم الشخصية، مما يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط، لكنَّ المقترح الجديد من شأنه أن يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط بشكل أقل.

الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد فتحي، قال إن «الاتحاد الأوروبي يشهد تحولاً استراتيجياً عبر مقترح الحزمة الرقمية الشاملة (Digital Omnibus)، الذي تبرره المفوضية الأوروبية بالرغبة في تبسيط القوانين ودعم الشركات الأوروبية للمنافسة عالمياً».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المقترح قد يمثل تفكيكاً لمسألة الحماية وتراجعاً عن معايير الخصوصية الصارمة، وذلك لعدة مخاطر؛ أهمها استغلال البيانات للذكاء الاصطناعي حيث يسمح التعديل للشركات باستخدام البيانات الشخصية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي استناداً إلى مبدأ (المصلحة المشروعة) بدلاً من (الموافقة الصريحة) مما يخدم شركات التكنولوجيا الكبرى ويُضعف سيطرة المستخدم».

وأشار إلى «إضعاف الخصوصية الإلكترونية عبر دمج قواعد الخصوصية، مما يُسهِّل الوصول إلى بيانات أجهزة المستخدمين تحت غطاء تقليل إشعارات الكوكيز دون إذن واضح». وقال إن «المقترح يعكس تغيراً في الأولويات من حماية (المواطن الرقمي) إلى التركيز على التنافسية الاقتصادية، حيث يهدد إقرار هذا القانون بالتضحية بخصوصية المستخدمين كضريبة لدعم الابتكار التجاري».

وتسببت محاولات تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي في أزمة متصاعدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفرضت المفوّضية الأوروبية غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل» على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». كما غرمت «ميتا» مبلغ 200 مليون يورور. وهي غرامات عدّها البيت الأبيض في وقت سابق «ابتزازاً اقتصادياً».


الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
TT

الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)

أُعلن في مدينة الشارقة إطلاق حزمة مشروعات إعلامية كبرى في «مدينة الشارقة للإعلام (شمس)»، التي وُصفت بأنها أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الإمارات والمنطقة، وتُشكِّل نقلةً نوعيةً في تطوير البنية التحتية للقطاع الإعلامي، وترسيخ نموذج متقدم لتكامل الجهات الحكومية العاملة تحت مظلة مجلس الشارقة للإعلام.

وتأتي هذه المشروعات التي أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ضمن مساعي تعزيز القطاع في الإمارة الخليجية.

وأكد الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس «الشارقة للإعلام» أن اعتماد حزمة مشروعات «شمس» يجسِّد رؤية الإمارة في بناء قطاع إعلامي متقدم يقوم على الابتكار والشراكات الدولية والتقنيات المعاصرة، مشيراً إلى أن إطلاق «استوديوهات شمس» سيعزز قدرة الشارقة على استقطاب أبرز شركات الإنتاج وصنّاع المحتوى، كما سيوفر منصة احترافية للكفاءات الوطنية لتطوير مهاراتها وتوسيع حضورها في صناعة الإعلام.

وشدَّد على أن الاستثمار في الإعلام هو استثمار في الإنسان والهوية، موضحاً أن الشارقة ماضية بثقة نحو تعزيز حضورها الثقافي والمعرفي عالمياً عبر إعلام مهني مسؤول، وشراكات استراتيجية، ومنظومة متطورة تدعم استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

وسيضم المشروع أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الدولة والمنطقة، حيث يجمع تحت سقف واحد الجهات الإعلامية التابعة لحكومة الشارقة، وهي مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب مدينة الشارقة للإعلام (شمس)، التي ستكون المقر الجديد لهذا التجمع.

«استوديوهات شمس» في الشارقة (الشرق الأوسط)

وبحسب المعلومات الصادرة فإن مشروع «استوديوهات شمس» جاء ليؤسِّس لبيئة إنتاجية متطورة، من خلال مجمّع يضم 5 استوديوهات كبرى بمساحات تتراوح بين 1500 و3400 متر مربع، تستجيب لاحتياجات صناع الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والمحتوى الرقمي، إضافة إلى مرافق متخصصة لما بعد الإنتاج تشمل وحدات المونتاج والمؤثرات البصرية والتصميم الصوتي، بما يتيح تنفيذ أعمال تلفزيونية وسينمائية وفق معايير عالمية.

كما تتضمَّن المشروعات تطوير مجمّع أعمال إعلامي حكومي متكامل يجمع ضمن بيئة عمل تفاعلية مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، والشركات الإعلامية العاملة في «شمس»، بما يسهم في تسهيل عمليات الإنتاج والبث، وتعزيز كفاءة التواصل الحكومي، ودعم الابتكار في صناعة المحتوى.

وسيضم المجمّع 4 مبانٍ متخصصة، يتألف كل منها من طابق أرضي و4 طوابق، تشمل مبنى لمجلس الشارقة للإعلام، ومبنى للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، ومبنيين مخصَّصين للجهات الإعلامية والشركات العاملة ضمن «شمس».

ويشمل التطوير أيضاً إنشاء مبنى جديد لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون ببنية تقنية حديثة تعزز جاهزيتها لمواكبة التطورات في تقنيات البث والإنتاج، وترفع قدرتها على تقديم محتوى متنوع وذي جودة عالية يعكس هوية الإمارة ورسالتها. وتشمل المرحلة الأولى المبنى الإداري، ومبنى الأخبار، ومبنى قناة الشارقة الرياضية.

وفي إطار دعم المشهد الثقافي والإبداعي، تتضمَّن المشروعات إنشاء «واحة شمس للإبداع»، وهو مركز متطور للفعاليات الفنية والتعليمية يضم مسرحاً حديثاً يتسع لنحو 700 شخص، إلى جانب مرافق مخصصة لاستضافة الفعاليات المجتمعية والعروض الفنية والبرامج التدريبية، بما يسهم في تنمية المواهب الشابة وتوفير منصة ملهمة للإبداع في الإمارة.