هزيمة «الراديكالية المسلحة»... ضرورة حتمية

لمرحلة ما بعد الإرهاب

مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)
مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)
TT

هزيمة «الراديكالية المسلحة»... ضرورة حتمية

مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)
مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)

تثير الدراسات والأبحاث المتعلقة بهزيمة الإرهاب انشغال أجهزة الاستخبارات الرسمية. كما انصبت جهود الخبراء ومراكز البحث الدولية، بعد هزيمة «داعش» بداية 2019، على تقديم خبرتهم على مستوى فهم وإنتاج سياسات وطنية ودولية تمكن من الانتصار الشامل على الحركات الإرهابية، المحلية والعالمية. ويمثل التقرير الذي نشرته مؤسسة المعهد الأميركي للمشاريع، في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، واحدة من أهم الدراسات التي تناولت فيها الباحثة كاثرين زيمرمان، المتخصصة في التهديدات الحرجة والإرهاب، موضوع مواجهة «الراديكالية المسلحة»، بوصفها مرحلة حتمية للقضاء على الإرهاب العالمي.

تنطلق الخبيرة زيمرمان من فكرة أساسية، ترى فيها أن «الولايات المتحدة الأميركية، التي تخوض حرباً ضروساً منذ 20 سنة ضد الإرهاب، قد أساءت فهم طبيعة العدو في هذه الحرب؛ ذلك أن سياسة واشنطن في هذا المجال تركز باستمرار على مجموعات، وأفراد محددين، بدا أنهم يهددون أكثر المصالح الأميركية».
فقد منحت أميركا الأولوية لتدمير «القاعدة» بأفغانستان وباكستان، وبالتالي قامت بجهود جبارة فيما يخص رصد وقتل كل من أسامة بن لادن، وزعيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وكذلك أنور العولقي زعيم التنظيم باليمن، وصولاً إلى جهودها غير المتوقفة حالياً التي تهدف لقتل مؤسس «داعش» أبو بكر البغدادي. كما أن سياسة واشنطن في مواجهة الإرهاب ركزت إلى حد كبير على استعادة الأراضي من هذه الجماعات، وحرمانها من الملاذ الآمن، بقصد القضاء على القيادة وغيرها من المتورطين في التخطيط للهجمات. وكانت نتيجة هذه الاستراتيجية سلسلة من الانتصارات العسكرية في ساحة المعركة، لم تولد أثراً حاسماً دائماً في الحد من التهديدات الإرهابية.

الاستراتيجية الجديدة
وبعد نحو 20 سنة من المواجهة العالمية مع الإرهاب، أصبح من اللازم إعادة تحديد العدو الحقيقي، ووضع سياسة واستراتيجية جديدة شاملة تعد الحركة «الراديكالية المسلحة» العدو الأساسي. ويعد تنظيم «القاعدة» و«داعش»، وغيرهما من الجماعات، جزءاً من الجماعات المتطرفة. وعليه، فإن السياسة الجديدة يجب أن تنطلق من منطلق مركزي، يضع الحركة والجماعات والمنظمات التي تلتزم بآيديولوجية المتشددين في صلب المواجهة الشاملة.
وتمكّن هذه الآيديولوجية المجموعات من إعادة البناء، وتوحيد جهود الأتباع في إطار هدف مشترك، حتى بعد معاناتها من الهزائم العسكرية الرهيبة. كما أن التصورات والأفكار القتالية المتطرفة، التي تأخذ طابعاً آيديولوجياً، تخلق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الموسعة التي تتجاوز الهجمات الإرهابية، وتهديد الأمن القومي الأميركي.
وعليه، فإن كاثرين زيمرمان، المتخصصة في التهديدات الحرجة، ترى أن الاستراتيجية والسياسة الجديدة لمرحلة ما بعد الإرهاب يجب أن تركز على مهاجمة هذه الآيديولوجية وتشويه سمعتها لإضعافها. فإذا كان من المستحيل تدمير آيديولوجية المتطرفين تدميراً كلياً، ولا يمكن القضاء على جميع أو معظم أتباع هذه الأفكار المتطرفة، فإن الواقع والتاريخ يثبتان أن المسلمين رفضوا لقرون الفكر المتطرف، وهو ما يفسر ظهور تنظيماتها في أطراف المجتمع العربي والإسلامي المعاصر، وسعي هذه التنظيمات المستمر لتجميع نخبة تمثل الآيديولوجية الحربية وغطاءً ودعماً شعبياً بين المسلمين، مستغلة بذلك حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الجغرافية العربية بعد 2011.
وفي هذا السياق، أعادت جماعات «الراديكالية المسلحة» تغيير اسمها، وهيكلة تنظيماتها، للاحتفاظ بالدعم المحلي، وإخفاء صلاتها بالجماعات التي تستهدفها أعمال مكافحة الإرهاب الأميركية. وبهذه السياسة، فصلت التنظيمات الإرهابية جهود «الجهاد» العالمية عن «القتال» المحلي، مما جعل هذه المجموعات المتطرفة أكثر قبولاً لدى بعض المجتمعات، مع ما وفرته هذه السياسة من حماية الطليعة المحلية من الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب.
ويمكن الحديث في هذا الإطار عما أتاحته النزاعات المحلية في بعض الأماكن، مثل مالي والصومال وسوريا، حيث ظهرت طليعة المتشددين بوصفها قوة محلية لحماية المجتمعات المحلية، مما أدى بدوره لانتشار آيديولوجية الإرهاب في واقع متشابك دينياً وعرقياً، وغير مستقر اجتماعياً وسياسياً.
والأخطر مما سبقت الإشارة إليه أن السياسة التي اتبعتها «الراديكالية المسلحة» مكنت نخبها من اختراق الحكم والمؤسسات المحلية في بعض المجتمعات. ويمكن الاستدلال على ذلك بدور تنظيمات «الراديكالية المسلحة» في شمال غربي سوريا، وكذلك تلك المجموعات التي عززت علاقاتها مع المجتمعات المحلية، وتوسعت بشكل كبير في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وقد طورت «الراديكالية المسلحة» هذه العلاقات، من خلال تقديم السلع الأساسية أو خدمات الدفاع عن السكان. وتمكنت بفضل هذه العلاقات من خلق تأثيرها داخل المجتمعات المحلية، وبالتالي استطاعت التنظيمات الإرهابية تحقيق أهدافها الاستراتيجية، المتمثلة في فرض حكمها في بعض المناطق من العالم الإسلامي. وفي سياق هذه الاستراتيجية، قامت «القاعدة» بإصلاح شبكات الصرف الصحي، وتوصيل المياه والوقود للسكان في اليمن. كما أن محاكم هذا التنظيم الإرهابي، في الصومال ومالي، تقدم حلاً عادلاً للنزاعات المحلية، وتقوي نفسها من خلال تأمين الموارد. كل هذا يمكّن طليعة «الراديكالية المسلحة» من استخدام روابطها المحلية مع المجتمعات للبدء في إعادة تشكيلها وفق آيديولوجيتها المتطرفة، وتوسيع أتباعها مع مرور الوقت، مما يشكل تحدياً حقيقياً للحكومات والدول القائمة.
ويتضح إذن أن الحركات الأصولية المسلحة تستهدف من استراتيجيتها الناجحة خلق علاقات صلبة وطيدة مع المجتمعات المحلية. وجعل هذه الأخيرة عرضة للافتراس من الآيديولوجية الإرهابية التي تنشرها الطليعة المتحكمة في المؤسسات المحلية. وعليه، يجب على الولايات المتحدة مهاجمة الوسائل التي بنت بها الطليعة القتالية علاقاتها مع المجتمعات المحلية.
ومن شأن اتباع هذه السياسة الجديدة إضعاف التنظيمات الإرهابية، وإرجاعها مرة أخرى إلى هامش المجتمع العربي الإسلامي، خصوصاً إذا ما كانت الجهود الأميركية تهدف لحل النزاعات المحلية، وتقديم بديل سياسي قابل للتطبيق، بعيداً عن الصراعات الدينية والعرقية القائمة.

هزيمة المتطرفين
ولا يمكن لهذه الجهود أن تنجح إلا في ظل سياسة شاملة مندمجة لإدارة ترمب، تستحضر واقع المنافسة مع القوى العظمى. ذلك أن الاستراتيجية الأميركية الحالية تعتمد على جهودها الاستخباراتية، في مواجهة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، مما يدعم الاستراتيجية الحالية لمكافحة الإرهاب، ويطرح مسألة قابليتها للاستمرار مع تخفيض للموارد المالية.
وفي هذا الإطار، وفي ظل هذا الواقع الدولي، أمام الولايات المتحدة فرصة لمواجهة الجهود الروسية والإيرانية، التي سهلت توسيع نطاق «الحركة الراديكالية المسلحة»، وبالتالي إعادة صياغة استراتيجية جديدة تراعي تحولات آيديولوجية للمتطرفين، واستفادتهم من الموارد المختلفة. وكل هذا يعني أن على الولايات المتحدة تطوير وتنفيذ استراتيجية لهزيمة «الراديكالية المسلحة» التي تتجاوز مكافحة الإرهاب. ومن الناحية التفصيلية، يمكن للسياسة الأميركية الجديدة أن تتضمن خطة دقيقة تعمل بداية على عزل الجماعات «الراديكالية المسلحة» عن السكان المحليين. وسيتم تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية من خلال إنجاز كثير من المهام الرئيسية، وهي: أولاً، قطع العلاقات بين المجتمعات وجماعات التطرف، من خلال دعم حل النزاعات المحلية ومعالجة المظالم، وتعزيز الحكم المحلي والوطني المقبول، وتزويد المجتمعات ببديل للسلع أو الخدمات؛ وثانياً، عرقلة جهود الطليعة لاختراق المجتمعات وبناء علاقات جديدة؛ وثالثاً، دعم أو تمكين أشكال مقبولة من الحكم؛ ورابعاً، تمكين وتطوير الهياكل الأمنية التي يمكن أن تعمل بدعم خارجي محدود، ولا تؤدي إلى مزيد من الصراع وتنفير السكان على المستويين المركزي والمحلي.
إن المعنى العام للسياسة الجديدة هو مهاجمة تأثير هذه الجماعات داخل المجتمعات السنية، من خلال استعادة قدرة المجتمعات على رفض جهود المتشددين لاختراقها. والهدف من ذلك هو ضمان عزل الطليعة المتطرفة، والقضاء على نفوذها في المجتمعات، والحد من تهديداتها الإرهابية.
وفي هذا السياق، يجب أن تكون السياسة الجديدة هي المعتمدة في برامج وزارة الخارجية، فيما يتعلق بترتيب الأولويات، وتكثيف الجهود، وتشكيل برامج المساعدات الخارجية والأمنية الأميركية. كما يجب أن يكون سفراء الولايات المتحدة، كرؤساء للبعثة الدبلوماسية، أصحاب مصلحة في نجاح هذه السياسة الجدية في مواجهة «الراديكالية المسلحة»، وأخيراً يجب التأكد من أن الشركاء الأميركيين يقبلون ويدعمون هذا النهج الجديد الشامل، وأن تدعم مؤسساتهم القطرية تنفيذه.
إن التغيير الرئيسي هو إعادة توجيه برامج المساعدات الخارجية والأمنية الأميركية إلى إطار استراتيجي، يهدف إلى الحد من تأثير «الحركة الراديكالية المسلحة». ورغم أن الولايات المتحدة تبنت سابقاً هذا النهج في نطاق محدود، فإن الخبرة والتجربة موجودة بالفعل داخل الوكالات المدنية والعسكرية الأميركية، فيما يخص كيفية تخطيط وتنفيذ البرامج التي من شأنها تعزيز هياكل الحكم والأمن المحلي، وتقليل مساحة عمل الجماعات المتطرفة. ومن دون شك، سيتطلب النجاح في هذا النهج أن تعمل الولايات المتحدة مع شركاء محليين وإقليميين وعالميين. ولا بد أن تضع إدارة ترمب الإطار العالمي الذي يعمل من خلاله شركاؤها، وضمان أن يتم إشراك الشركاء في الأماكن التي تطبق فيها هذه السياسة الجديدة. ويمكن التأكيد على أن هذا النوع من الاستراتيجيات التي يقودها المدنيون سوف يسفر عن نتائج طويلة الأمد. كما أنها تدعم وتمكن من رفع فعالية الشركاء للقيام بما يجب عليهم، مع تجاوز خطر تعذر تنفيذ بعض جوانب السياسة الجديدة من طرف بعض الشركاء. وعلى الولايات المتحدة أيضاً أن تتأكد من أن شركاءها يتعاونون، ولهم تعريف موحد للعدو. بشكل مركز، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة سياسة جديدة للتعامل مع الجماعات «الراديكالية المسلحة» ودورها الإرهابي.

* أستاذ العلوم السياسية - جامعة سيدي محمد بن عبد الله (المغرب)



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».