حل مشكلة الدين العام بتخفيض النفقات وزيادة الإيرادات ومكافحة التهرب الضريبي

70 % من العائلات اللبنانية تتوقع أن يتدهور وضعها المالي خلال ستة أشهر

TT

حل مشكلة الدين العام بتخفيض النفقات وزيادة الإيرادات ومكافحة التهرب الضريبي

إن كل من يتوهم أن اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان أو الانتفاضة الشعبية أو الثورة هي وليدة ساعتها وبسبب عزم الحكومة على فرض ضريبة على مخابرات الـWhatsapp فقط، هو بعيد كل البعد عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه اللبنانيون منذ ثلاث سنوات على الأقل. وكل من يعتبر أن هذه الانتفاضة هي عابرة ومجرد تفصيل وأنها ستتقلص مع الوقت لا يأخذ بالاعتبار مسببات الأزمة. فالأرقام توضح حجم الغضب الشعبي، إذ إن نتائج المسح الشهري لمؤشر بنك بيبلوس لثقة المستهلك في لبنان تظهر أن أقل من ثلاثة في المائة من العائلات اللبنانية تعتبر أن وضعها المالي أفضل في سبتمبر (أيلول) 2019 مما كان عليه قبل ستة أشهر، أي في مارس (آذار) من العام نفسه، كما أن تسعة في المائة ممن شملهم المسح في سبتمبر، أي قبل بضعة أسابيع من اندلاع الحراك، توقعوا أن يتحسن وضعهم المادي في الأشهر الستة المقبلة، أي في الفترة الممتدة لغاية مارس 2020. في المقابل، اعتبر 64 في المائة من العائلات اللبنانية أن وضعهم المالي تراجع بين مارس وسبتمبر 2019. وأعتقد 63.5 في المائة أن حالتهم المادية ستتدهور بين سبتمبر 2019 ومارس 2020. أيضاً، اعتبر 9 في المائة من اللبنانيين أن الوضع الاقتصادي في سبتمبر هو أسوأ مما كان عليه في مارس 2019. بينما توقع 70 في المائة من العائلات اللبنانية أن الوضع الاقتصادي سيتدهور بين سبتمبر 2019 ومارس المقبل.
وهذه النتائج تعكس أزمة الثقة التي نشبت بين المواطن اللبناني والقطاع الخاص في لبنان من جهة، وبين الحكومات المتعاقبة في لبنان والسلطة السياسية من جهة أخرى، والتي أدت إلى نزول أكثر من مليون لبناني إلى الساحات للمطالبة بأبسط حقوقهم كمواطنين من خدمات عامة ابتداءً من الكهرباء، والطرقات، والطبابة، والاستشفاء بأسعار معقولة، وبفرص عمل. ويحاول العديد من الانتهازيين والوصوليين ركوب هذه الموجة الشعبية من خلال إطلاق شائعات لا أساس لها من الصحة، من أجل إما الظهور الإعلامي مهما كان باهتاً، أو لمحاولة الوصول إلى مركز وزاري أو غيره في القطاع العام، ظناً منهم أن إخافة الناس هو أسرع طريق إلى النجومية وإلى تسلق المناصب؛ بدل اعتبار هذه المرحلة حقبة تحمل جماعي للمسؤولية من أجل النهوض بالبلد وباقتصاده.
واليوم، أصبح الحل واضحاً، رغم الضبابية التي تغطي المشهد المحلي عموماً، والصورة السياسية خصوصاً. فالهدف هو استعادة المواطن ثقته بدولته، وليس بأحزاب السلطة. لذلك، الحل يكمن في تشكيل حكومة تحظى بمصداقية تسمح لها باتخاذ إجراءات سريعة وجذرية تبرهن للمواطن المُنتفض أنها مدرِكة لمطالبه وجديرة بثقته. ثانياً، على هذه الحكومة أن تبدأ بتحميل العبء الأكبر من هذه الإجراءات إلى القطاع العام اللبناني، إذ إن هذا القطاع أصبح عبر السنوات الأخيرة، وبسبب استخدامه كأداة للزبائنية السياسية، عبئاً على الاقتصاد وعلى القطاع الخاص، ولا يؤمن أبسط الخدمات للمواطن، وإذا أمنها فتكون بتكلفة باهظة. كما أن هذا القطاع متخم بعدد من العمال والأجراء والموظفين تفوق قدرة الاقتصاد اللبناني على تحمل كلفتهم. أيضاً، يحتكر القطاع العام عدة قطاعات حيوية كالكهرباء، والاتصالات، والمياه والنقل العام، مما أدى إلى سوء إدارة هذه القطاعات وتراجع نوعية الخدمات التي تقدمها. أيضاً، تمويل هذا القطاع الذي هو في إنفلاش دائم جاء على حساب القطاع الخاص والمواطن اللبناني، إذ إن الحكومات المتعاقبة فرضت ضرائب ورسوماً جديدة، أو رفعت ضرائب ورسوماً قائمة من أجل تمويل القطاع العام، بدل ترشيد هذا القطاع ورفع إنتاجيته.
أما بالنسبة لنظريات الاقتطاع من الودائع وتخفيض قيمة الدين العام، فهي مجرد نظريات لا تصلح للبنان ولا يتم التداول الجدي بها أصلاً، وهي تدخل ضمن حملات التشويه الرائجة على وسائل التواصل الاجتماعي. والحل الأنسب لمشكلة الدين العام في لبنان هو تخفيض النفقات العامة بشكل جذري ومُقنِع، وزيادة الإيرادات من خلال مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية، وإغلاق المعابر غير الشرعية، ومكافحة التهرب الجمركي، وتطبيق قوانين تُطبَق جزئياً، وإيجاد حل نهائي لمعضلة الأملاك العامة البحرية والنهرية، كما للكسارات غير الشرعية، وفرض ضريبة على كل أصحاب مولدات الكهرباء التي هي غير شرعية. فهذه الإجراءات يمكن أن تُدخل إلى الخزينة اللبنانية نحو مليار دولار إضافي سنوياً من الإيرادات الضريبية. وهناك إجراء ملح وضروري لمعالجة النفقات المرتفعة والعجز في الموازنة العامة، وهو إيجاد حل سريع لمعضلة الكهرباء. إذ إنه ليس مقبولاً أنه بعد قرابة العشر سنوات من الوعود بإصلاح هذا القطاع، يبقى موضوع الكهرباء عبئاً على الاقتصاد والخزينة العامة. والحلول المطروحة طويلة الأمد ومكلفة، فالحل السريع هو لامركزية الإنتاج وإعطاء رخص لشركات القطاع الخاص لتنتج الكهرباء حسب قانون 2014. مع أن عدداً من الشركات الخاصة قدمت طلبات للحصول على رخصة منذ سنين، ولكن لم تتجاوب الوزارة المعنية. وتوجد أمثلة عدة عن بلدات وقرى، بالإضافة إلى مدينة زحلة، حيث إنتاج الكهرباء محلي وحيث المقيم في هذه المناطق يحصل على كهرباء 24 ساعة في اليوم. وحين يُطَبَق هذا الحل، تستطيع الوزارة المعنية إلغاء الدعم ورفع التعرفة، وبالتالي توفير ما يقارب ملياري دولار سنوياً على الخزينة اللبنانية. فالحلول موجودة ولا تتطلب سوى إرادة سياسية جدية ومصداقية لتطبيقها، فلا حاجة للترويج والتهويل باقتطاع قسم من ودائع الناس كحل لمسألة الدين العام. أما بالنسبة للتهويل بقرب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، فهي أقاويل ونظريات غير مبنية على وقائع. والحقيقة أن استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية هو المدخل للإصلاح المالي والاقتصادي وليس عائقاً» له. كما أكد حاكم مصرف لبنان أن لدى المصرف الإمكانات اللازمة للحفاظ على استقرار سعر الليرة، والأهم أن مصرف لبنان يتمتع بالخبرة الكافية المتراكمة عبر السنوات للحفاظ على هذا الاستقرار.

- خبير اقتصادي ورئيس وحدة الأبحاث والتحليل في بنك بيبلوس



السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.