«حلم»... معرض مصري مُلون ببراءة الطفولة

30 لوحة لشعبان الحسيني تتنقل بخفة بين الذكريات والفولكلور

اللوحات بمثابة جسر يعيد الكبار إلى مرحلة صافية وصادقة من حياتهم  -  تعكس الأعمال شغف الأطفال في الماضي بممارسة ألعاب بسيطة
اللوحات بمثابة جسر يعيد الكبار إلى مرحلة صافية وصادقة من حياتهم - تعكس الأعمال شغف الأطفال في الماضي بممارسة ألعاب بسيطة
TT

«حلم»... معرض مصري مُلون ببراءة الطفولة

اللوحات بمثابة جسر يعيد الكبار إلى مرحلة صافية وصادقة من حياتهم  -  تعكس الأعمال شغف الأطفال في الماضي بممارسة ألعاب بسيطة
اللوحات بمثابة جسر يعيد الكبار إلى مرحلة صافية وصادقة من حياتهم - تعكس الأعمال شغف الأطفال في الماضي بممارسة ألعاب بسيطة

حتى لو لم تكن تحتفظ إلى الآن ببساطة الطفولة وعفويتها، أو تتذكر أجمل لحظات بهجتها و«شقاوتها»، وبراءة ضحكاتها وأمنياتها فإنك حتماً ستفعل، وستتملكك هذه المشاعر طواعية حين تتأمل أعمال معرض «حلم» للفنان شعبان الحسيني، التي تجسد مشاهد من طفولة المصريين في الماضي، وكأنها تتعمد أن توقظ الحلم داخلهم، وتعيد الأمل إليهم.
وبسبب تزامن المعرض مع الاحتفال بأعياد الطفولة خلال الشهر الجاري، فإنه يبدو للوهلة الأولى موجهاً للمتلقي الطفل، إلا أن اللوحات تبرع كذلك أن تعيد الكبار إلى أوقات مميزة من حياتهم، وحكايات تكسر الزمن وتقرب المسافات، بل لأن ثمة مشاعر وحماسات ومفردات مشتركة تجمع بين البشر دوماً لا سيما في مرحلة الطفولة فإن المتلقي المنتمي لأي مكان وزمان - لا المصريين وحدهم - سيجد نفسه هو أيضاً منجذباً بقوة لهذه الأعمال.
وما بين طعم الطفولة في الريف والمدن، يأخذنا الحسيني من خلال 30 لوحة يضمها معرض «حلم» المقام الآن في غاليري ZAG pick (فرع الشيخ زايد) والمستمر حتى 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، إلى مشاهد أثيرة من الماضي، حيث نلتقي على مسطح لوحاته بالأرض الخضراء، وتتذكر مواسم العنب، والتمر، وجني القطن، وصيد الأسماك بسنارة بدائية، وشغف الأطفال باللعب في الهواء الطلق والمراجيح والألعاب الشعبية البسيطة التي اعتادوا ممارستها مثل لعبة الاستغماية و«نط الحبل»، وتحريك المقعد كأرجوحة صغيرة، واللهو بألعاب قاموا هم أو أمهاتهم وجداتهم بتصميمها وصنعها بأنفسهم من خامات من البيئة؛ ولذلك كانت «صديقة للبيئة» قبل أن يغزو هذا المصطلح العالم حديثاً!، مثل الدمى المصنوعة من القماش وقصاقيصه، والألعاب الخشبية البسيطة، أو الألعاب التي كانت منتشرة ومعبرة عن بساطة زمانها مثل «القرد النطاط»، والحصان.
تحمل اللوحات رسالة للطفل تحثه على التواصل مع إرثه الاجتماعي والثقافي، «في وقت يضجر الكثير من الأطفال من أحوالهم، ولا يضعون حدوداً لتطلعاتهم الإلكترونية، تأتي هذه الأعمال لتحاورهم بسلاسة وتثبت لهم لكم كانت الطفولة في الماضي سعيدة وبهيجة برغم بساطتها المفرطة» يقول الفنان شعبان الحسيني في حديث إلى «الشرق الأوسط». ويضيف: «أما للكبار فإنّها بمثابة جسر يعيدهم إلى مرحلة صافية وصادقة من حياتهم تدعوهم إلى استعادة روح الطفولة من حين إلى آخر، لأنّها تقودهم إلى حالة جميلة من التصالح مع النفس ومع الغير».
وينقل الفنان هذه المشاعر إلينا عبر مشاهد مُحملة بدفء الماضي؛ لا سيما أنّها امتزجت بأصالة الريف المصري وبساطته ما أكسبها مزيداً من النقاء والصفاء والفطرة ويشرح أنّها، «جاءت ريفية تأثراً بطفولتي من جهة، ومن جهة أخرى لإيماني أنّه بوتقة الأصالة والجذور والطفولة السعيدة، حيث اعتبر أنّ من يقضي سنواته الأولى وسط الحقول والطبيعة والبيئة الفولكلورية الثرية التي توجد في القرى المصرية إنّما قد تذوق طعماً متفرداً للطفولة لا يعرفه أبناء المدن».
أغاني الفولكلور الشعبي والحواديت بأنواعها المختلفة، كانت حاضرة في المعرض، ومنها ما كانت ترويها الجدات في الليل مثل «أمنا الغولة»، وحكايات المغامرات مثل «الشاطر حسن» و«عقلة الأصبع» التي كان الصغار يقرأونها تحت الأشجار في الريف على مقربة من السواقي، أو في بيوتهم بالمدن عندما كانت غرفهم وأدمغتهم لم تزدحم بعد باللعب الإلكترونية الحديثة».
وإمعاناً في إضفاء أجواء من الأصالة على المشهد، استخدم الفنان مفردات من البيوت القديمة مثل الطاولات الصغيرة الدائرية، والكراسي التي تنطق تفاصيلها وخاماتها بالتأثر بعوامل الزمن، والزخارف والموتيفات التراثية التي بسّطها للطفل بشكل غير مسبوق، وكان من اللافت أيضاً أنّ ملابس الصغار وطرق تصفيف شعرهم قد استدعاها هي الأخرى من الماضي إلى حد يخلص عينيك من التشبع بالطفولة المعاصرة المختزلة في مظهرها وجوهرها لتمتع عينيك بطفولة لوحاته القادمة من الماضي بكل زخمها وتفاصيلها الدقيقة. لكنّ هذا الاحتفاء بالتراث والماضي لم يشغل الحسيني عن نظرته المستقبلية بل نجح أن يوظفهما معاً لصالح المستقبل وأحلامه؛ ومن هنا جاء عنوان المعرض «حلم» يقول: «علينا أن نستلهم من طفولتنا حرية الأحلام».
كما أنّ هذا الاحتفاء بهما - التراث والماضي - لم يشغله أيضا عن تجسيده للإنسانية المتدفقة، ليذكرنا بأعمال الرسام الإيطالي، تيتسيانو فيتشيليو، المعروف باسم بتيتيان الذي أغدق على لوحاته عن الطفولة باللمسات الإنسانية الواضحة. ولم يقع الفنان كذلك في فخ «البهجة الصريحة» التي يجنح إليها كثير من الفنانين عند تناولهم الطفولة، فجاءت البهجة في لوحات معرضه أقرب إلى الحالة الدرامية المتكاملة المستندة إلى بناء قوي، وليست مجرد «لحظات مسروقة» من حياتهم، وقد ساعده على ذلك أنّه من حيث المضمون مهموم منذ بداياته الفنية بالطفولة وقضاياها، حيث عمل كمساعد مخرج مع المخرجة الرائدة الراحلة د. منى أبو النصر، في مسلسل «بكار»، ومن حيث الأسلوب الفني يمتلك مهارة المزج ما بين الرسم و«الطباعة الفنية» حيث تخصّص في دراسة الغرافيك في كلية الفنون الجميلة.



«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
TT

«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)

كان من المقرر أن يحتفل «مسرح شغل بيت» بذكرى تأسيسه الثامنة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بيد أن اندلاع الحرب في لبنان حال دون إقامة الحفل، فأُلغيت البرمجة التي كانت مقررة حتى إشعار آخر.

ممثلون هواة تابعون لـ«مسرح شغل بيت» (شادي الهبر)

اليوم يستعيد «مسرح شغل بيت» نشاطاته الثقافية ويستهلها بمسرحيتي «مخبأ» و«حكايات سميرة». ويعلّق مخرجهما شادي الهبر لـ«الشرق الأوسط»: «كانتا من ضمن نشاطات روزنامة الاحتفال بسنتنا الثامنة، فقررنا نقلهما إلى الشهر الحالي، ونعرضهما على التوالي في (مسرح مونو) خلال 16 و17 و18 و19 يناير (كانون الثاني) الحالي». لكل مسرحية عرضان فقط، تشارك فيهما مواهب تمثيلية جديدة متخرّجة من ورش عمل ينظمها «مسرح شغل بيت». ويوضح الهبر: «الهدف من هاتين المسرحيتين هو إعطاء الفرص لطلابنا. فهم يتابعون ورش عمل على مدى سنتين متتاليتين. ومن هذا المُنطلق كتب هؤلاء نص العملين من خلال تجارب حياة عاشوها. وما سنراه في المسرحيتين هو نتاج كل ما تعلّموه في تلك الورش».

* «مخبأ»: البوح متاح للرجال والنساء

تُعدّ المسرحية مساحة آمنة اختارتها مجموعة من النساء والرجال للبوح بمكنوناتهم. فلجأوا إلى مخبأ يتيح لهم التّعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية. وفي هذا المكان الصغير بمساحته والواسع بأجوائه تجري أحداث العمل. ويشارك فيه 4 نساء و4 رجال. وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و65 عاماً. وقد كتب محتوى النص كل واحد منهم انطلاقاً من تجاربه الحياتية. ويعلّق شادي الهبر: «إنها تجارب تنبع من واقع يشبه في موضوعاته وظروفه ما عاشه ناس كثر. وقد طلبت من عيسى بيلون أحد الممثلين فيها أن يضع لها التوليفة المناسبة. وخرج بفكرة محورها المخبأ. فحملت المسرحية هذا الاسم للإشارة إلى مشاعر نخبئها في أعماقنا».

يشارك في هذا العمل إيرما مجدلاني وكريستين مطر ومحمد علي بيلوني وغيرهم. وتتناول موضوعات اجتماعية مختلفة، من بينها ما يتعلّق بالعُقم والقلق والعمل بمهنة غير مرغوب بها. كما تطلّ على موضوع الحرب التي عاشها لبنان مؤخراً. فتحكي قصة شاب لبناني تعرّض منزله في الضاحية للقصف، فيقف أمام ما تبقّى منه ليتحدث عن ذكرياته.

مسرحية «مخبأ» تحكي عن مساحة أمان يتوق لها الناس (شادي الهبر)

ويتابع شادي الهبر: «تحمل المسرحية معاني كثيرة، لا سيما المتعلقة بما نخفيه عمّن هم حولنا، وأحياناً عن أنفسنا محاولين غضّ الطّرف عن مشاعر ومواقف تؤلمنا. فتكشف عن أحداث مرّ بها كلٌّ من الممثلين الثمانية، وتكون بمثابة أسرار يبوحون بها لأول مرة في هذا المكان (المخبأ). ويأتي المسرح كجلسة علاج تداوي الجراح وتبلسمها».

* «حكايات سميرة»: علاقات اجتماعية تحت المجهر

في المسرحية التي تُعرض خلال 18 و19 يناير على «خشبة مونو»، يلتقي الحضور بالممثلة لين جمّال بطلتها الرئيسة. فهي تملك كمية هائلة من القصص التي تحدث في منزلها. فتدعو الحضور بصورة غير مباشرة لمعايشتها بدورهم. وتُدخلهم إلى أفكارها الدفينة في عقلها الذي يعجّ بزحمة قصصٍ اختبرتها.

ويشارك في «حكايات سميرة» مجموعة كبيرة من الممثلين ليجسّدوا بطولة حكايات سميرة الخيالية. ومن الموضوعات التي تتناولها المسرحية سنّ الأربعين والصراعات التي يعيشها صاحبها. وكذلك تحكي عن علاقات الحماة والكنّة والعروس الشابة. فتفتح باب التحدث عن موروثات وتقاليد تتقيّد بها النساء. كما يطرح العمل قضية التحرّش عند الرجال ومدى تأثيره على شخصيتهم.

مسرحية «حكايات سميرة» عن العلاقات الاجتماعية (شادي الهبر)

مجموعة قصص صغيرة تلوّن المسرحيتين لتشكّل الحبكة الأساسية للنص المُتّبع فيها. ويشير الهبر إلى أنه اختار هذا الأسلوب كونه ينبع من بنية «مسرح شغل بيت».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مسرحنا قائم على المختبر التمثيلي والتجارب فيه. وأردت أن أعطي الفرصة لأكبر عددٍ ممكن من متابعي ورش العمل فيه. فبذلك يختبرون العمل المسرحي ويُبرزون مواهب حرفية يتحلّون بها. وما حضّني على اتباع الأسلوب القصصي هو اتّسام قصصهم بخبراتهم الشخصية. فيضعونها تحت الضوء ضمن تجربة مسرحية جديدة من نوعها. فأنا من المخرجين المسرحيين الباحثين باستمرار عن التّجدد على الخشبة. لا أخاف الإخفاق فيه لأني أُخزّن الخبرة من أي نتيجة أحصدها».

ويوضح شادي الهبر أنه انطلاقاً من موقعه مُخرجاً يرمي إلى تطوير أي عمل مكتوب يتلقاه من طلّابه. «أطّلع عليه لأهندسه على طريقتي، فأبتعد عن السطحية. كما أرنو من خلال هذا التّطوير لجذب أكبر عدد ممكن من المجتمع اللبناني على اختلاف مشاربه». ويتابع: «وكلما استطعت تمكين هؤلاء الطلاب ووضعهم على الخط المسرحي المطلوب، شعرت بفرح الإضافة إلى خبراتهم».

ويختم الهبر حديثه مشجعاً أيّ هاوي مسرح على ارتياد ورش عمل «مسرح شغل بيت»، «إنها تزوده بخبرة العمل المسرحي، وبفُرص الوقوف على الخشبة، لأنني أتمسك بكل موهبة أكتشفها».