مدريد تدافع عن هافانا وتثير امتعاض واشنطن

العاهل الإسباني يختتم زيارته إلى كوبا بلقاء مع قادة الحزب الشيوعي

العاهل الإسباني مع الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل في هافانا (رويترز)
العاهل الإسباني مع الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل في هافانا (رويترز)
TT

مدريد تدافع عن هافانا وتثير امتعاض واشنطن

العاهل الإسباني مع الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل في هافانا (رويترز)
العاهل الإسباني مع الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل في هافانا (رويترز)

رغم التأني الشديد الذي رافق الإعداد للزيارة التاريخية التي قام بها العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس إلى كوبا وانتهت مساء الخميس الماضي، والحرص الذي مارسته الحكومة الإسبانية في مخاطبة مستضيفها حول قضايا شديدة الحساسيّة في الجزيرة الكاريبية، أثارت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جوزيب بورّيل بشأن سياسة الإدارة الأميركية الحالية من كوبا امتعاضا لم تتأخر واشنطن في التعبير عنه، خاصة أنها صدرت عن المسؤول الجديد عن العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وفي تصريحات مطوّلة مع الصحافيين قال بورّيل: «نرفض بشدّة موقف الولايات المتحدة من كوبا، ونرفض الحصار الأميركي المفروض على الجزيرة. لا بد من تسمية الأشياء بتسمّياتها». وتجدر الإشارة أن الاتحاد الأوروبي، الذي يرفض العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع كوبا، بموجب القانون المعروف باسم «هلمز - بورتون»، لم يسبق أن استخدمت عبارة «حصار» للإشارة إلى السياسة الأميركية حيال كوبا. وأضاف بورّيل، الذي سبق أن وصف سياسة الإدارة الأميركية الحالية من الأزمة الفنزويلية بسياسة «رعاة البقر»، أن «الاتحاد الأوروبي لن يقبل بمحاولة واشنطن تطبيق تشريعاتها خارج أراضيها على الشركات الأوروبية، لأن في ذلك انتهاكاً لأحكام القانون الدولي». وقال الوزير الإسباني إنه لا يستبعد «عدم ارتياح الإدارة الأميركية لزيارة الملك إلى كوبا»، لكنه أكّد أن واشنطن لم تبلغ مدريد بأي موقف رسمي من الزيارة التي واجهت انتقادات شديدة من الجالية الكوبية في الولايات المتحدة المؤيدة للرئيس دونالد ترمب.
وكان الملك فيليب السادس قد أنهى زيارته إلى كوبا بلقاء خاص ومفاجئ مع الرئيس السابق والرجل القوي في الجزيرة راوول كاسترو الذي ما زال يحتفظ بمنصب الأمين العام للحزب الشيوعي. وأفادت المصادر الإسبانية أن الجانب الكوبي هو الذي طلب عقد اللقاء الذي وصفته مدريد بأنه «لفتة تعبّر عن الصداقة والتقدير»، علما بأن فيليبي السادس وراوول كاسترو سبق والتقيا في مناسبات عدة خلال تنصيب رؤساء في أميركا اللاتينية. وتجدر الإشارة أن الملك الفخري كارلوس الأول، والد العاهل الإسباني، كانت تربطه علاقة وطيدة بالزعيم الكوبي الراحل فيديل كاسترو.
وجاء هذا اللقاء بعد الخطاب الذي ألقاه فيليبي السادس ودافع فيه عن الديمقراطية وشدّد على احترام حقوق الإنسان، أمام الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، مؤكداً أن التغيير لا يمكن أن يُفرض من الخارج، في إشارة إلى الضغوط التي تمارسها واشنطن لتغيير النظام السياسي في الجزيرة. وقال فيليبي السادس: «لا بد للمؤسسات أن تمثّل جميع الأطياف في المجتمع، وأن تحترم حقوق المواطنين، ومنها التعبير عن آرائهم بحريّة». واستشهد العاهل الإسباني بدستور بلاده وكيف تعلّم منه الإسبان «أن الديمقراطية هي النظام الأمثل الذي يمثّلهم ويدافع عن حقوقهم في الحرية والكرامة». وفي ردّه على كلمة فيليبي السادس قال الرئيس الكوبي: «في هذا الطريق الذي اخترناه بمحض إرادتنا، من المهم أن نعتمد على أصدقاء حقيقيين يرافقوننا، والإسبان من بينهم»، ثم أضاف: «لكن الشعب الكوبي هو صاحب الحق والسيادة في اختيار النظام السياسي الذي يريد ووتيرة التغييرات التي يقررها». وفيما شدّد فيليبي السادس في كلمته على استعداد إسبانيا لمرافقة كوبا في هذه المرحلة، ودعا إلى عدم الإبطاء في التغييرات السياسية نحو نظام ديمقراطي وتعددي يحترم الحقوق الأساسية، اكتفى الرئيس الكوبي بعرض الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها النظام حتى الآن. تتهم الولايات المتحدة الحكومة الكوبية بقمع شعبها بنظام الحزب الواحد، الحزب الشيوعي، الذي لا يقبل أي معارضة، وبدعم فنزويلا بقيادة نيكولاس مادورو عسكريا.
وقال رئيس الدولة خلال زيارة قام بها أمس إلى منطقة غوانتانامو، التي تقع فيها القاعدة البحرية الأميركية «في كوبا سنقاوم ولن نستسلم أبدا، وبدعم الجميع سنواصل تطوير أفكارنا ومفاهيمنا وستستمر البلاد في التقدم». وقال دياز كانيل: «كل أسبوع يصدر إجراء جديد»، بينما أحصت الحكومة الكوبية أكثر من 180 قرارا أميركيا منذ يونيو (حزيران) 2017، وبين هذه القرارات تفعيل القانون الأميركي هيلمس بورتون الذي يهدد بملاحقة الشركات الأجنبية التي تعمل في الجزيرة. ومنذ ذلك الحين يستهدف القضاء مجموعات كبيرة مثل «أميريكان أيرلاينز» و«كارنيفال» و«أمازون».
وكان العاهل الإسباني قد عقد لقاءات مع ممثلين عن المجتمع المدني الكوبي وأصحاب مؤسسات خاصة سمحت بها الإصلاحات الاقتصادية، ومع صحافيين يشرفون على منصّات رقمية للتواصل وعدد من الفنانين والكتّاب. كما اجتمع مع مسؤولين عن عشرات الشركات الإسبانية التي تشملها العقوبات الأميركية، ووعد بمساعدة هذه الشركات التي وصفها بأنها «خميرة التحوّل في كوبا». وقبل أن يغادر العاهل الإسباني العاصمة هافانا إلى سانتياغو دي كوبا المحطة الأخيرة في زيارته، قام بزيارة المعهد الكوبي لأبحاث السرطان الذي يعتبر من أهم المراكز في العالم.
وفي سانتياغو دي كوبا ختم فيليبي السادس زيارة أول ملك إسباني إلى المستعمرة السابقة، حيث أصيب التاج الإسباني بواحدة من أقسى هزائمه العسكرية في يوليو (تموز) 1898 عندما تمكّنت الولايات المتحدة من تدمير الأسطول الإسباني الذي يعتبره المؤرخون الفصل الأخير في تاريخ الإمبراطورية الإسبانية.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».