أميركا تطالب حفتر بوقف معركة طرابلس وتبدي انزعاجها من «التدخل الروسي»

TT

أميركا تطالب حفتر بوقف معركة طرابلس وتبدي انزعاجها من «التدخل الروسي»

شهد النزاع الليبي منحى تصاعدياً جديداً تمثّل في تلاسن أميركي - روسي. فبعد ساعات من اتهام أميركي لروسيا بـ«استغلال الصراع» الدائر في ليبيا لمصالحها، رد نائب رئيس اللجنة الدولية في مجلس الفيدرالية الروسي فلاديمير جباروف، أمس، وقال إن أي محاولات لاتهام بلاده باستخدام النزاع في ليبيا «لا أساس لها من الصحة». وجاء ذلك في وقت طالبت أميركا المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» بـ«إنهاء الحرب على طرابلس» ورأت أن ذلك «سيسهل من التعاون مع ليبيا لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر»، في إشارة إلى موسكو.
وطالبت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان مساء أول من أمس، حفتر بـ«وقف العميلة العسكرية» التي يشنها منذ شهور لـ«تحرير» طرابلس من المجموعات والميليشيات المسلحة. وصدر الموقف الأميركي خلال زيارة وفد من حكومة «الوفاق»، المدعومة أممياً، للولايات المتحدة، حيث بحث في بعض المسائل الأمنية التي تهم الطرفين.
ورأى فرج الشلوي، عضو مجلس النواب الليبي، أن الموقف الأميركي «لا يخرج عن كونه مجاملة لوفد حكومة الوفاق»، لكنه قال إن «قرار إيقاف الحرب ليس بيد أميركا أو أي دولة أخرى، وإن الجيش الليبي يستعد منذ فترة لهجوم كاسح ونهائي على جميع محاور القتال» في طرابلس. وتابع النائب الذي ينتمي لمدينة القبة (بشرق البلاد)، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أمس، أن «أميركا تعلم جيداً أن (الجيش الوطني) يحارب ميليشيات مسلحة، وما تبقى من الميليشيات الإرهابية الفارة من سوريا»، في إشارة إلى مزاعم عن فرار متشددين إلى ليبيا بعد انهيار تنظيم داعش في سوريا. وزاد النائب الليبي أن «المشير (حفتر) ليس محسوباً على أميركا ولا على أي طرف خارجي. هو مجرد إنسان وثق فيه بعض ضباط وجنود القوات المسلحة والتف حولهم الشعب»، بحسب رأيه.
وكانت الخارجية الأميركية قد قالت في بيانها إن «حكومة الولايات المتحدة أطلقت وحكومة (الوفاق الوطني)، ممثلة بوزير الخارجية محمد سيالة، ووزير الداخلية فتحي باشاغا، حواراً أمنياً أميركياً - ليبياً في العاصمة واشنطن»، داعية «(الجيش الوطني) إلى إنهاء هجومه على طرابلس». وذهبت إلى أن ذلك سيعزز فرص التعاون بين البلدين لمنع التدخل الأجنبي، الذي وصفته بـ«غير المبرر»، وتعزيز سلطة الدولة الشرعية، ومعالجة القضايا الأساسية المسببة للصراع. وأكد الوفد الأميركي المشارك في الحوار والممثل لعدد من الوكالات الحكومية الأميركية، بحسب بيان الخارجية، «دعمه لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها» في مواجهة ما سماه بـ«محاولات روسيا لاستغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي».
وسريعاً جاء الرد الروسي على لسان رئيس اللجنة الدولية في مجلس الفيدرالية الروسي، وقال بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية، أمس، إن «أي محاولات لإلقاء اللوم على روسيا بأنها تستخدم النزاع في ليبيا لمصالحها، لا أساس لها، وكذلك المزاعم بأن قواتنا موجودة هناك»، واصفاً تلك التصريحات بـ«الغباء».
وانتهى البرلماني الروسي جباروف قائلاً: «سيكون من الأفضل أن يتذكروا من الذي صنع العصيدة الليبية نفسها، ومن تغاضى عن اغتيال (العقيد معمر) القذافي، وبعد ذلك انهارت الدولة الليبية بشكل أساسي... كانت الولايات المتحدة بالتحديد».
وتقول قوات «الوفاق» إن مرتزقة يتبعون لشركة «فاغنر» الروسية يعملون لمصلحة قوات حفتر في ليبيا، وإن عدداً منهم قتل في معركة طرابلس. لكن روسيا نفت أن يكون لها قوات في ليبيا.
في شأن آخر، توقفت أمس حركة الملاحة الجوية المنطلقة من مطاري مصراتة ومعيتيقة بطرابلس، والمتجهة إلى دول خارجية، إلى حين البحث عن «حلول بديلة» على خلفية قرار هيئة الطيران المدني التابعة للحكومة المؤقتة بشرق البلاد بضرورة هبوط الطيران في مطار بنينا (بنغازي) للتفتيش واستكمال الإجراءات الجمركية قبل السماح لها بإكمال رحلاتها.
وقالت إدارة مطار معيتيقة، في بيان، إن «إجبار الطائرات التي تقلع من مطاري معيتيقة ومصراتة على الهبوط بمطار بنينا الدولي من قبل سلطات المنطقة الشرقية يترتب عليه إهدار للوقت وخسائر للشركات الناقلة من حيث الوقود والإطارات بالإضافة إلى التعب الذي يلقاه المسافر بزيادة ساعات الانتظار»، مشيرة إلى أنه تقرر «تعليق الرحلات مؤقتاً من وإلى عمّان والإسكندرية إلى حين البحث عن حلول بديلة».
وقالت وزارة المواصلات بحكومة «الوفاق» إنها تبحث مع السلطات المصرية إمكانية استخدام الأجواء المارة فوق البحر المتوسط، من أجل تفادي مرور الرحلات الجوية فوق المناطق الشرقية التي يسيطر عليها حفتر.
ميدانياً، قصفت مقاتلات حربية تابعة لـ«الجيش الوطني» أهدافاً لقوات «الوفاق» في مدينة تاجوراء شرق العاصمة طرابلس. وأوضح مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» أن «مقاتلاتنا استهدفت معسكراً تتمركز به كتيبة البقرة التي يرأسها خلف الله بشير، بالإضافة إلى معسكرات لقوات مصراتة».
في المقابل، قالت قوات «الوفاق» إنها كبّدت قوات حفتر خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. ونشرت مقاطع فيديو تظهر احتراق آليات عسكرية والاستحواذ على معدات قالت إن قوات الجيش الوطني تركتها في أرض المعركة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم